بعد أن قطع الاعتراف القانوني بالقنب شوطا متقدما بالفعل في الولايات المتحدة الأميركية، ربما أخذ “الفطر السحري” وضع الاستعداد، ليصبح مخدرا آخر ينتظر السماح به قانونا. واشتهرت فطريات الهلوسة، التي تحتوي على المادة الفعالة “بيسلوكِبين”، أساسا بأنها مخدر، لكنها أصبحت محط الآمال لدى الكثير من خبراء العقاقير الطبية، لاستخدامها في العلاج النفسي، حيث يأمل مؤيدوها في أن تساعد هذه الفطريات على علاج حالات الاكتئاب، وغيرها من أعراض الإجهاد العصبي الأخرى أو مشاكل الإدمان. هناك بالفعل خطوات أولى في الولايات المتحدة لحذف هذه الفطريات من قائمة المواد المجرمة قانونا، حيث وافق مجلس بلدية مدينة أوكلاند، بولاية كاليفورنيا، في يونيو الماضي على حفظ القضايا المقامة ضد الأشخاص الذين يتعاطون الفطريات التي تحتوي على مادة بيسلوكبين أو يحوزونها، وهو الأمر نفسه الذي حدث بالفعل قبل ذلك بشهر في مدينة دينفر، عاصمة ولاية كولورادو، تلك المدينة التي لعبت دورا رياديا أيضا في تقنين الماريخوانا كمادة منعشة. وربما تصبح ولاية أوريغون في خريف عام 2020 أول ولاية أميركية كاملة تسمح بتداول هذا الفطر. هناك الآن متابعة دقيقة في سوق رأس المال في الولايات المتحدة لطريقة تعامل الهيئات الأميركية المختصة مع هذا الفطر، تماما كما كان يحدث مع القنب. وأصبح بعض كبار المستثمرين يدلون بدلائهم بشأن الطريقة المثلى للاستفادة من هذا الفطر، مثل المستثمر الأميركي الكبير في عالم التقنية، بيتر تيل، الذي ولد في فرانكفورت. رغم أن المؤشرات الحالية في الولايات المتحدة لا تدل على قرب تقنين هذا الفطر، إلا أنها تدل على تخفيف الحظر عليه، حيث وافقت الهيئة الاتحادية للأغذية والدواء، في أكتوبر 2018، على دراسات شركة كومباس وبدأ تيل -الذي اشتهر مؤخرا كأحد داعمي الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولكنه اشتهر أصلا كأحد مؤسسي موقع باي بال، وهو مساهم مالي سابق في فيسبوك- يراهن على مادة بيسلوكبين، وذلك من خلال تأسيس شركة كومباس باث وييز. تجري الشركة التي تأسست بالفعل عام 2016 وتتخذ من لندن مقرا لها أبحاثا على استخدام بيسلوكبين في العلاج النفسي للأشخاص الذين يعانون من حالات الاكتئاب، والذين لم تُجد طرق العلاج التقليدية نفعا في شفائهم. أنتجت شركة كومباس بالفعل كميات كبيرة من الأقراص ذات المادة الفعالة بيسلوكبين، لاستخدامها في تجارب في إطار دراسات ميدانية في أوروبا، “حيث نراهن على العمل الهائل الذي تم في هذا المجال بالفعل، وذلك من خلال جمع دلائل ومؤشرات لدى أكبر عدد ممكن من الأشخاص”، حسب توضيح الشركة. ويشير مؤيدو “الفطر الساحر” إلى أن هذا المخدر يستخدم بالفعل كدواء في بعض الحضارات منذ عدة قرون. ولكن وضع الفطريات كان سيئا من الناحية القانونية، حيث كانت منذ حقبة الهيبيز بالفعل، وكأنها شوكة في حلق حراس التقاليد، إلى جانب مواد مخدرة أخرى يتم تعاطيها من أجل تأثيرها النفسي. وأصبحت هذه الفطريات محظورة بقوة القانون الفيدرالي في الولايات