أجرى فريق من الباحثين دراسة تناولوا فيها تحليل حالة مجموعة من المرضى، عند تجربة الواقع الافتراضي كأداة لاختبار حجم الألم وحدته. شارك في البحث 120 مريضا تم تقييم درجة آلامهم بـ3 من 10 خلال الـ24 ساعة التي تسبق الدراسة. واختار الباحثون نصف المرضى، بشكل عشوائي، وطلب منهم استخدام خوذة الواقع الافتراضي لثلاث مرات في اليوم، خلال الـ48 ساعة التالية، ودعي النصف الآخر من المرضى لمشاهدة برامج تلفزيونية تعنى بالصحة واللياقة وتعرض تقنيات للاسترخاء وقراءات شعرية وتتضمن حلاقات نقاش حول مواضيع مرتبطة بالصحة، داخل غرفهم في المستشفى. وبعد تجربة الواقع الافتراضي، أبلغ المرضى بانخفاض في درجات الألم إلى 1.72 نقطة، مقارنة مع انخفاض متوسط قدره 0.46 نقطة للمجموعة الثانية. وقال الدكتور برينان شبيغل، مؤلف الدراسة وأستاذ في الطب والصحة العامة في مركز سيدارز-سينا الطبي وفي جامعة كالفورنيا بلوس أنجلس، “لقد وجدنا أن الواقع الافتراضي ساعد في تقليل الألم في العديد من أنواع الألم: الجهاز الهضمي والسرطان وجراحة العظام والأعصاب وما إلى ذلك، وأنه يقلل الألم أكثر لدى الأشخاص الذين يعانون من ألم شديد”. وكان تقييم الألم ينحصر بين درجتي 0 التي تمثل عدم وجود أوجاع على الإطلاق و10 والتي تمثل أسوء درجة ألم يمكن تخيله. ومن بين الأشخاص الذين تم تقييم درجة ألمهم، في البداية، بـ7 على الأقل من 10 تراجع مستوى الألم لديهم إلى 3.04 عند استخدام الواقع الافتراضي، مقارنة بـ0.93 بالنسبة إلى المجموعة الثانية التي اهتمت بمتابعة البرامج التلفزيونية. وقال شبيغل إنه على الرغم من أن التجربة لم تكن مصممة لاختبار كيفية مساعدة الواقع الافتراضي في تخفيف الألم إلا أنها قد تعمل بعدة طرق. وأضاف “إنه يخلق وهم تسارع الوقت ويقصر بشكل فعال طول حلقات الألم، وهو يوقف الإشارات في مهدها منذ نشأتها ويمنع الألم من الوصول إلى المخ”.كانت تقنية الواقع الافتراضي موجودة منذ عقود، حيث بدأت تظهر لأول مرة عندما استخدمها الجيش في أجهزة محاكاة الطيران، ونظرا لأن التكنولوجيا أصبحت أصغر وأرخص من حيث الإنتاج ، يتم استخدامها بشكل متزايد في مجموعة متنوعة من الأغراض الطبية بما في ذلك علاجات الصدمة والرهاب والعناية بالجروح والعلاج الطبيعي وتخفيف آلام الأسنان وعلاج الحروق. اليوم، قد لا تتطلب أجهزة الواقع الافتراضي المنتجة على نطاق واسع أكثر من هاتف ذكي وسماعات رأس خاصة. ويستخدم عدد متزايد من الأشخاص هذه الأدوات لتشغيل ألعاب الفيديو والقيام بجولات نابضة بالحياة ثلاثية الأبعاد للأماكن التي قد يتعذر عليهم زيارتها في الحياة الحقيقية. في الدراسة الحالية، يمكن للأشخاص في مجموعة الواقع الافتراضي الاختيار من بين 21 تجربة مختلفة بما في ذلك الاسترخاء بصحبة مرشدين في بيئات طبيعية ورحلة محاكاة وألعاب متحركة. لقد اختاروا التجارب على تطبيق الهاتف المحمول وارتدوا سماعات. كتب فريق الدراسة في مجلة “بلوس وان” أن أحد أهداف استخدام الواقع الافتراضي كأداة لإدارة الألم هو تقليل استخدام مسكنات الأفيون التي تسبب الإدمان. ومع ذلك، لم يكن هناك فرق كبير في استخدام المواد الأفيونية بين مجموعة الواقع الافتراضي والمجموعة الثانية. وقال ماكس أورتيز كاتالان، رئيس مختبر الكيمياء الحيوية والأعصاب في جامعة تشالمرز للتكنولوجيا في السويد، “التدخل يبدو بالتأكيد أفضل من السيطرة، لكنه ليس حلا نهائيا لأن مستويات الألم ظلت كبيرة، فوق 4.5 في المتوسط”. ممارسة تقنيات الواقع الافتراضي توقف الإشارات في مهدها منذ نشأتها وتمنع الألم من الوصول إلى المخ وأضاف كاتالان، الذي لم يشارك في الدراسة، إن جزءا من التحدي هو أنه يمكن للمرضى تجربة العديد من أنواع الألم مع مجموعة واسعة من الأسباب الكامنة. كما أشارت مراجعة بحثية سابقة إلى أن الواقع الافتراضي قد يساعد على تخفيف الألم، ليس فقط من خلال صرف انتباه المشاركين فيه عن أوجاعهم بل وبإحداث تغييرات في الدماغ أيضا. وأشارت المراجعة التي أعادت النظر في 6 دراسات محدودة إلى أن صرف الانتباه قد يلعب دورا في الحد من الألم، لكن تكنولوجيا الواقع الافتراضي قد تساهم في تغييرات بالجهاز العصبي عند استخدامها في إعادة برمجة استجابة المرء للألم. وقالت د.أنيتا غوبتا من كلية وودرو ويلسون للشؤون العامة والدولية في جامعة برنس تاون بولاية نيوجيرسي الأميركية “هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث لمعرفة إن كان الواقع الافتراضي فعالا بحق، فامتلاك المزيد من الخيارات لمعالجة الألم يبعث على الأمل”. وأعاد الباحثون النظر في مقالات نشرت خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2016، ودرسوا كيف يمكن للواقع الافتراضي زيادة تخفيف الآلام. وأشارت نتائج المراجعة إلى أن الواقع الافتراضي قد يساعد في شكل من أشكال العلاج السلوكي يقوم على مساعدة المرضى في تغيير استجابتهم للألم عندما يشعرون به. وكتب الباحثون في دورية طب الألم يقولون إن الأمر يتطلب إجراء المزيد من الأبحاث وسط مجموعات أكبر من المرضى للتوصل إلى نتائج مؤكدة بشأن كيف يمكن للواقع الافتراضي المساعدة في تخفيف الآلام.
مشاركة :