الأدوية البديلة.. هل يمكن استخدامها بأمان؟

  • 4/22/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

عندما يتعلق الأمر بصحة الإنسان وتكون سلامته وحياته هما المحك وأغلى الأثمان، فلابد من إمعان النظر بدقة ومنتهى الشفافية والصدق وبوازع أخلاقي وعلمي عال، فإما أن نكون سبباً في إنقاذ أو إهدار حياة مريض أو على أقل تعريضها لمزيد من الخطر، وهذا ما ينطبق تماماً على قطاع صناعة الأدوية تلك الصناعة الهامة شديدة الحساسية والخصوصية والتعقيد، فقد يظن البعض للوهلة الأولى أن صناعة الأدوية مثلها مثل أي صناعة أخرى تعتمد في المقام الأول والأخير على حسابات الربح والخسارة والجودة والقدرة على المنافسة فحسب، لكن وبالرغم من التسليم بأهمية الربح الخسارة كأحد العوامل الأساسية التي تكفل استمرارية عجلة الإنتاج إلا أن هناك جانبا آخر يتجاوز حسابات الربح والخسارة من حيث الأهمية والأولوية في تلك الصناعة بمراحل كثيرة، ألا وهو الضمير العلمي والأخلاقي الذي يمثل الحافز الحقيقي للإبداع والمساهمة في تخفيف آلام ملايين المرضى في كل مكان والذين هم في أمس الحاجة للعلاج، ولنا أن نتخيل كيف يمكن أن يكون شكل العالم في غياب هذا الوجه الأخلاقي الهام، فالمتابع لهذه الصناعة يدرك أن إنتاج أي دواء يمر بمراحل متعددة ومعقدة ومكلفة للغاية بدءًا من اكتشاف الشركة المنتجة للمادة الفعالة والتركيبة الكيميائية مروراً بمرحلة إجراء الأبحاث والتجربة على حيوانات التجارب ثم على متطوعين من البشر، ومابين هذا وذاك يعكف العلماء على إدخال تعديلات وتحسينات عديدة تساعد في زيادة فعالية التركيبة الكيمائية وتقليل الآثار الجانبية لها إلى أقصى حد ممكن وصولا إلى مرحلة الإنتاج التجاري بعد حصوله على موافقة واعتماد أكبر هيئتين معنيتين بصناعة الدواء في العالم وهما هيئة الغذاء والدواء الأمريكية والوكالة الأوربية لإجازة الدواء، وتستغرق رحلة اكتشاف أي دواء وحتى يرى النور ويصل إلى المريض مدة قد تزيد على 12 عاما وبتكلفة تصل إلى ملياري دولار للدواء الواحد، وبالتالي تمنح الشركة المكتشفة والمنتجة للدواء الأصلي (Brand)الحماية لضمان حقوق الملكية الحصرية لتصنيعة لمدة 20 عاماً بحث لا يمكن لأي شركة أخرى إنتاج دواء بديل (Generic) طيلة تلك المدة وذلك كي تتمكن من تغطية التكاليف الباهظة التي أنفقتها وتحقيق أرباح تساعدها على مواصلة مسيرتها العلمية في الإبداع والبحث والاكتشاف، وبعد انقضاء مدة الحماية يفسح المجال أمام جميع منتجي الأدوية لإنتاج منتج بديل للدواء الأصلي باستخدام المادة الفعالة مما يؤدي إلى خفض تكلفة الإنتاج وبالتالي خفض سعر الدواء وهو في حد ذاته أمر ينطوي على كثير من العدالة والتوازن ما بين حفظ الملكية وفتح الباب أمام المنافسة الشريفة من أجل فائدة المريض، ولكن يظل السؤال: وهل يعطي الدواء البديل نفس التأثير العلاجي للدواء الأصلي؟ وللإجابة عن هذا السؤال الحيوي يجب أن نعلم أن الأدوية البديلة تشترك مع الدواء الأصلي في استخدام نفس المادة الفعالة وبنفس مستوى التركيز وبالتالي نفس الخواص العلاجية، ولكن في بعض الأحيان بالفعل يوجد فروق بين الدواء الأصلي والدواء البديل، حيث يختلف مصدر المادة الخام الفعالة التي تدخل في الإنتاج، وأيضا تختلف طريقة وجودة التصنيع وفعالية الدواء وسرعة وطول مدة تأثيره ومن ثم تختلف فعالية الدواء الأصلي عن الدواء البديل في كثير من الحالات، إذاً هل يمكننا استخدام جميع الأدوية البديلة بأمان تام؟ في بعض الحالات لا ينصح بتغيير الدواء الأصلي الذي وصفه الطبيب وذلك لأن أي اختلاف قد يحدثه الدواء البديل من الممكن أن يحدث خطورة على صحة المريض لاسيما في أدوية أمراض القلب والأوعية الدموية ومخفضات الكوليستيرول بالدم، وفي المقابل يمكن استخدام الدواء البديل بأمان تام في حالات أخرى تحت إشراف الطبيب وفي هذا الصدد أوردت النشرة الدورية لكلية الطب بجامعة هارفارد الأمريكية مقالاً نشر مؤخراً حول كيفية حصول الأدوية البديلة على موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، فأوضحت أنه يتعين على أي دواء بديل استفياء شروط ما يسمي اصطلاحاً "بالمكافئ العلاجي" للدواء الأصلي، بمعنى أنه يجب على الشركة المصنعة تقديم البراهين الدالة على أن الدواء البديل يوفر نفس الكفاءة البيولوجية والعلاجية للمادة الفعالة الموجودة بالدواء الأصلي وبنفس درجة الفعالية ونفس الآثار الجانبية، ويعتمد تحديد المكافئ العلاجي أيضاً استجابة خلايا جسم المريض للدواء البديل وبنفس مستوى استجابته للدواء الأصلي، وللتأكد من المكافئ العلاجي لأي دواء بديل بشكل عام يجب إجراء دراسة بحثية على فعاليته ونتائج استخدامه لدى 500 مريض ولمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر بالنسبة لمعظم الأدوية التي تعالج مختلف الأمراض، أدوية أمراض القلب والأوعية الدموية تحديداً والتي تعتبر حالة خاصة وبشروط أكثر صرامة، حيث يتعين إجراء دراسات بحثية على بضعة آلاف من المرضى ولمدة لا تقل عن عامين. وفي الوقت الذي توفر فيه كثير من الأدوية البديلة خياراً علاجياً فعالاً وتلعب دوراً هاماً في خلق حراك إيجابي في صناعة الدواء، إلا أن هناك مجموعة من الأدوية البديلة الأخرى مازالت تعاني من مشاكل عديدة تتعلق بفاعليتها ومعاملات الجودة والأمان وتهدد مستقبل استمرارها وقدرتها على المنافسة، وتسعى الأدوية البديلة إلى توسيع قاعدة تواجدها بقوة في دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، بينما تكون محل مراقبة وملاحظة في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وقد أحدث هذا الأمر ضجة كبيرة وجدلا واسعاً في كندا حيث تجري وكالة الغذاء والدواء الأمريكية تحقيقاً موسعاً منذ عام 2009م بخصوص إحدى كبرى شركات انتاج الأدوية البديلة الكندية ومصانعها في كل من تورنتو ورتشموند، بل ووصل الأمر لحد فرض حظر على استيراد منتجات هذه الشركة في أمريكا في الوقت الذي مازال يتم فيه تصدير منتجات هذه الشركة إلى أسواق شرق اوسطية وآسيوية وأمريكا