عمل السياسة المالية يتركز في تحفيز أو زيادة الإنتاج الحقيقي من سلع وخدمات. وزيادة الإنتاج الحقيقي هي تدخُّل مباشر، تقوم به الحكومة عن طريق الإنفاق المباشر على المشاريع بشتى صورها. وهو مباشر؛ لأنها تقوم بدور المستهلك والمنتج أو المستثمر في آن واحد؛ فيزيد الطلب والعرض العام. أما تحفيز نمو الإنتاج - وهو تدخُّل غير مباشر - لزيادة جانب العرض العام فيكون عن طريق ما تقدمه الحكومة للمنتج والتاجر من تسهيلات وتخفيضات ضريبية وإعانات من أجل تشجيعه على الإنتاج. وهذه سياسة ريجان، ومنطلق منطقية أطروحات الجمهوريين. أما سياسة أوباما، ومنطقية طرح الديمقراطيين في التدخل غير مباشر، فهي تستهدف تحفيز زيادة الطلب العام بتقديم الحكومة تسهيلات وتخفيضات ضريبية وإعانات للمستهلك، كدعم كلفة الصحة والتعليم؛ وهو ما يؤثر على زيادة الطلب العام. وكلا الطرحين يؤدي إلى النتيجة نفسها، وهي تحفيز الإنتاج. (فالأطروحات المنطقية الصحيحة يجب أن تصل إلى نتيجة واحدة، وإن كانت قد تختلف في تسلسل عقلياتها وطرقها، وتختلف في بعض آثارها الجانبية المتعلقة بها). وأدوات السياسة المالية المباشرة وغير المباشرة وسيلتان: استخدام الضرائب والإنفاق الحكومي. وبالتأمل في أدوات السياسة المالية تتضح لنا محدودية فاعلية آثار السياسة المالية على الاقتصادات غير المتقدمة؛ وذلك بسبب عدم إمكانية تنفيذ المشاريع الحكومية بأيدٍ وطنية، وبمواد وأجهزة وطنية. ولهذا فإن الإنفاق الحكومي المباشر على المشاريع في تلك البلاد لا يتضاعف مردوده المادي ولا العلمي على الاقتصاد العام للدولة. وكذلك لا يسدَّد هذا الإنفاق للحكومة مستقبلاً، وذلك على عكس الدول المتقدمة. ففي أمريكا مثلاً: الدولار الذي تنفقه الحكومة في بناء مشروع يتم بعمالة أمريكية، وعقول أمريكية، وبمواد ومكائن تُصنع في أمريكا؛ لذا فالخبرة والعلوم المكتسبة من المشروع تعود على الأمريكان علميًّا، وهذا أكبر عائد. وأما العوائد المادية فكل ما يُصرف من دولارات حكومية سيتضاعف أضعافًا عدة. فتجد العامل الأمريكي - مثلاً - بفضل أجره الذي أخذه من عمله في هذا المشروع يشتري سيارة وثلاجة؛ وهو ما ينشط مصنع السيارات ومصانع الأجهزة والسياحة؛ فتُوظَّف عمالة أخرى، وتُشترَى معدات؛ فيقوم هؤلاء بالتوسع كذلك في معاشهم وصناعتهم.. وهكذا ككرة الثلج؛ فيصير الدولار (المنفَق حكوميًّا على مشروع) عشرة دولارات أو أكثر. لذا ترى الحروب تنشط باقتصادات الدول المتقدمة؛ لأنها تنتج أسلحتها بنفسها؛ فتتقدم اقتصاديًّا وعلميًّا. بينما تهد وتدمِّر الحروب اقتصادات الدول المتخلفة علميًّا وصناعيًّا. ثم إن هذا التضاعف العلمي والمادي من الدولار الحكومي المنفَق على مشروع سوف ينتج منه دخولٌ، ستأتي بضرائب للحكومة الأمريكية، تسدِّد كل دولار أنفقته الحكومة الأمريكية على المشروع، وزيادة. وبعبارة أخرى، فإن مثل السياسات المالية في الدول غير المتقدمة، ومثل السياسات المالية في الدول المتقدمة، في تأثيرها بالاقتصاد، هو كمثل سيارة غير متقدمة، وتصعد تلاً رمليًّا حاد الارتفاع، وسيارة متقدمة تنزل تلاً مسفلتًا. فالأولى تحرق كميات ضخمة من البنزين لتمشي قليلاً، بينما الثانية تنطلق مسرعة بلا وقود.
مشاركة :