دبي: «الخليج» تتصدر الإمارات إقليماً في توافر الشركات العاملة بقطاع التعهيد في كافة المجالات، الأمر الذي جعلها أهم أسواق المنطقة والأعلى نمواً في هذا القطاع. وقال عمار المالك، المدير التنفيذي لمدينة «دبي للإنترنت» و«مدينة دبي للتعهيد»، في مقابلة مع «الخليج» حول واقع وتوقعات نمو وواقع قطاع التعهيد: ساهمت الصعوبات الاقتصادية في نمو الطلب على تعهيد العديد من القطاعات الحكومية والخاصة لبعض الأعمال لشركات متخصصة، سعياً منها لتعويض النقص في الكفاءات، وتحقيق الوفورات المالية التشغيلية. وقد ساعدت خدمات التعهيد في تلبية متطلبات الأعمال المتسارعة، لاسيما في ظل التطورات التقنية الكبيرة في الإمارات، وتالياً نص المقابلة. ما توقعات النمو والتطورات التي يشهدها قطاع التعهيد في دولة الإمارات؟ يشير تقرير «التعهيد والخدمات المشتركة بين 2019-2023» الذي أصدرته مدينة دبي للتعهيد أواخر إبريل/ نيسان في مؤتمر «قطاع التعهيد 2019» إلى أنه، وخلال السنوات الست القادمة، ستتجاوز الإيرادات العالمية لصناعة التعهيد والخدمات المشتركة تريليون دولار، وفي منطقة الشرق الأوسط ومجلس التعاون الخليجي تحديداً، تشهد الدول تحولات اقتصادية كبرى هدفها تنويع القاعدة الاقتصادية، وزيادة عائداتها غير النفطية، الأمر الذي يدفعها لتبني تكنولوجيات حديثة تسرّع وتيرة تلك التحولات، وإلى تبني صناعة التعهيد والخدمات المشتركة باعتبارها صناعة غير نفطية وذات أهمية استراتيجية لا تقلّ أهمية عن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. * ما الأهمية التي تتبوأها خدمات التعهيد حالياً في ظل الصعوبات الاقتصادية التي تشهدها المنطقة والعالم؟ يعد ركيزة أساسية مهمة للتنوع الاقتصادي، ورغم أنه لا يزال في أطواره الأولى ويسعى للوصول إلى مستويات الأسواق العالمية، إلا أن إجمالي الإنفاق في هذا القطاع في دولة الإمارات تجاوز العام الماضي 17.6 مليار درهم (4.8 مليار دولار)، حسب تقرير"آفاق قطاع التعهيد والخدمات المشتركة 2019-2023»، الذي أصدرته مؤخراً ديلويت، بالتعاون مع مدينة دبي للتعهيد، وأظهر تصدر البنوك والحكومة وقطاع السياحة والضيافة والترفيه قائمة أكبر المنفقين في القطاع.وحسب تقديرات التقرير سيرتفع الإنفاق إلى 19 مليار درهم (5.2 مليار دولار) في العام الحالي، وسيواصل نموه إلى 20.2 مليار درهم (5.5 مليار دولار) في العام القادم، و 21.65 مليار درهم (5.9 مليار دولار) سنة 2021، و 23.5 مليار درهم (6.4 مليار دولار) سنة 2022، وصولاً إلى 25 مليار درهم (6.8 مليار دولار) سنة 2023، وتبين هذه الأرقام كيف أن التعهيد من أسرع القطاعات نمواً في الإمارات، ويعزز تلك التقديرات تقرير «توقعات سوق التعهيد في الإمارات 2016-2020» الصادر عن مؤسسة «آي دي سي» لأبحاث السوق، والذي بين أن القطاع يشهد معدل نمو سنوي مركباً يبلغ 11.2%، وأن أهم زبائن سوق التعهيد محلياً هم المؤسسات البنكية والخدمات المالية، والنقل، والاتصالات والإعلام، والتجزئة. برأيكم.. ما ميزات دولة الإمارات بقطاع التعهيد مقارنة بدول المنطقة؟ نظراً لوجود مجموعة متنوعة من الجنسيات واللغات والثقافات، فإن أغلبية شركات التعهيد لديها مقرات في المنطقة وما يجاورها، ومن بين جميع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعد الإمارات أكبر سوق لقطاع التعهيد، وأكثر وجهات القطاع شعبية، وتشهد طلباً كبيراً يفوق العرض، وهي مسرح لعدد من الشركات العملاقة، تتخذ من الإمارات مقراً لها، وتتموضع أكبر أسواق قطاع التعهيد والخدمات المشتركة في الإمارات والسعودية اللتين تسجلان أعلى مستويات الإنفاق في هذا القطاع.