القوة الصلبة تحل مكان القوة الناعمة في العلاقات الدولية (1 ـ 2)

  • 8/22/2019
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

وزارة الدفاع التركية، تعلن الاثنين الماضي الموافق 19 أغسطس 2019 عن «تعرض رتل عسكري تابع لها لقصف جوي خلال توجهه إلى نقطة مراقبة في إدلب، وذلك بعد ساعات من تحذير النظام السوري لنظيره التركي من دعم الإرهابيين في خان شيخون». ويأتي ذلك وسط تلبد غيوم الأراضي السورية باحتمال تصعيد العمليات العسكرية بين الأطراف المتنازعة، فيما يشبه استخدام كل طرف القوى المتوفرة لديه لحصد أفضل الغنائم، فيما لو تمت العودة إلى طاولة المفاوضات.  على نحو موازٍ نلمس تصعيد في حجم الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج إثر التوترات التي ولدتها عمليات قيام السلطات الإيرانية باحتجاز سفينة بريطانية، سبقتها مجموعة من التفجيرات البحرية طالت بعض السفن الراسية في ميناء الفجيرة. ترافق ذلك مع تلاسن متبادل بين طهران ولندن طغت عليه نبرة التهديد باللجوء إلى العنف لإنهاء مسألة احتجاز كل طرف لسفينة الطرف الآخر.  تزامن ذلك مع تصريح الرئيس الروسي بوتين قبيل اجتماعه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس قائلاً «إنه لا يوجد خطر من زيادة مستويات الإشعاع في أعقاب الانفجار النووي في موقع عسكري في شمال روسيا يوم 8 أغسطس 2019». في إشارة غير مباشرة إلى أن موسكو توقف مشاريع تطوير معداها العسكرية النووية. جاء ذلك في وقت ألمح ألكسندر بارتوش، في مقالة له نشرتها في دورية «كوريير» للصناعات العسكرية، في عددها الصادر في 2 من أغسطس 2019، نوه فيها إلى «ضرورة العمل على منع نشر أسلحة دمار شامل في أوروبا». وفي ذلك إشارة مبطنة إلى عودة حمى التسلح النووي من جديد. في الوقت ذاته نلمس تمدد تركيا عسكريًا من خلال قواعدها في سوريا والعراق التي تدعي أن «لها دور وظيفي محدد وهو مرتبط فقط بمنع أكراد سوريا من تحقيق أي نوع من الاستقلال أو الحكم الذاتي». في حين يكشف ذلك عودة تركيا إلى سياسة العصا الغليظة في المعارك السورية.  وفوق هذا وذاك، وقبل عام، وتحديدًا في أغسطس 2018، وخلال قمة هلسنكي بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، لم يتردد الرئيس الأمريكي في رفع لهجة الحوار إلى مستوى التهديد بحرب نووية «لتبرير العلاقات الجيدة مع نظام سيئ، تمامًا مثلما فعل في سنغافورة. وقد تضمنت لهجته عبارات مفرطة بشأن الكيفية التي تسيطر بها واشنطن وموسكو على أكثر من 90% من الأسلحة النووية في العالم، ما يدل على ميله إلى قدرات القوة الصلبة». جميع هذه الأنشطة، وأخرى غيرها تشيران إلى ان مرحلة سيادة العلاقات الدولية والدبلوماسية المرتكزة، على ما أصبح يطلق عليه «السياسة الناعمة»، أو «الذكية»، في العلاقات الدولية بات على كف عفريت منذ وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، وهو أمر مرشح للتصاعد مع نتائج استفتاءات الرأي التي تشير إلى احتمال عودته - أي ترامب - إلى الرئاسة في الانتخابات الأمريكية المقبلة. هذا يعني فيما يعنيه عودة ساحات العلاقات الدولية