تسعى قطر إلى نشر الفوضى في منطقة القرن الإفريقي التي أصبحت محط أنظار واهتمام العالم لاسيما في السنوات الأخيرة، إذ حاول «نظام الحمدين» استغلال أزمات وخلافات دول هذه المنطقة للسيطرة عليها خدمة لأجندته. ولأن مساعي الدوحة التخريبية تم كشفها على مدار الأعوام الماضية، ودعم نظام الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير والارتباط بطريقة أو بأخرى بمحاولة الانقلاب الفاشلة في ولاية «أمهرا» الإثيوبية في يونيو الماضي، أغلقت أبواب دول شرق القارة السمراء في وجه الحكومة القطرية، ولم يبق لها سوى «الصومال» التي دمرها التفكك المؤسسي والأمني منذ 1990، ما جعلها بيئة مناسبة للتوغل والسيطرة عليها للاستفادة من موقعها الجغرافي المتميز، وتجهيزها كمنطقة لبث سموم الإرهاب والتخريب في دول الإقليم. وفي نهاية يوليو الماضي، فجرت صحيفة «نيويورك تايمز» فضيحة حول دور قطر التخريبي في الصومال، وتورطها بدعم حركة «الشباب» الإرهابية بالتدريب العسكري وتوفير الأسلحة والدعم اللوجستي أيضاً، عبر تسريب تسجيل صوتي بين السفير القطري في الصومال حسن بن حمزة بن هاشم، ورجل الأعمال والأمن خليفة كايد المهندي، المقرب من أمير قطر تميم بن حمد. ورغم التسريب، لم يهدأ «نظام الحمدين» في محاولاته لبسط نفوذه هناك، حيث أعلن وزير النقل والاتصالات القطري جاسم بن سيف أحمد السليطي ووزيرة الموانئ والنقل البحري في الحكومة الفيدرالية الصومالية مريم أويس جامع في مقديشو، عن بدء شركة موانئ قطر مشروع بناء ميناء «هوبيو» بإقليم مدغ القريب من مضيق باب المندب على بعد مئات الكيلومترات من الحدود البحرية مع اليمن. وأثار الكشف عن فضيحة «نيويورك تايمز» موجة غضب عارمة في الأوساط السياسية والبرلمانية والشعبية الصومالية، ومطالبات للحكومة الفيدرالية بفتح تحقيق شامل وشفاف ومستقل حول الأنشطة التخريبية لقطر. ويرى خبراء أفارقة في مشروع «هوبيو» أن قطر تسعى لإيجاد موطئ قدم في هذا الموقع الجغرافي المميز لتحقيق مصالح تجارية، سياسية، أمنية، وربما مخابراتية أيضاً. وفي هذا الإطار، قال الباحث السوداني بمركز الخرطوم للدراسات السياسية والاستراتيجية أسامة أبوبكر إن منطقة شرق أفريقيا تشهد تنافساً شديداً على هذا الممر المائي الذي يربط شرق العالم بغربه، وأضاف لـ«الاتحاد» أن قطر عندما حاولت البحث عن موطئ قدم لها في سواحل شرق أفريقيا، وجدت أن السواحل في جنوب الصومال مثل تنزانيا، كينيا، وغيرها سواحل مأهولة وبها امتداد إقليمي مؤثر، أما السواحل في الشمال مثل السودان، وجيبوتي ففيها العديد من القوى الدولية المؤثرة، ولذلك فإن المنطقة التي تتوفر فيها الفرصة بالنسبة لقطر هي الصومال، ولهذا قامت بتفعيل حلفائها هناك حتى تستطيع أن تنافس الدول الأخرى. وأكد الباحث السوداني أن أي ميناء صومالي له أهمية خاصة وموقع متميز للغاية، كونه يطل على «باب المندب» وهي المنطقة الأكثر حساسية والمزدحمة بالمصالح التجارية الدولية، ويمكن من خلالها تحقيق مكاسب ضخمة، لاسيما أن السفن القادمة من الشرق الأقصى (الصين، أستراليا) تحتاج إلى موانئ في طريقها للتزود بالوقود، كما أن هناك سفناً تتجه إلى أميركا الجنوبية سالكة الطريق الجنوبي عبر رأس الرجاء الصالح، وأخرى تتخذ الطريق الشمالي عبر قناة السويس، ومن ثم فإن تلك المنطقة شديدة الحساسية لها أهمية خاصة لمخططات قطر. وأشار أبوبكر إلى أن موانئ الصومال يمكن أن تجعل قطر قريبة من منطقة الصراع الدائر باليمن، وتمكنها من النفاذ إليه والتأثير فيه عن قرب عبر توطيد العلاقات مع قوى متطرفة هناك. وعلى جانب آخر، تتمتع الصومال بامتداد كبير ومؤثر مع إثيوبيا في إقليم «أوجادين» ويمكن لقطر من خلالها الوصول إلى العمق الإثيوبي، كما يمكنها أيضاً النفاذ إلى العمق الكيني، وأوضح أنه نظراً لضعف الحالة الأمنية للصومال على الحدود المشتركة مع دول الجوار يمكن للدوحة الوصول إلى العمق الإفريقي دون أي عقبات، ومن ثم فإن الصومال تُعد المنفذ الشرقي للدخول إلى العمق الإفريقي. ومن جهته، قال الباحث السوداني الجنوبي بالعلوم السياسية بجامعة القاهرة، تيكواج بيتر، إن قطر تسعى للتوسع في مواقع استراتيجية جغرافياً، لاسيما منطقة شرق أفريقيا، لبسط نفوذها في هذا الإقليم الأكثر تأثيراً على مستوى القارة، ومن ثم تُعد الصومال المدخل الرئيس لتحقيق تلك الأهداف. وأضاف لـ«الاتحاد» أن مساعي قطر للسيطرة على الموانئ والنقل البحري، تأتي تحقيقاً لأهداف مختلفة، موضحاً أن بناء شركة موانئ قطر لميناء «هوبيو» سيعزز من سيطرتها على الاقتصاد الوطني الصومالي، فضلاً عن أن بناء ميناء في تلك المنطقة الهامة والمؤثرة نظراً لأنها تطل على خليج عدن، سيمنح قطر الفرصة لبناء قاعدة عسكرية ضخمة مستقبلاً بحجة حماية مصالحها الاقتصادية والتجارية، مما يفاقم من تواجدها وتأثيرها السلبي أيضاً بالصومال. وأكد بيتر أن قطر تعزز من علاقاتها مع النظام الصومالي من جانب، ومع الحركات الإرهابية من جانب آخر، حتى يمكنها مستقبلاً عقد مفاوضات سياسية بين الجانبين، لتحقيق استقرار داخلي مشروط بالتعاون معها هي فقط. وأشار إلى أن تفاقم تواجد قطر في الصومال، يعمل على تعزيز علاقتها وتواجدها بالتوازي مع جيبوتي. وشدد على أن أهمية ميناء «هوبيو» تعود إلى موقعه الجغرافي المميز، حيث يقع الميناء على الساحل الشمالي الشرقي للصومال، بالقرب من خليج عدن، الذي يُعد بوابة عبور البترول من الخليج العربي إلى أوروبا. وقالت الباحثة الإريترية بالشأن الأفريقي، ثريا سليمان، إن الصراع في اليمن كان سبباً رئيسياً في التنافس بين العديد من القوى المختلفة على الموانئ بدول شرق أفريقيا على وجه التحديد، لاسيما أن دول تلك المنطقة هي الأقرب جغرافياً لدولة اليمن، باعتبارها الدول المتشاطئة على البحر الأحمر. وأضافت لـ«الاتحاد» أن الصومال شهدت ولا زالت العديد من الصراعات الدموية وعدم الاستقرار الأمني الذي بدوره أثر بالسلب على الوضع الاقتصادي، ومن ثم فإن احتياج الصومال إلى التنمية والوقوع تحت ضغوط نظام قطر اضطرها للموافقة على تلك المشاريع، ورجحت أن خطوة بناء الميناء سيتبعها مستقبلاً بناء قاعدة عسكرية بالصومال، ومن ثم تحقق قطر هدفها في السيطرة على مواقع بالساحل في الصومال.
مشاركة :