تجد مدينة مصراتة ذات الثقل العسكري والسياسي المهم غرب ليبيا نفسها تائهة بين سحب ميليشياتها من معركة طرابلس والتفاوض مع الجيش، أو الاستمرار في القتال، لاسيما بعد الضربات الجوية المتتالية التي استهدفت القاعدة الجوية - مصراتة والضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي لوقف القتال واستئناف العملية السياسية. وقسمت تلك الضغوط المدينة إلى أربعة تيارات لكل منها رؤيتها الخاصة في طريقة إنقاذ المدينة التي خيّرها الجيش الأيام الماضية بين الحياد أو توسيع العمليات العسكرية ضدها عقب تحرير طرابلس من “الميليشيات الإرهابية”. وقال المحلل السياسي الليبي عيسى عبدالقيوم لـ”العرب”، إن مصراتة منقسمة اليوم لأربع مجموعات، الأولى تريد الحوار لكنها تضع شروطا مبالغا فيها سبق أن رفضها الجيش في يوليو الماضي. وأضاف عبدالقيوم أن المجموعة الأولى التي يقودها رئيس مجلس الدولة السابق عبدالرحمن السويحلي تطالب بجعل مصراتة إقليما رابعا تبدأ حدوده من سرت وحتى مدينة زليتن مع تفعيل الفيدرالية. وتتكون ليبيا حاليا من ثلاثة أقاليم: طرابلس (غرب)، برقة (شرق)، فزان (جنوب). كما تطالب المجموعة ذاتها بحسب عبدالقيوم بضمانات بعدم الملاحقة وباحتفاظ ميليشيات مصراتة بسلاحها وأن تستلم مجموعة مشتركة أمن طرابلس. ويبدو أن هذه المجموعة هي التي تحاورت بشكل غير مباشر عبر وساطة محلية مع الجيش في يوليو الماضي والتي قوبلت شروطها بالرفض. ورد الجيش على تلك الشروط بالتشديد على ضرورة تسليم مصراتة كامل الأسلحة المتوسطة والثقيلة وكل الذين ارتكبوا جرائم والمطلوبين من المدعي العام والنيابة على أن تؤمن المدينة من قبل رجال الشرطة والأمن العام من عدة مديريات بمن فيهم أفراد الأمن التابعين للمدينة. أما المجموعة الثانية يضيف عبدالقيوم فتريد التحاور مع الجيش والتحالف معه وتمثل هذه المجموعة التيار المدني داخل المدينة الذي يقوده وزير الداخلية في حكومة عبدالرحيم الكيب، فوزي عبدالعال. وتواترت الأنباء عن زيارة قام بها عبدالعال إلى مدينة بنغازي خلال الأيام الماضية تهدف للتمهيد للمفاوضات مع الجيش، في حين نفت مصادر محلية في مصراتة لـ”العرب” صحة تلك الأنباء. وشدد المحلل السياسي الليبي على أن المجموعة الثالثة تطالب بالاستمرار في مشروع المجلس الرئاسي الحالي المنبثق عن اتفاق الصخيرات الموقع منذ 2015 ويقوده وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، في حين ترى المجموعة الرابعة التي يقودها أمير الحرب المطلوب دوليا صلاح بادي أنه لا حل سوى الاستمرار في القتال. ويبدو أن هذا التيار هو من التقى بنائبة المبعوث الأممي إلى ليبيا ستيفاني ويليامز مساء الثلاثاء مقدما شروطا وصفت بغير الواقعية لوقف القتال واستئناف المفاوضات على رأسها استبعاد القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر من أي عملية سياسية في المستقبل. ووفق تدوينة نشرها المجلس البلدي لمصراتة فإن ويليامز أكدت في كلمتها خلال الاجتماع “على استمرار البعثة في عملها من داخل ليبيا، وأن رئيسها غسان سلامة بصدد تجميع رأي دولي جديد حول ليبيا، واضعًا في اعتباره فشل الحل العسكري، وأن الحوار السياسي والتوافق الليبي هو المخرج الوحيد للحل في ليبيا، وأن زيارتها تأتي في إطار التشاور”. وانخرطت مدينة مصراتة بقوة في حرب التصدي لتحرير الجيش للعاصمة وتتردد أنباء بأن ميليشيات طرابلس تشارك بشكل ضعيف في هذه المعركة احتجاجا على مشاركة كتائب متطرفة جاءت من مصراتة سبق وأن اشتبكت معها وطردتها خارج العاصمة. وبددت معركة تحرير طرابلس الفكرة الرائجة في ليبيا بتفوق مصراتة العسكري، حيث عجزت ميليشياتها طيلة الفترة الماضية عن طرد الجيش من مواقعه وبقيت حتى الآن في موقع دفاع دون أن تنتقل إلى مرحلة الهجوم. وقالت مصادر محلية من داخل مصراتة رفضت الكشف عن هويتها لدواع أمنية في تصريح سابق لـ“العرب”، إن القصف المتكرر على القاعدة الجوية - مصراتة رفع من الأصوات المطالبة بضرورة وقف القتال لتجنيب إدخال المدينة في حرب مباشرة مع الجيش. ويقول مراقبون إن قصف القاعدة الجوية - مصراتة حطّم قناعة كانت سائدة بأن المدينة خط أحمر لا يستطيع الجيش الوصول إليها لاسيما في ظل وجود قوات إيطالية في القاعدة، وأعطى انطباعا بأن روما وعدة عواصم أخرى تخلت عن المدينة التي دعمتها بقوة منذ إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي.
مشاركة :