أثار اكتشاف موقع يتخذه عدد من أبناء الجالية الهندية المنتمين إلى طائفة السيخ، في الكويت “معبدا” لممارسة طقوسهم الدينية ضجّة متصاعدة في البلد اعتبرها البعض مبالغا فيها، ورآها البعض الآخر انعكاسا لسطوة قوى متشدّدة على المجتمع والدولة، الأمر الذي لا يخلو من انعكاسات على سمعة البلد ويعقّد من مهمّة عدد من قياداته وقواه السياسية المعنية بتسويق صورة إيجابية عنه كبلد متفتّح ومتسامح. وكشفت صحيفة محلّية كويتية عن وجود “المعبد” غير القانوني داخل منطقة سكنية قرب العاصمة الكويت. وقالت صحيفة الرأي في تقرير لها عن الموضوع إنّ مجموعة من أبناء الجالية الهندية وضعت عبارة “معبد السيخ” (بالإنكليزية) على موقع مخصص لإحدى الشركات في منطقة الصليبية السكنية، مبيّنة أنّ الآلاف من الهنود يرتادونه منذ تأسيسه قبل نحو تسع سنوات، بشكل دوري ويمارسون فيه طقوسهم الدينية ويطبخون الطعام داخله ويوزعونه. وذكرت الصحيفة أن إقامة ذلك المعبد تشكّل مخالفة صريحة للدستور الذي ينص في مادته الخامسة والثلاثين على أنّ “حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان طبقا للعادات المرعية، على ألا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب”، مستدركة بأنّ المقصود من هذه المادّة الدستورية هو الأديان السماوية الثلاثة، أي الإسلام والمسيحية واليهودية. وتساءلت هل ستكون إقامة المعبد غير المرخّص “حبة في عقد مخالفات لطوائف أخرى ربما تسوّل لها أنفسها إنشاء أماكن عبادة بعيدا عن أعين الدولة، وكيف ستتصرف الجهات الحكومية المعنية إزاء المعبد السيخي”. واستدعى التزايد الكبير في عدد الوافدين إلى الكويت لتلبية حاجات سوق الشغل، ظهور مطالبات للتوسّع في إقامة دور العبادة لأبناء الديانات التي تدين بها أكبر الجاليات ومن ضمنها الجالية الهندية، لكنّ موانع كانت تظهر في طريق تلبية المطالبات التي رأى البعض أنّ الاستجابة لها يمسّ بهوية البلد وبمشاعر مواطنيه. ليست المرّة الأولى التي يتعرّض فيها مستوى الاعتدال والتسامح في الكويت لمثل هذا الاختبار في ظلّ وجود قوى متشدّدة وقبل نحو عقدين واجهت الكويت قضية مشابهة لقضية المعبد السيخي غير المرخّص المثارة حاليا، حيث تمّ الكشف سنة 2001 على معبد للطائفة ذاتها مقام دون ترخيص في إحدى الدور السكنية، وتمّت إزالته من قبل وزير الأوقاف آنذاك استنادا إلى تفسير للمادة نفسها من الدستور، على اعتبار أن حرية الاعتقاد وحماية الدولة لإقامة الشعائر الدينية تشمل فقط الأديان السماوية الثلاثة. وبحسب دعاة الاعتدال وحرية المعتقد في الكويت، فإنّ لجوء طائفة ما أو أتباع ديانة معيّنة لإقامة معابد غير مرخّصة، يشير إلى وجود مشكلة من قبيل قلّة المعابد المقامة بشكل قانوني أو عدم استجابتها لعامل توسّع الجاليات أو بعدها المكاني بحيث يضطر البعض لإقامة مواطن للعبادة قريبا من سكنهم أو مواقع عملهم. ويحذّر هؤلاء من الصورة السلبية التي يمكن أن تتأتى للكويت جرّاء عدم استجابتها لمطالب أبناء الديانات المختلفة، مطالبين بعدم المبالغة في “الفزع” من مجرّد اكتشاف معبد للسيخ، معتبرين أنّ وراء توسّع الضجّة حول مثل تلك القضايا رغبة بعض الأطراف في التكسّب السياسي من وراء قضايا جوفاء للتغطية على افتقار تلك الأطراف للأفكار والبرامج. وفي إطار الضجّة المتصاعدة حول المعبد السيخي، قال النائب بمجلس الأمّة الكويتي رياض العدساني إنّ “هناك من يعتقد أن حرية العقيدة من خلال السماح بإقامة معابد مخالفة لقوانين الدولة والتعدي على أراضيها دون ترخيص رسمي”. وأضاف “منهم من يعتقد أن حرية التعبير هي المساس بديننا الإسلامي الحنيف. إلا أن الأسوأ هم الذين يصنعون من الإلحاد انفتاحا فكريا فما هم إلا في درك التخلف وقمة المتخلفين”. وليست المرّة الأولى التي يتعرّض فيها مستوى الاعتدال والتسامح في الكويت لمثل هذا الاختبار في ظلّ وجود قوى متشدّدة ذات نفوذ إعلامي ومالي وسياسي ومشاركة بالفعل في إدارة أجهزة الدولة. فقضية منع الاختلاط في الجامعات ما تزال مثارة من قبل رموز الإسلام السياسي، وذاكرة الكويتيين ما تزال تحتفظ بالضجّة الكبرى التي أثارها نواب إسلاميون قبل نحو سنتين حول احتفال بنهاية السنة الدراسية أقامته طالبات إحدى الثانويات تحت إشراف أوليائهن، ورأت فيه قوى الإسلام السياسي مظهرا على “انهيار أخلاقي” كبير يداهم المجتمع.
مشاركة :