لا صديق سوى الجبال

  • 8/15/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

يوسف أبو لوز كان محمود درويش يقول.. «ليس للكرديِّ إلاّ الرّيح»، واليوم، أيضاً، ليس له إلاّ الجبال، وهذا ما فعله الكردي الإيراني بهروز بوجاني الذي كتب سيرته الذاتية على شكل رواية بعنوان «لا صديق سوى الجبال» لتفوز بجائزة أدبية أسترالية، ويصبح صديق الجبال معروفاً في العالم على الرغم من أنه يعيش في مخيم احتجاز للمهاجرين الفارّين من بلدانهم إلى شيء من الكرامة البشرية حتى لو في جزيرة نائية، والمفارقة في الرواية والجائزة أن الرواية تفضح الممارسات اللّاإنسانية للسلطات الأسترالية على المهاجرين الذين لا يمتلكون أوراقاً ثبوتية لطلب اللجوء، أما الجائزة فهي مع ذلك أسترالية: «25 ألف دولار أسترالي».في فترة التسعينات كان يعيش في العاصمة الأردنية عمّان كردي آخر لا يمتلك هو أيضاً أوراقاً ثبوتية. وكل ما كان في جيب قميصه ورقة صغيرة مكتوب فيها: «.. اسمي جان دمّو.. في حال عثر عليَّ ميتاً أرجو الاتصال على الرقم..».لم يكتب جان دمّو (1943-2003) سيرة ذاتية ولا رواية ولم يكن في جيبه لا دولار أمريكي ولا دولار أسترالي، وفي لحظة حصل جان دمّو على اللجوء الإنساني إلى أستراليا، وسافر إلى ملبورن، ولكن مرة ثانية ليس للكرديّ إلاّ الريح، فقد توفي دمّو بعد دخوله أستراليا بوقت قصير، وانتهت بذلك حياة شاعر عراقي كان لا يمتلك من هذه الدنيا الفانية شيئاً سوى الأسمال.كان لا صديق لجان دمّو سوى شارع السلط وسط عمّان. كان يتوقف أحياناً بكامل نحوله وهامشيته بجانب كشك كتب «أبو علي» الشهير في وسط البلد.. سارحاً، صامتاً أحياناً، وساخراً في الكثير من الأحيان. لا وطن ولا بيت ولا عائلة ولا مؤسسة مهما كان نوعها بإمكانها أن تضعه في مخيم احتجاز أو في مركز إيواءْ.كان جان دمّو، الكردي الشاعر الذي جاء مع عشرات الشعراء العراقيين إلى عمّان ليتوزعوا بعد ذلك بكراماتهم واحترامهم لأنفسهم إلى موانئ الأرض ومطاراتها.. كان لا يقبل صدقة من أحد. أقل القليل من ثياب وطعام ومأوى يكفيه، ويكفي كرامته، وصحيح أنه كان يرتدي ما يشبه الأسمال، ولكنها على أية حال كانت أسمالاً نظيفة، ولكن عند جان دمّو ليس المهم هو ما يُرتدى أو يُلَبْس، بل المهم هو ما يُكتْب.حينما مات جان دمّو في ملبورن، بعيداً جداً عن الجبال، لم يكن في حاجة لأحد لكي يتصل على رقم الهاتف الذي كان يحتفظ به، فهو كان في قلب النعيم الذي لم يطل أمده، كأنه منذور أبداً للرّيح.ترك جان دمّو مجموعة قصائد بعنوان «أسمال». قصائد قصيرة دائماً. قصائد تشبهه تماماً. نحيلة.. لكنها حياته هو. حياته الصادقة بلا زيف ولا تسوّل.. «.. تعلمت أن أكون أنا، وأن أترك للواقع أن يتكفل ما فسد. المسافة تقصر، والحقيقة تتآكل، الجمال غرفة يابسة.. مهجورة..». yabolouz@gmail.com

مشاركة :