تراجعت ثقة المستثمرين الألمان أكثر من المتوقع في آب (أغسطس)، وعزا معهد "زد.إي.دبليو" للأبحاث تدهور التوقعات في أكبر اقتصاد أوروبي إلى النزاعات التجارية وزيادة احتمالات خروج بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق. بحسب "رويترز"، كشف مسح شهري نشرت نتائجه أمس، عن تراجع مستوى الثقة الاقتصادية بين المستثمرين إلى - 44.1 في المائة من - 24.5 في المائة في تموز (يوليو) وهو أدنى مستوى منذ كانون الأول (ديسمبر) 2011. وتوقع اقتصاديون استُطلعت آراؤهم، انخفاض الثقة إلى - 28.5 في المائة، وتراجع المؤشر داكس الألماني إلى أدنى مستوى خلال الجلسة بعد نشر "زد.إي.دبليو" نتائج المسح. وانخفض مؤشر منفصل يرصد تقييم المستثمرين للأوضاع الاقتصادية الراهنة إلى - 13.5 في المائة من - 1.1 في المائة في الشهر السابق، وكان محللون توقعوا أن يسجل المؤشر قراءة عند - 7.0 في المائة. وما زال المستهلكون الألمان يمثلون نقطة مضيئة على خريطة الاقتصاد العالمي التي يغلب عليها اللون القاتم، بفضل المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الألماني حتى الآن، سواء فيما يتعلق بقوة سوق العمل أو أسعار الفائدة المنخفضة بشكل قياسي وارتفاع الأجور ومعدل التضخم المنخفض، وهو ما يشجع الألمان على مواصلة الإنفاق الاستهلاكي القوي. يقول ألكسندر كوتسليك مدير الصحة والسلامة المهنية في إحدى الشركات في برلين "أسمع الناس الذين أعرفهم يقولون إنهم يشعرون بأن لديهم كثيرا من المال، وإنهم ينفقون بشكل أساسي كثيرا من المال". ويضيف كوتسليك وهو أب لأسرة شابة "إنهم يفضلون الاستمتاع بالحياة وإنفاق المال لمجرد المتعة"، وهو مثل كثيرين من سكان برلين يعدون التسوق الجزء الأكبر من الحياة في العاصمة الألمانية. وعلى مدى عقود كانت الصادرات والتصنيع، المحركات الرئيسة لنمو أكبر اقتصاد في أوروبا، وهو ما ساعد ألمانيا على الخروج من دائرة الدمار والانهيار بعد الحرب العالمية الثانية، ووضعت أسس المعجزة الاقتصادية الألمانية التي بدأت في خمسينيات القرن الـ20. لكن في الآونة الأخيرة ومع تحسن ثقة الألمان باقتصاد بلادهم، بدأت النظرة إلى التصدير والتصنيع باعتبارهما محرك نمو الاقتصاد تتغير، ويتزايد التركيز على الإنفاق الاستهلاكي كمحرك للنمو، وعلى مدى السنوات التسع الماضية واصل الاقتصاد الألماني نموه، في حين سجلت الأجور في العام الماضي أعلى زيادة لها منذ 2011. ومع أسعار الفائدة فائقة الانخفاض، أصبح من الصعب التفكير في الاحتفاظ بالأموال في البنوك، وهو ما جعل كثيرين من الألمان يتخلون عن تقليد مستقر لديهم، هو الحرص على ادخار جزء من دخولهم، وبدلا من التوجه إلى البنوك للإيداع والادخار، اتجه الألمان إلى البنوك لسحب الأموال والتوجه إلى الأسواق للتسوق أو للشراء عبر الإنترنت. وخلال النصف الأول من العام الحالي، وصلت قيمة الإنفاق الاستهلاكي للألمان إلى 438.3 مليار يورو "492 مليار دولار". يعتقد كوتسليك "أن الناس تدخر الآن آقل من ذي قبل"، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: إلى أي مدى يمكن للاستهلاك الألماني مواصلة النمو بعيدا عن الصورة القاتمة لقطاع التصنيع، في ظل سلسلة التوترات التجارية والجيوستراتيجية العالمية، بما في ذلك الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة واحتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق؟ يؤكد أولريش ستيفان كبير المخططين الاستراتيجيين في مجموعة "دويتشه بنك" المصرفية الألمانية أن "الصناعة الألمانية في أزمة.. أداء الاقتصاد الألماني جيد حتى الآن بفضل الأداء الجيد للمستهلكين وقطاع الخدمات". والحقيقة أن البيانات الاقتصادية تشير إلى تباطؤ قطاع التصنيع في غالبية دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وألمانيا، لكن أرقام الإنفاق الاستهلاكي في ألمانيا تعطي صورة أكثر إشراقا. ففي حين تشير البيانات إلى استقرار معدل البطالة في ألمانيا عند مستوى 5 في المائة خلال تموز (يوليو) الماضي، للشهر الثالث على التوالي، زادت مبيعات التجزئة خلال حزيران (يونيو) الماضي بأسرع وتيرة لها منذ 12 عاما، حيث زادت عن الشهر السابق بنسبة 3.5 في المائة، في حين زادت في النصف الأول من العام الحالي ككل بنسبة 2.2 في المائة عن الفترة نفسها من العام الماضي بفضل الأداء القوي لقطاع التسوق عبر الإنترنت. في الوقت نفسه، فإن ثقة المستهلكين القوية بألمانيا، تؤكد أيضا الفجوة الواسعة بين أكثر من 20 مليون أسرة في ألمانيا من ناحية، وأعضاء مجالس إدارة الشركات الألمانية من ناحية أخرى. لكن مؤسسة "جي.إف.كيه" التي تتخذ من مدينة "نورنبرج" الألمانية مقرا لها تحذر من أنه "من الواضح أن التباطؤ الاقتصادي العالمي والنزاعات التجارية وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أصبح لها تأثير متزايد في ثقة المستهلكين بألمانيا".
مشاركة :