اللاتينية، وهو ما دفع بهيئة الغذاء والدواء الأمريكية إلى توجيه تحذير كتابي معلن إلى تلك الشركة في أواخر شهر فبراير عام2013م لوجود خلل في إجراء تعقيم الأدوية وعدم مطابقة نتائج اختبار عينات الأدوية للمواصفات القياسية العالمية للإنتاج والفعالية، هذا بالإضافة إلى إخفاء مصدر تشغليات عبوات بعض الأدوية المصنعة خارج كندا الأدوية، وفي هذا الصدد أفردت صحيفة"لابراس" الناطقة بالفرنسية مقالاً تحت عنوان " أحد عمالقة منتجي العقاقير البديلة في كندا تفرض قوانينها الخاصة" أشارت فيه أن جمعية الصيادلة في مقاطعة كيبيك أعربت عن قلقها المتزايد إزاء عدم قدرة الحكومة الفيدرالية على اتخاذ إجراءات ضد أكبر شركات بيع العقاقير الكندية، والتي قامت بتصنيع مجموعة من المكونات وفقًا لمعايير مشكوك فيها وبيانات خاطئة، وأضافت كاتبة المقال إلى تعرض وزيرة الصحة الكندية رونا امبروز لضغوط كبيرة واستجوابات في البرلمان الكندي، لشرح السبب وراء استمرار تلك الشركة في بيع عدة أنواع من العقاقير داخل كندا، بالرغم من أن هذه الأنواع قد تم حظرها في الولايات المتحدة منذ مدة بموجب تحقيق أجرته إدارة الغذاء والدواء، وخلصت نتائجه إلى أن هذه الأدوية "مغشوشة". ووفقاً لإدارة الغذاء والدواء، قامت شركة الأدوية الكائن مقرها في تورونتو بإخفاء معلومات قد تلحق بها الضرر، وتزوير نتائج الاختبارات التي أجريت في المصنع الهندي، فيما نشرت صحيفة "تورونتو ستار" تقريراً مفصلاً حول 40 شركة أدوية كندية تم اتهامها بارتكاب "مخالفات جسيمة" منذ عام 2008 من قبل إدارة الغذاء والدواء، وتواصل هذه الشركات بيع العقاقير التي تتحلل سريعاً وتحتوي على الكثير من البكتريا، ويترتب على تناولها آثار جانبية غير معلنة مثل تجلط الدم. وفيما يرى بعض الخبراء في عالمنا العربي أن الأدوية البديلة لها نفس تأثير الدواء الأصلي، إذ يتم استخدام نفس التركيبة الدوائية في تصنيعه بعد انتهاء حق الملكية الفكرية التي تقوم بتحديدها الشركة الأم، مما يسمح للشركات الأخرى بإنتاج هذه العقاقير الطبية بنفس التركيبة بعد إعطائها الاسم العلمي، فإن البعض الآخر ولاسيما استشاريو أمراض القلب والأوعية الدموية يرى عكس ذلك مثل الدكتور سعيد السعيد، إستشاري أمراض القلب بدولة البحرين الذي يقول "إن المادة الفعالة في الأدوية البديلة لا يمكن التأكد من صلاحياتها إلا بعد خضوعها لتجارب مكثفة وطويلة، ولدينا تجربة سيئة بالنسبة إلى الأدوية التي يتم استبدالها من دون العودة إلى الطبيب الذي أقرّ العلاج للمريض فيتسبب ذلك في حدوث مضاعفات للمرضى، ويكلف الدولة خسائر باهظة، لأن المريض سوف تحدث له انتكاسة مما يتطلب توفير أسرة إضافية وعناية تمريضية، علماً ان معظم شركات الأدوية الأصلية توفرها بأسعار تقارب أسعار الأدوية ذات البديلة، ويضيف الدكتور السعيد "قد يسمح الدواء الأقل فعالية بحدوث تفاعلات وخصوصاً إذا كان مصنّعاً بتقنية قد تتسبب بحدوث حساسية أو مضاعفات أخرى تؤدي إلى اضطراب التشخيص."

مشاركة :