شهد المجتمع العربي حالة من الزهد والبساطة في الاحتفال بالعيد إبان ظهور الإسلام، فكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هو الموجه والقائد لسلوكيات الاحتفالية الجديدة التي يشهدها المجتمع، فكان المسجد هو المكان الذي يجتمع فيه الناس لكافة الأمور الجامعة، ولا سيما الأعياد، ويحب النبي أن يذهب لصلاة العيد فيمشي في شارع ويعود من آخر، حتى يتمكن من رؤية الجميع ومشاركة الناس في أفراحهم، كما كان يفضل أن يمشي وسط الصحابة مكبرا: "الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله.. الله أكبر الله أكبر.. ولله الحمد، الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون".ويردد الكل تكبيرات العيد في الأسواق والشوارع وطوال أيام العيد، وتشهد النساء الصلاة في الساحات والأماكن الواسعة، كما كان الرجال يلعبون الألعاب الرياضية، ويشاهد ذلك الكل، ولكن عندما اكتملت أركان الدولة شهد العيد طقوسًا ومظاهر أكثر بهجة وأكثر ارتباطا بعادات وتقاليد الشعوب التي دخلت في الإسلام.ففى العصور الإسلامية التالية، كان الخليفة يخرج لصلاة العيد برفقة وزرائه وكبار رجال دولته، وبعدها يطوف بالجند، ويتلقى التهاني من الناس فى الطرقات، وبعد عودته إلى قصر الملك يستقبل وفود المهنئين من علماء وفقهاء.. إلخ، وتقام الاحتفالات التى يتبارى فيها المغنيون والشعراء وأيضا العلماء.واحتفل كثير من القادة بالعيد في ميادين النصر بعد حروب طويلة خاضها المسلمون، فيأتى العيد ليمثل مناسبة للفرحة والانتصار أيضًا، ومن تلك الوقائع الكبيرة التي توافقت مع احتفال المسلمين هو فتح القائد العسكري المغربي طارق بن زياد لشمال إسبانيا، وهي ما عرفت بعد ذلك بالاسم العربي "الأندلس" حيث عبرت إليها مجموعة من القبائل العربية التي وطدت الوجود العربي هناك، وساهمت في تكون حضارة وثقافة عربية خاصة ما زالت آثارها باقية حتى اليوم، وقد دارت رحى معارك طارق بن زياد في عام 92 هـ ليمهد بذلك انتصاراته القادمة في السيطرة على الأندلس، واشتدت المعارك ووقعت معركة "وادي لكة" ليجيء العيد على القائد مزهوا بانتصاراته المتوالية والتي نالت إعجاب موسى بن نصير والخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك.وعن الاحتفالات التي كانت تقيمها مصر للعيد، يقول ابن تغري بردي في كتابه "النجوم الزاهرة في أخبار مصر والقاهرة"، إن مصر عرفت صورة الاحتفالات الكبيرة في عيدي الفطر والأضحى، حيث توسعت فنون التسلية، ومنها الخروج للتنزه على شاطئ النيل، وفي جزيرة الروضة، وكانوا يستأجرون القوارب والسفن الشراعية للتنزه بها، وذات الأمر على شاطئ الإسكندرية من ناحية الرمل، وكانوا يستأجرون المغنين والمغنيات ليعيشوا معهم فرحة العيد بالأغاني، كما كانت تلقى في تلك الفترة القصائد الشعرية لرموز الشعر الكبار أمثال البهاء زهير، بل إن الشاعر المملوكي الكبير ابن دانيال دعا السلطان المملوكي الظاهر بيبرس لحضور ثلاث حفلات شعرية في نهار أحد أيام عيد الأضحى.وتتزين قصور الخلفاء والأمراء وكبار رجال الدولة للعيد، ويشارك الكل في الوقوف وشهادة شعيرة الأضحية التي تشعر المؤمن بصدق ما يقدمه لله من تضحية، وما يحييه من شعيرة تمس أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام عندما صعد الجبل لذبح الابن استجابة لأوامر إلهية، وتتزين المساجد أيضا، وتشهد المدن احتفالات متنوعة، ويرتدى الأهالى ملابس خاصة للاحتفال بالعيد منها «الطيالسة السوداء» تشبها بالخلفاء العباسيين، الذين اتخذوا السواد شعارًا لهم، وكان بعضهم يتخذ بدل العمائم قلانس طويلة مصنوعة من القصب والورق مجللة بالسواد، ويلبسون الدروع كتب عليها «فسيكفيكم الله وهو السميع العليم".أما الخلفاء فكانوا يجذلون العطايا للناس ويقيمون الموائد لهم، كما كانوا يستغلون مناسبة العيد، لتوجيه رسائل سياسية، فيخرج الخليفة بولى عهده ليعتاد الناس على فكرة توليته لأمور الناس من بعد أبيه، مثلما حدث فى عصر الخليفة العباسى المأمون، الذى ألح على ولى عهده، وهو على بن موسى الرضا، كى يظهر بتلك الطريقة التى رسمها كخليفة من أبناء العباس يولى إمامًا علويًا خليفة له، وهذا كان مستغربًا، وعندما رفض على بن موسى الخروج أعاده الخليفة المأمون إلى حيث يريد.ونقل المؤرخون أمثال المقريزي والسيوطي والرحالة ابن بطوطة مظاهر احتفال الشعوب الإسلامية بالعيد، حيث هناك من يستمع إلى سيرة عنترة وأبي زيد الهلالي وسيرة الظاهر بيبرس في الحدائق العامة بالقاهرة والإسكندرية، وأن الناس في صبيحة عيد الأضحى كانوا يخرجون ويطوفون الشوارع مبتهجين يعلقون الزينات ويضيئون المصابيح.
مشاركة :