المتحدة منذ عام 1970. كما تصنفها الأمم المتحدة مخدرا من الفئة الأولى، وهو ما يعني أن احتمال إساءة استخدامها أكبر بكثير من احتمال الاستفادة منها في الأغراض الطبية. لا يمكن الحصول على مادة بيسلوكبين بشكل حر إلا في بضعة أماكن على مستوى العالم. وعلى الرغم من أن هولندا، المعروفة بتساهلها في قضايا المخدرات، لا تسمح بـ“الفطر السحري”، إلا أنها تسمح بما يعرف بالنبتات السحرية، والتي تختلف من الناحية التقنية المجردة، ولكنها تحتوي على نفس المادة الفعالة، وهو ما أدى إلى رواج إحدى الزوايا السياحية التي توفر احتفالات روحانية وأحداثا “موسعة للإدراك”. كما أن هذه الفطريات مشروعة تماما في جامايكا. وتسمح المكسيك هي الأخرى برحلات مخدرة، لا يتم فيها تجريم “الفطر الساحر”. رغم أن المؤشرات الحالية في الولايات المتحدة لا تدل على قرب تقنين هذا الفطر، إلا أنها تدل على تخفيف الحظر عليه، حيث وافقت الهيئة الاتحادية للأغذية والدواء، في أكتوبر 2018، على دراسات شركة كومباس. وتحظى هذه الشركة أيضا بدعم كريستيان أنجرماير، المستثمر الألماني الذي كان ينظر إليه على أنه الطفل المعجزة في الأوساط الاستثمارية، إضافة إلى الملياردير الأميركي مايك نوفوجراتس، الذي يستثمر في صناديق التحوط. أعلنت خدمة بلومبرغ المالية الأميركية بالفعل في “دليلها الاستثماري الاختياري” لعام 2019 عن أن “مستثمرين مبدعين يلجأون إلى المخدرات”. هناك مبررات جيدة وراء تغير سمعة هذا المخدر. فمن ناحية لم تعد المخدرات النفسية رمزا للعنف، إذ أصبحت مطلوبة لدى النخبة التقنية في وادي السليكون، والتي أصبحت بدورها تعرف بأنها متحضرة و متقدمة. وربما أصبحت المعلومات التي توصل إليها العلم في هذا الشأن أثقل وزنا، حيث خلص باحثون في جامعة نيويورك ، خلال السنوات الأخيرة، إلى أن بيسلوكبين يخفف حالات الاكتئاب لدى مرضى السرطان، ويمكن أن يساعد في التداوي من إدمان التبغ والكحول. وتمنح أوجه الشبه بين القنب والفطريات السحرية محبي الفطريات أملا في أن تصبح الفطريات مشروعة قانونا يوما ما مثل القنب. ولكن مقارنة بالماريخوانا التي لا تزال محظورة وفقا للقانون الفيدرالي في الولايات المتحدة، فإن مادة بيسلوكبين تعتبر مادة من عيار أثقل. لذلك فإن بعض الخبراء المعنيين ينظرون بعين ناقدة لاحتمال تخفيف القيود على هذه الفطريات، حيث حذر بروس توبين، خبير العلاج النفسي، في تصريح من أن الفرق بين القنب والمخدرات النفسية يشبه الفرق بين “الأسلحة التقليدية والأسلحة النووية”. ولكن توبين نفسه يؤيد استخدام بيسلوكبين في الأغراض الطبية، وتقدم بطلب في كندا لاستثناء هذه المادة من قانون المخدرات. ولكن توبين قلق إزاء حقيقة أن هذا المخدر ربما احتاج إلى قطع طريق مشابهة للطريق التي سلكها القنب باتجاه شرعنته، “حيث إني غير مستريح بسبب هذه الكثرة من الشركات في كندا التي تنظر إلى مادة بيسلوكبين على أنها الشيء العظيم القادم”. ويرى توبين أنه من الأفضل لبعض الناس ألا يتعاطوا مخدرات نفسية إطلاقا.
مشاركة :