كما أكد التقرير الذي أصدرته مؤخراً ديلويت، بالتعاون مع مدينة دبي للتعهيد، فإن دبي والإمارات مؤهلة لتصدر المنطقة في مجال قطاع التعهيد والخدمات المشتركة، وتُعتبر أحد المراكز الأساسية لهذا القطاع، ما يجعلها قادرة على تقديم الخدمات المشتركة والتعهيد إلى بقية الدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط. وباعتبارها مركزاً إقليمياً، لا تقتصر خدمات الإمارات على الشركات المحلية فحسب، بل تخدم الشركات في محيطها العربي. وتمثل دولة الإمارات والسعودية ما بين 50 إلى 60٪ من مراكز الخدمات المشتركة في المنطقة، وتستضيف أغلبية مزودي ومشتري خدمات التعهيد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وحقق موردو التعهيد في البلدين ما يقدر بنحو 2.38 مليار دولار من الإيرادات عام 2018. ما دور مدينة «دبي للتعهيد» في الارتقاء بالقطاع ودعم العملاء؟ تمثل مدينة دبي للتعهيد الوجهة الأولى في المنطقة لمزودي خدمات التعهيد. وقد أسستها مجموعة تيكوم في عام 2007 من أجل توفير منصة عالمية المستوى تعمل على تعزيز نمو رواد الأعمال، وتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومساعدة المؤسسات في التركيز على أعمالها الأساسية.وتدعم مدينة دبي للتعهيد فريقاً من العمال المهرة، يضم أكثر من 8 آلاف مهني متخصص و140 شركة، تضم مجموعة من الشركات الرائدة في قطاع التعهيد مثل طيران الإمارات، ومجموعة جميرا، وغيرها من المجموعات الكبرى.ويتمتع شركاؤنا بإمكانية الوصول إلى شبكة تضم أكثر من 8 آلاف من العمال المهرة ومزودي الخدمات ذوي الخبرة من أنحاء العالم.إضافة إلى ذلك، يمكن للشركات في مدينة دبي للتعهيد الوصول إلى نحو 1600 شركة من جميع الأحجام، من خلال ارتباطها الوثيق مع مدينة دبي للإنترنت، مجتمع الأعمال الرائد في المنطقة لشركات التكنولوجيا. ما تأثير استراتيجيات التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في قطاع التعهيد وتطوره؟ مع ظهور كل تكنولوجيا جديدة تؤدي إلى زيادة الكفاءة وخفض التكاليف، تزداد الحاجة إلى خدمات التعهيد لإدارة هذه التقنيات، حيث تتسارع وتيرة اعتماد التكنولوجيا الجديدة في جميع القطاعات والصناعات العالمية، ونعيش في السنوات القليلة الماضية قفزات سريعة بالاختراعات والتقدم العلمي، وهو ما يدفع المؤسسات والصناعات والدول لتبني الرقمنة. وفي قطاع التعهيد والخدمات المشتركة تتزايد أهمية الحوسبة السحابية، والأتمتة الروبوتية، والذكاء الصناعي. وفي حين ركز قطاع التعهيد في الماضي على الشركات التقليدية بشكل كبير، أدت موجات التقدم التكنولوجي إلى ازدياد الحاجة إلى التعهيد في مجال تكنولوجيا المعلومات، والذي يمثل اليوم 58.2٪ من إنفاق قطاع التعهيد، ما يمثل الأغلبية العظمى من سوق التعهيد في عام 2019، يليه إنفاق بنسبة 24.4٪ على تعهيد العمليات، و17.4٪ على الخدمات المشتركة. بالمقابل فإن الإمارات من الدول التي تتخذ خطوات حثيثة نحو التحوّل الرقمي، فقد أطلقت استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، واستراتيجية دبي للتعاملات الرقمية (بلوك تشين)، والتي سيمتد تأثيرها إلى جميع القطاعات الاقتصادية بما فيها التعهيد، وهو القطاع الذي تعتبر الإمارات مرشحة لتكون وجهة دولية له بفضل تبني ممكنات التكنولوجيا ووجود الاختراعات المناسبة، وتعاون العاملين في قطاع التعهيد والخدمات المشتركة مع الشركات المؤسسة حديثاً لتحسين إجراءات العمل فيها، وأتمتة عملياتها، ومن أجل تطوير خدمات قائمة على الجيل التالي من التكنولوجيا. وقد أفاد ثلث الشركات والمؤسسات الإماراتية والعاملة في قطاع التعهيد والخدمات المشتركة بأنها قد بدأت منذ فترة باستخدام التكنولوجيات التحويلية، بهدف تسريع وتيرة النمو لديها في هذا القطاع. ويعدّ الذكاء الاصطناعي أحد أبرز المجالات التي ستغير قواعد اللعبة المستقبلية في الإمارات. وأفادت 80% من الشركات العاملة في الشرق الأوسط (معظمها من دولة الإمارات) أنها لم تقم بعد باختيار مورّد لحلول الأتمتة الروبوتية لإجراءات العمل، لكنها تخطط لإدخال هذه الحلول في غضون 6-18 شهراً. في ظل التطورات المتلاحقة.. كيف ترون قطاع التعهيد العالمي؟ يقف قطاع التعهيد العالمي على أعتاب عصر جديد من النمو، حيث يشهد نمواً من بضعة مليارات الدولارات لتتجاوز قيمته تريليون دولار في السنوات القليلة المقبلة. ووصل الإنفاق العالمي على عمليات وخدمات التعهيد في العام الماضي إلى 688.4 مليار دولار، ما يمثل نحو ضعف النمو الذي تم تحقيقه في السنوات السابقة، حيث بلغ معدل النمو بين عامي 2017 و2018 نحو 8.3%، وبين عامي 2016 و2017 نحو 4.8%، وتشير هذه الأرقام إلى النمو المتسارع الذي يشهده الطلب على قطاع التعهيد. ما الاتجاهات المقبلة للقطاع التي ترونها في المستقبل؟ سيشهد زيادة كبيرة مدفوعاً بمجموعة عوامل منها الاتجاه لخفض التكاليف، والمزايا الاستراتيجية والتنافسية، والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية؛ حيث من المتوقع أن تضع هذه العوامل قطاع التعهيد والخدمات المشتركة على قمة الخطط الاستراتيجية. وهناك اتجاهات أساسية ستصوغ مستقبل هذا القطاع، وهي أولاً «التعهيد حسب الطلب»؛ إذ تحتاج الشركات في عالمنا سريع التغير إلى الاستجابة لتقلبات الطلب، وتعدّ الشركات الصغيرة معرضة لذلك بشكل خاص، وذلك لكونها لا تملك الموارد اللازمة للاستثمار في قوة عاملة قوية قد لا تكون هناك حاجة إليها على مدار العام. ولهذا يوفر لها التعهيد المرونة اللازمة لتنمية فرقها عند الحاجة، وتقليص حجمها عند انتفاء هذه الحاجة. وبسب ارتفاع عدد الشركات الناشئة حول العالم، يمكن أن يصبح هذا الأسلوب من العمل أكثر شيوعاً بالسنوات المقبلة. وثانياً هناك «الحاجة إلى التكنولوجيا المتقدمة»؛ حيث يشهد العالم ثورة مذهلة في التقنيات الجديدة التي تستفيد منها الشركات من أجل الحفاظ على قدرتها التنافسية، بدءاً من احتياجات الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي إلى تعلم الآلة والبلوك تشين والعملات المشفرة. ويمكن ملاحظة هذه التغيرات بمجال التعهيد في مجموعات المهارات المتطورة التي تتطلع الشركات إلى الوصول إليها.وثالثاً هناك «صعود الخدمات المستقلة وخدمات التعهيد»؛ إذ مكّنت التطورات التكنولوجية الموظفين من العمل لصالح الشركات عن بعد، ولذلك يمكننا أن نتوقع أن نشهد زيادة في وكلاء التعهيد الافتراضي. * ما الدور الذي تلعبه الشركات الناشئة في تطوير قطاع التعهيد؟ تعمل مدينة دبي للتعهيد على تعزيز نمو رواد الأعمال، وتمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومساعدة المؤسسات في التركيز على أعمالها الأساسية. ويمكننا أن نتوقع من مزودي خدمات التعهيد التعاون مع الشركات الناشئة ما يؤدي إلى تطوير شامل داخل القطاع، ويوفر فرصاً جديدة ومهمة للشركات في جميع المجالات.ورغم استضافة الإمارات كثيراً من الشركات الكبرى وبعضها مدرج في قائمة فورتشن 500، إلا أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تشكل الجزء الأكبر من مجتمع الأعمال (نحو 94% وفقاً لوزارة الاقتصاد)، وتوفر فرص عمل لنحو 86% من القوى العاملة في القطاع الخاص. ووجد استطلاع أجري مؤخراً أن 70٪ من الشركات الناشئة في دبي تستخدم موارد الحوسبة السحابية، وتخطط 80٪ منها لزيادة إنفاقها على هذه الخدمات وتوسيع الخدمات السحابية التي تستخدمها.
مشاركة :