تجدد خلاف بين الوقفين السني والشيعي في العراق على ملكية مواقع دينية عديدة في مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى (شمال). ويطالب الوقف الشيعي بتحويل تبعية عشرات المواقع الدينية والأملاك التابعة للوقف السني في الموصل إلى سلطته؛ مما أثار ردود أفعال شعبية ورسمية رافضة، مع تحذيرات من خطر عودة الطائفية إلى العراق. وسبق أن طرح الوقف الشيعي تلك المطالب، عامي 2008 و2010، لكنه لم ينجح، ليعود بها إلى الواجهة منذ استعادة الموصل من قضبة تنظيم "داعش" الإرهابي، في يوليو/ تموز 2017. بدأ الخلاف على ملكية المواقع الدينية في العراق، ولاسيما الموصل، بعد الاحتلال الأمريكي للبلد العربي، عام 2003، وقرار سلطة الاحتلال حل وزارة الأوقاف، التي كانت تدير الشؤون الدينية لجميع الأديان والمذاهب، لتؤسس محلها وقفين شيعي وسني للمسلمين، ووقف ثالث للديانات الأخرى. وأفاد مراسل الأناضول بأن ثمة محاولات للوقف الشيعي كي تُنقل إليه ملكية جامعي النبي يونس (فجره "داعش") والموصل الكبير (صدام سابقًا- تحت الإنشاء)، إضافة إلى إحدى ساحات السجن، التابعة للوقف السني، والتي شهدت عام 2013 احتجاجات ضد حكومة رئيس الوزراء حينها، نوري المالكي. قبل أيام، كشف كتاب صادر عن مديرية التسجيل العقاري بالعراق، موجه إلى فرعها بنينوى، عن رفض المديرية لمطلب الوقف الشيعي تحويل ملكية مواقع دينية بالموصل إليه. وبحسب الكتاب فإن تسجيل المراقد والمساجد، التي يطالب بها الوقف الشيعي، خاضعة لإجراءات "لجنة الفك والعزل". وشُكلت تلك اللجنة بعد حل وزارة الأوقاف، لتتولى الدعاوى المقدمة إليها من الوقفين بشأن تبعية المساجد والمواقع الدينية الأخرى. وبحسب الكتب الرسمية الصادرة عن كل من الوقف السني وهيئة استثمار أملاك الوقف السني في نينوى، فإن الوقف الشيعي حاول، العام الماضي، ضم 17 موقعًا دينيًا في المدينة القديمة بقلب الموصل، بينما تتبع هذه المواقع الوقف السني. وتلك المواقع هي: مراقد الأئمة يحيى بن القاسم بن الحسن بن علي، وحامد ومحمود ابني الحسن بن علي، وعلي الأصغر، ومقامي العباس بن علي، وعلي الهادي بن محمد الجواد، ومراقد عبد المحسن بن الحسن بن علي، وعبد الرحمن بن الحسن، ومقامات السيدة فاطمة بنت الحسين بن علي، والسيدة أم كلثوم. إضافة إلى مرقد بنات الحسن بن علي، ومقام السيدة نفسية بنت الحسين، والسيدة شاه زنان، زوجة الحسين، ومرقد الإمام عون الدين بن الحسن، وزيد بن علي، ومقام للإمام علي بن أبي طالب، ومرقد علي الأصغر بن الإمام محمد الحنيفة، ومرقد الإمام الباهر بن الحسين بن علي. ويقول موصليون إن تلك المواقع تتبع الوقف السني، كونها توجد في مناطق يسكنها السُنة بشكل كامل، ويشدد الوقف على أنه يمتلك الحجج الوقفية التي تثبت ملكيته لتلك المراقد والمقامات. بينما تستند مطالب الوقف الشيعي على أسماء تلك المواقع، إذ تحمل أسماء من آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام. ووجه الوقف الشيعي، العام الحالي، كتابًا إلى نظيره السني في نينوى، يدعوه فيه إلى التوقف عن إدارة تلك المواقع الدينية. كما يحاول الوقف الشيعي وضع يده على أملاك الوقف السني في مناطق النبي شيت والدواسة وباب الطوب وباب السراي وسوق الصياغ في الموصل القديمة، بعد أن سيطر على الوقف التابع لجامع النبي يونس في الجانب الأيسر (الشرقي) للمدينة. وحاول الوقف الشيعي، نهاية يونيو/ حزيران الماضي، السيطرة على الأملاك التابعة لجامع بنات الحسن بسوق الصياغ، وهو مسجد بنته عائلة "شهيدو" الموصلية المعروفة، وما يزال ورثة العائلة أحياء، وتوجد لدى الوقف السني حجج وقفية تثبت ذلك. ** دعوة لتدخل عاجل قال مدير الوقف السني في نينوى، أبو بكر كنعان، للأناضول، إن "الوقف الشيعي خالف توصيات الجهات الرسمية، وأبرزها قرار مجلس محافظة نينوى بوقف جميع إجراءات تحويل الملكية بين الوقفين، لحين صدور قرار من رئاسة الوزراء ولجنة الفك والعزل بحل الخلاف بين الوقفين". وأضاف كنعان أن "خلافًا في 2008 على ملكية مواقع دينية حُسم أيضًا بقرار من مجلس الوزراء قضي بتثبيت الأملاك الوقفية بحسب مذهب الواقف (صاحب الملك أو الوقف)، لذا إن كان الواقف من المذهب السني يذهب الملك إلى الوقف السني، وهكذا بالنسبة للوقف الشيعي". ودعا الحكومة الاتحادية إلى "التدخل العاجل لوقف محاولات السيطرة على أملاك الوقف السني في الموصل بأثر رجعي، لابد من اعتماد