كم هي الألوان مهمة في حياتنا لدرجة أننا لا نستطيع تخيل العالم من حولنا بلا ألوان؟ فالألوان عامل من أهم العوامل التي تدخل السرور إلى وجداننا صغارا وكبارا، سواء كانت ألوان الطبيعة الخلابة التي خلقها الله سبحانه وتعالى، من شجر أخضر بمختلف درجاته، وسماء وبحار زرقاء تبهج النفس والروح عند رؤيتها، وتبعث الراحة في الأعطاف والوجدان، أو تلك الألوان الصناعية التي نطلي بها المباني والأدوات والمنتجات التي تعج بها حياتنا العصرية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنها. وخلال العقود الأخيرة كثر الحديث عن أهمية الألوان سواء في الفن والتصميم، أو تحقيق الراحة والاسترخاء، وغيرها من الاستخدامات التي تؤثر مباشرة على الحالة النفسية للفرد، وعلى جهازه العصبي، وتبين أن الألوان ضرورية في مراحل التعلم المبكرة للأطفال، فعندما يصل عمر الطفل إلى ثلاث سنوات، يكون في هذا السن مستعدا للتعامل مع الألوان، لأنها محببة إلى نفسه، ما يساعده على تحقيق التعلم السهل والممتع في رياض الأطفال ومراحل التعليم الأولى، كما استخدمت الألوان في العلاج وهو اتجاه جديد كنوع من أنواع العلاج البديل، والذي طبق في العديد من الدول ومنها الهند والصين وبعض دول أوروبا على سبيل المثال، فمن أين أتت هذه الألوان المستخدمة في الفن والتصميم والصناعة والتعليم والعلاج؟ لقد تم إنتاج هذه الألوان التي لونت حياتنا وبعثت فيها البهجة والسرور، عن طريق تصنيع بعض الصخور التي خلقها الله سبحانه وتعالى وأوجدها في الأرض، كي نبحث عن أمثل الطرق للإفادة منها، وهي من نعم الله الكثيرة علينا، ولقد تحدث علماء الجيولوجيا عن كيفية تلوين الصخور بألوان مختلفة وقد أرجعوا لون الصخر إلى المعادن التي يتركب منها، والنسيج الذي ينظمها، والعوامل الجوية التي يتعرض لها، وكذلك البيئة التي يتكون فيها. وترجع كتب الجيولوجيا ألوان الصخور إلى ظاهرة الامتصاص (absorption)، حيث تمتص المعادن المكونة للصخور بعضا من طاقات وموجات الأشعة المرئية، فيتكون تآلف من الطاقات أو الموجات ذات الألوان المعروفة من البنفسجي حتى الأحمر، ويحدث ما يسمى (بالانتقالات الإلكترونية) بين مستويات الطاقة ذات الترتيب المنظم داخل البلورات. وقد خلص العلم الغربي إلى أن موجات الأشعة المرئية، ومحتوى الصخور من المعادن هو الذي يلعب الدور الرئيس في تحديد ألوانها. ولكن أحد الباحثين المسلمين في هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة وهو الدكتور عبد الله عمر نصيف أستاذ علوم الأرض بجامعة الملك عبدالعزيز، قد اكتشف سببا آخر مهما يدخل في تلوين الصخور، ذكره القرآن الكريم منذ أكثر من آلاف وأربعمائة عام، وكان ذلك نتيجة التدقيق والتمعن في معاني آيات القرآن الكريم، كما جاء في قوله تعالى: (ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُور)ٌ (فاطر27-28). وقد استوقفت الدكتور عبارة (مختلف ألوانه)، والتي وردت ثلاث مرات في الآية الكريمة، وارتباط هذه الصفة بإنزال الماء من السماء، وتبين له أن الآية الكريمة تريد إخبارنا بوضوح أن اختلاف ألوان هذه المخلوقات مرتبط بالماء، وأن الله سبحانه وتعالى يدعو العلماء المتخصصين إلى البحث في كنه ذلك، ما دعاه - من خلال تخصصه - في علوم الأرض إلى تركيز البحث عن أثر الماء في تلوين الصخور، وقد خلص في أبحاثه إلى نتائج مهمة يمكن تلخيصها في الآتي: 1- دور الماء مهم في العمليات الجيولوجية الخارجية على سطح الأرض والداخلية في باطنها، وهي العمليات التي ينتج عنها تكوين المعادن المختلفة، حيث يتسبب الماء في تغيير التركيب الكيميائي لأكثر الصخور صلابة، وما يصحب ذلك من تغيير في ألوانها. ومنها على سبيل المثال: تغير معدن الفلسبار القلوى أو الكلسى، إلى معادن (الطفلة clay minerals) ذات الألوان البيضاء المميزة. 2- أكسدة المعادن الحديدية مثل تحول البيريت وغيره من كبريتات المعادن الاقتصادية، لينتج عنه ما يعرف بالجوسان (gossans) من الأكاسيد الحديدية المائية، ويصحب ذلك تغير في لون الصخر، بل إن محتوى الماء في هذه الأكاسيد يلعب دورا أساسيا في إعطائها الألوان المتدرجة، حتى أنها تقسم أحيانا على أساس هذه الألوان ما بين الأحمر والبنى والأصفر، وهنالك دراسات عديدة لاستخدام هذه الألوان كوسيلة لمعرفة الاحتمالات الاقتصادية لهذه الصخور. 3- يذوب عنصر اليورانيوم بفعل الماء، ويتحول من لونه الأسود الداكن ويتحد بأيونات أخرى، ليعطي أكثر من مائتي معدن ثانوي تتميز جميعها بالألوان الزاهية التي تسر الناظرين. 4- يذيب الماء كثيرا من العناصر مثل الحديد والمنجنيز، ويعيد تكوينها في بلورات تتميز بالألوان الضاربة إلى الحمرة والألوان البنية والبنفسجية. 5- معادن الكلوريت والتلك تتكون بوجود الماء وتتميز باللون الأخضر، وتعرف بالسحنات الصخرية الخضراء (green schist faces). 6- كما يتكون صخر السربنتين في وجود الماء ويتميز باللون الأخضر، كما أن صخور الأمفيبوليت لا تتكون وتأخذ اللون الأسود الداكن المائل للإخضرار إلا بوجود الماء. ومما سبق، يمكن أن نصل إلى نتيجة مهمة، وهي أن فرضيات العقيدة الإيمانية، تتسق وتتكامل مع فرضيات العلم الطبيعي، لأن مفردات العلم الطبيعي وظواهره هي من خلق الله سبحانه وتعالى، ويصبح المبدأ العام لنا هو أن تتسق الفرضيتان ولا تختلف، فالجمع بين الوحي السماوي والتجربة البشرية التي يدعونا المولى جل وعلا إليها، (قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (يونس 101)، هو منطلق التأصيل الإسلامي للعلوم الطبيعية، فإذا كان الكون هو خلق الله المشاهد، فإن الوحي السماوي هو المصدر الوحيد للمعرفة اليقينية للموجودات التي خلقها الله سبحانه وتعالى، وما جاء به يشكل الإطار الشامل الذي يجب أن يحيط بمجهود البشر في التجريب والتنظير.
مشاركة :