إلى ما كان يعرف باسم الحرب الباردة التي سيطرت على القوتين الأعظم، إثر النتائج التي تمخضت عنها الحرب الكونية الثانية، التي وضعت مصير العالم حينها بين ما كانت تفرزه موازين القوى بين تلك الدولتين: روسيا والولايات المتحدة. وجسدت حروب الكوريتين في الخمسينات، وفيتنام حتى منتصف السبعينات، مظاهر تلك المعادلة، التي سيطرت على مرحلتها سعي جنوني نحو التسلح، لم تقف حدوده عند الدول العظمى، بل انجرت لها الدول الصغرى من أمثال كوريا الشمالية، وإيران، بل وحتى مصر، التي سمعت أصوات قعقعة السلاح تطرق أبوابها. وكانت أسوأ نتائجها، قيام الكيان الصهيوني، وما تبعه من اجتثاث الشعب الفلسطيني من جذوره، واستيلاء العصابات الصهيونية لأرض فلسطين، وهجرة مئات الآلاف من الفلسطينيين منها هربا من الجرائم التي ارتكبتها عصابات «الهاجناه»، تحت أبصار الدول العظمى، تتقدمها الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حينها. لكن تداعي هذا الأخير، وتشظي الدول التي كانت منضوية تحت لوائه قسرًا أو طوعًا، قاد العالم نحو مرحلة أخرى من العلاقات الدولية، أطلق عليها القوة الناعمة، بعد أن كانت تخضع في مرحلة الحرب الباردة إلى ما كان يعرف حينها بالقوة الصلبة. و«رسم فرانسيس فوكوياما وصموئيل هنتنغتون البعد النظري للمزاوجة بين مفهومي القوة الصلبة والقوة الناعمة». ولذلك وجدنا فوكوياما لا يوقف دعوته «إلى ضرورة بقاء الولايات المتحدة جاهزة بشكل مستمر لاستخدام القوة الصلبة في سبيل حماية مصالحها تحت غطاء ما سماه (نشر الديمقراطية). لكنه اعتبر أن ذلك يجب أن يكون آخر الخيارات التي يتم اللجوء إليها». ويعود الفضل إلى صياغة الفلسفة الكاملة التي تقف وراء مفهوم «القوة الناعمة» إلى «صاحب المصطلح والمفكر الاستراتيجي وعميد كلية كيندي للدراسات الحكومية في جامعة هارفارد، ورئيس مجلس المخابرات الوطني ومساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق بالنسبة إلى جوزيف ناي، وتعني القوة الناعمة، كما شرحها في مقاله الذي يحمل الاسم ذاته (Soft Power)، القدرة على تحقيق الأهداف المتوخاة من خلال الجذب بدلاً من القسر أو الدفع.. فهي تعتمد الإغراء والجذب بدل الإكراه والقهر. ويقابل مفهوم القوة الناعمة مفهوم القوة الصلبة الذي يعني القوة المشتركة السياسية والاقتصادية والعسكرية، أي القوة في صورتها الخشنة التي تعني الحرب».  ولم يكتفِ ناي بتعريف مفهومه للقوة الناعمة، بل قارنه بما يعتبره هو بالقوة الصلبة التي يصفها بأنها «لا تقتصر على القوة العسكرية فقط، حيث رأى أنها تعني أيضاً القدرة على استخدام الجزرة عن طريق الأدوات الاقتصادية، بهدف التأثير على سلوك الآخرين». ومن هنا فإن مفهوم القوة الصلبة، كما يراه العديد من المصادر هو تلك القوة، التي تضع بين يدي صاحبها، أو الدولة التي تستعين بها في علاقاتها الخارجية «القدرة على أن تجعل الآخرين يفعلوا ما لا يمكن فعله بغير التهديد أو المكافآت. سواء عن طريق الجزرات الاقتصادية (الترغيب الاقتصادي) أو العصا العسكرية فقد ظلت القدرة على الإجبار عنصرًا رئيسيًا من عناصر القوة».

مشاركة :