مبدأ مذهب الواقف في حل القضايا الخلافية على الأملاك بين الوقفين". ** نفي للوقف الشيعي الوقف الشيعي رفض الإدلاء بتصريح للأناضول ووسائل إعلام أخرى بشأن تلك القضية، واكتفى ببيان نفى فيه وجود محاولات للاستيلاء على أملاك في نينوى. وقال الوقف الشيعي، في بيانه الشهر الماضي: "نؤكد أن ما صدر ويصدر من بعض الجهات السياسية أو الإعلامية لا يعدو كونه مزايدات سياسية وإدعاءات زائفة". وأضاف: "وحقيقة الأمر تؤكده اللقاءات والاجتماعات المتواصلة مع المسؤولين في ديوان الوقف السني، ضمن عمل لجان الفك والعزل بين الطرفين، التي وضعت نصب عينيها تغليب لغة الحوار الوطني والشرعي، وبما يخدم المصلحة الوطنية". وأصدر القضاء العراقي، مطلع العام الماضي، حكمًا بالحبس 3 سنوات بحق محافظ نينوى الأسبق، أثيل النجيفي، في دعوى قدمها الوقف الشيعي، بعد أن رفض النجيفي طلبات الوقف الموجهة إلى دائرة التسجيل العقاري، عام 2010، لتحويل ملكية عشرين موقعًا دينيًا في الموصل القديمة إلى ملكيته. ووصف النجيفي، في وقت سابق، محاولات الوقف الشيعي بـ"الفتنة"، وشبهها بـ"الفتنة" التي يمكن أن تحصل جراء تحويل حسينيات الشيعة القديمة في النجف إلى مساجد سُنية. ** أغراض سياسية واقتصادية الناشط السياسي الموصلي غانم العابد، حذر من تداعيات استمرار محاولات الوقف الشيعي الاستيلاء على أملاك في الموصل. وقال العابد للأناضول إن "الغرض الحقيقي وراء محاولات السيطرة على الأراضي والمواقع الدينية في الموصل سياسي واقتصادي بامتياز". وتابع: "فالوقف الشيعي لا يريد الاستيلاء على المساجد فقط، بل يحاول انتزاع الأملاك في سوق الصياغ وباب السراي والدواسة في قلب الموصل التجاري، بهدف السيطرة على العوائد المالية التي تحققها تلك الأملاك، رغم المبالغ الخيالية التي خُصصت لموازنة الوقف الشيعي من دون تخصيص أي مبلغ لنظيره السني". واتهم "جهات في بغداد بدعم تحركات الوقف الشيعي في الموصل، مقابل صمت من المسؤولين في رئاسات الوزراء والجمهورية والبرلمان". ورأى أن "تلك المحاولات لن تتوقف في الفترة المقبلة لعدم إدراك الوقف الشيعي لخطورة ما يقوم به من إثارة للنعرات الطائفية، عبر تحويل المساجد إلى حسينيات والتعرض لأبناء المذهب السني في مناطقهم القديمة". ** "أوامر إيرانية" عمر المحمود (59 عاما) هو مستأجر لمحل تجاري لبيع الملابس في منطقة باب السراي، يدفع منذ 37 عاما لدائرة الأوقاف العامة، ومن ثم الوقف السني، قيمة إيجار ذلك العقار. وقال المحمود للأناضول إن "مسلحين أصحاب لحىَّ طويلة وملابس عسكرية وعمائم يستقلون عجلات (سيارات) حكومية أبلغوه الشهر الماضي بأن ملكية عمارات في السوق تحولت إلى الوقف الشيعي، وعلى المستأجرين دفع مبالغ الإيجار للوقف، وإلا فسيكون مصيرهم الطرد". محمد الشماع، إمام وخطيب جامع النبي يونس سابقا، المدير الأسبق لدائرة الأوقاف بالموصل، اتهم الوقف الشيعي وفصائل في "الحشد الشعبي" (قوات شيعية) بمحاولة الاستيلاء على جميع مناطق الموصل، وليست المواقع الدينية والمساجد. وقال الشماع للأناضول إن "تلك التدخلات تدعمها جهات سياسية تنفيذا لأوامر إيرانية، وصولا إلى تفريس الموصل والعراق والمنطقة برمتها، والوقف الشيعي يستغل الظروف التي مرت بها نينوى، جراء احتلال داعش لها، للاستيلاء على أملاك عديدة". وشدد على "حرمة الاستيلاء على أموال الوقف، لأنها أوقفت لله تعالى من المحسنين". ومضى قائلا: "بحسب شهادة مسؤول الأملاك في وزارة الأوقاف المنحلة، قاطع عبد النبي، وهو من المذهب الشيعي، فإن أملاك الوقف الشيعي لا تتجاوز 4 بالمئة من الأملاك الوقفية بالعراق". وربط الشماع محاولات الوقف الشيعي السيطرة على أملاك الوقف السني بما يجري في المدينة القديمة من محاولات تغيير ديموغرافي لصالح الشيعة، بعد الكشف عن حملات مشبوهة من جانب مستثمرين مجهولين لشراء العقارات في تلك المنطقة. ورأى أن "تلك التحركات لم تكن محض الصدفة، بل باتفاق مسبق لتغيير هوية الموصل والسيطرة على أملاكها". وكان نواب برلمانيون عن نينوى أعلنوا عن "تحركات مشبوهة" في شراء العقارات، مستغلة عدم تعويض الدولة للمتضررين جراء العمليات العسكرية ضد "داعش". وتعتقد جهات موصلية أن محاولات الوقف الشيعي في الموصل لن تكون الأخيرة، في ظل اختلال التوازن في مؤسسات الحكم، وتحكم الأحزاب الشيعية بجميع مفاصل الدولة العراقية. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :