«قد يكون الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب يرى في نفسه رونالد ريغن جديدا لكنه نسي أنه لا يوجد أي ميخائيل غورباتشوف في إيران». – هذا ما يقوله الباحث والأكاديمي الأمريكي ستيفن سيمون، المختص في شؤون الشرق الأوسط، وهو يحذر من ازدياد التصعيد في منطقة الخليج وتحوله إلى أزمة خطيرة مفتوحة على كل الاحتمالات. ينتقد هذا الباحث السياسي الاستراتيجي ما اسماه غياب أي فكر استراتيجي منسجم في واشنطن التي تبعث برسائل متباينة أربكت الأصدقاء والحلفاء قبل أن تربك الأعداء كما أنه يعتبر أن إيران قد تسيء فهم تفسير هذه الرسائل. أجرت صحيفة لوفيغارو الحوار التالي مع هذا الباحث الأمريكي وفيما يلي نصه الكامل: * ما رأيكم في الأزمة المتصاعدة ما بين إدارة الرئيس دونالد ترامب وإيران؟ هل يمكن أن تفضي إلى حرب؟ - خلافا لما يردده البعض في تحاليلهم السياسية فإننا لم نصل بعد إلى مرحلة الأزمة وإنما يتعلق الأمر بتصعيد قد يفضي إلى عواقب وخيمة. هل تنتهج إدارة الرئيس دونالد ترامب نفس سياسة دونالد ريغن في التعامل مع إيران؟ ظلت الإدارات الأمريكية تسعى في البداية إلى انتهاج سياسة الانفتاح لكن عندما تصل إلى طريق مسدود وتحصل الخيبة السياسية تعود الإدارة الأمريكية إلى سلاح الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية الموجعة. أحيانا أخرى تكون الضغوط الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية قبل أن يحصل الانفتاح السياسي والدبلوماسي وهو ما فعله الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. في الحقيقة فإن المسألة أو المشكلة الإيرانية كانت دائما صعبة ومعقدة لأن نظام الملالي الثيوقراطي في طهران لم يبد يوما أي اهتمام خاص بالدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية وهو يحذر كثيرا من حقيقة النوايا التي تبنتها سلطات واشنطن للجمهورية الإسلامية التي أنشأها الخميني. ظل المرشد الأعلى الحالي علي خاميني يعبر أيضا عن حذره الشديد من الولايات المتحدة الأمريكية الأمريكية وقد ظل يعتبر أن أي تنازل معها يرتقي إلى الخيانة الوطنية. يمكن أحيانا أن يضطر القادة الراديكاليون الحاكمون منذ أكثر من ثلاثة عقود في طهران الى أن يتصرفوا بنوع من البراغماتية عندما تصبح كل الطرق أمامهم مسدودة, من ذلك مثلا أن الخميني قد وقع اتفاقا أنهى حرب الثماني سنوات عام 1988 مع العراق في ظل حكم عدوه اللدود صدام حسين. لا ننسى أيضا أن الرئيس حسن روحاني قد اضطر سنة 2015 إلى إبرام اتفاق نووي مع الدول الخمسة الأعضاء في مجلس الأمن الدولي إضافة إلى ألمانيا. تتمثل المشكلة الأساسية اليوم في أن الاشارات التي تبعث بها إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب غير واضحة ومربكة وقد يصعب على طهران شرحها وفهم ما تنطوي عليه كما أن الاشارات والرسائل التي تبعث بها طهران ليست بالضرورة مفهومة في واشنطن وهذا أمر خطير في غياب أي قناة اتصال مباشرة ما بين البلدين اللذين لا يزالان يعيشان على وقع تداعيات فترة الثمانينيات. في مثل هذه الظروف يصعب الخروج من مثل هذه الأزمات وخاصة إذا أصبح عنيفا. الأمريكيون لهم خطة للحرب، كما أن هذه الخطة العسكرية لها منطقها. إيران لها أيضا خطتها وقد هددت أيضا بأنها إذا ما استهدفت عسكريا فإنها ستوسع من نطاق الصراع وتستهدف الدول الخليجية العربية. * لدينا انطباع أن أيا من الطرفين الأمريكي والإيراني لا يرغب في الوصول إلى الحرب والمواجهة العسكرية كما أن كل طرف يحاول اختبار الطرف الثاني من أجل زعزعة ثقته والنيل من صورته أمام الرأي العام العالمي، ومن ثم استعادة التأييد الأوروبي. - الأمريكيون ليسوا في عجلة من أمرهم من أجل الاستعانة بالأوروبيين في مواجهة إيران، بل إن الإيرانيين هم الذين يتوددون للأوروبيين الذين لا يبدون أي رغبة كبيرة في الدفاع عن الاتفاق النووي الإيراني. صحيح أنه يصعب مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية والتي تهدد بمنع الصفقات بالدولار عن الشركات الأوروبية. يصعب أيضا مواجهة القوة الاقتصادية الأمريكية التي تملك كل المفاتيح للضغط على كل دول العالم! إذا خير الأوروبيين ما بين التجارة مع إيران وإمكانية التجارة بالدولار الأمريكي فإنهم سيختارون الصفقات بالدولار الأمريكي بكل تأكيد لأنها مسألة حياة أو موت. الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم سلاح العقوبات الاقتصادية ضد عشرات الدول في العالم، بما في ذلك الحلفاء. * أنت تتحدث عن سعي الولايات المتحدة إلى إخضاع إيران لكن ما الهدف الذي يسعى الرئيس ترامب إلى تحقيقه على وجه التحديد؟ هل يريد أن يدفع إيران إلى طاولة المفاوضات مجددا وإجبارها على وقف عملياتها الرامية إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي في الخليج والمنطقة؟ - المشكلة هي أن الإدارة الأمريكية منقسمة على نفسها كما أنها قوضت ودمرت مختلف الآليات السياسية التقليدية التي تعاملت بها مختلف الإدارات الأمريكية السابقة وإن اختلفت مقارباتها. لم تعد توجد في واشنطن أي هياكل قادرة على إنتاج سياسة خارجية منسجمة. هناك وزير الخارجية مايك بومبيو ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومستشار الأمن القومي. هؤلاء يؤيدون سياسة تغيير نظام حكم الملالي الثيوقراطي الحاكم في طهران. هناك من ناحية أخرى وزارة الدفاع الأمريكية التي ظلت تعترض على مثل هذا التمشي. وسط كل هذا يوجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يتحدث عن ضرورة التوصل إلى اتفاق جديد قبل أن يعود ويقول أن إيران تمثل خطرا جسيما يتعين القضاء عليه والتخلص منه. إنه يتصرف مثل بائع العقارات في مدينة نيويورك الأمريكية. لقد انتهج هذه المقاربة مع كل من كوريا الشمالية من قبل وإيران الآن لكن هذه المقاربة لم تثبت جدواها. الرئيس ترامب لا يريد الدخول في حرب مع إيران. إنه يريد أن يعطي الانطباع بأنه قوي دون أن يقدم على أي مجازفة. إنه يخوض حربا الآن ضد المهاجرين غير القانونيين على الحدود الجنوبية مع المكسيك وهي الحرب التي تساهم في تعزيز فرصه للفوز بفترة ثانية في البيت الأبيض. الرئيس ترامب ليس في ديناميكية حرب جديدة. تتمثل السياسة الخارجية الراهنة التي تعتمدها إدارة الرئيس دونالد في ممارسة أقصى الضغوط السياسية والعسكرية والدبلوماسية وقد أرسلت لهذا الغرض المقاتلة بي-52 وصعدت من الخطاب العسكري وأرسلت بعض الجنود وتحدثت حتى عن إرسال 120 ألف جندي أمريكي إذا ما امتلكت إيران القنبلة النووية. يذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية قد مارست ضغوطا كبيرة على طهران في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في فترة التسعينيات من القرن العشرين الماضي وقد ردت إيران الفعل بتدبير تفجيرات الخبر بالمملكة العربية السعودية سنة 1996. لم تحدث المواجهة العسكرية ولم تندلع الحرب إثر تلك العملية التي دبرتها إيران ذلك أن الانتخابات قد جاءت بالرئيس الإصلاحي محمد خاتمي. لكن ما الذي سيحدث اليوم؟ التاريخ لا يكرر نفسه دائما. * هل النظام الإيراني هش؟ - لا شك أن هذه السياسة الخارجية التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترامب تساعد نظام طهران على إيجاد شريان الحياة الذي يبقيه في الحكم لأنه يصور البلاد والمجتمع وكأنهما في خطر. لقد حدث هذا عديد المرات في الماضي. فكلما تزداد الضغوط كلما يعزز نظام طهران الثيوقراطي موقفه ويحكم قبضته. إن النظرية التي تقول الآن الضغوط الأمريكية ستشعل فتيل تمرد داخل الجمهورية الإيرانية غير محتملة. * ما هي الشروط اللازمة لتطبيع العلاقات ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران؟ - هذا سؤال صعب غير أنه يمكن استلهام الجواب من العلاقة التي كانت تجمعنا في الماضي بالاتحاد السوفييتي. فقد انتهجت الولايات المتحدة في فترة الحرب الباردة مقاربة تقوم على احتواء الاتحاد السوفييتي إضافة إلى مراقبة التسلح وهو ما أدى إلى الانفراج الذي لم يخدم مصلحة الاتحاد السوفييتي الذي انهار في نهاية المطاف. لم تكن هناك أي محاولة لتغيير نظام الحكم السوفييتي. فجأة، وفي ظل إدارة الرئيس رونالد ريغن، ظهرت مجموعة من المفكرين السياسيين الذين اعتبروا أن سياسة الانفراج كانت تمثل فشلا استراتيجيا وأخلاقيا لأن الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية قد قبل بذلك بسيطرة على أوروبا الشرقية في وقت كانت فيه الولايات المتحدة الأمريكية أقوى من الاتحاد السوفييتي. فقد طرح هؤلاء المفكرون السياسيون السؤال التالي: «ما الذي يجبر الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على مهادنة الاتحاد السوفييتي المتآكل من الداخل». ينظر الرئيس الحالي دونالد ترامب إلى الاتفاق النووي المبرم سنة 2015 مع إيران مثلما كان سلفه رونالد ريغن ينظر إلى اتفاقيات الحد من التسلح مع الاتحاد السوفييتي. أي أن هذه الاتفاقيات تخدم الاتحاد السوفييتي ونظام طهران بالدرجة الأولى. يعتقد الفريق المحيط بالرئيس ترامب أنه يتعين عليه أن يكون مثل رونالد ريغن ويمارس كل نفوذه حتى يحقق أكبر قدر ممكن من المكاسب لكن هؤلاء نسوا أنه لا يوجد في إيران منذ تأسيسها ميخائيل غورباتشوف إيراني.
مشاركة :