حاجة اليتيم للتعليم والوعي لا تقل أهمية عن حاجته إلى المأكل والمشرب

  • 8/23/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

سعودي لقب بسفير الأيتام في إفريقيا، حيث سخر وقته وجهده لرعاية الأيتام في إفريقيا منذ أكثر من ثمانية عشر عاماً، وذلك من منظور خاص به لا يكتفي بتوفير المأكل والمشرب، بل يمتد للاهتمام ببناء مستقبل لهم من خلال توفير التعليم ورفع درجة الوعي ودمج اليتيم في المجتمع. ذلك أنه ظل ينادي دوماً بأن مساعدة اليتيم بتعليمه وتثقيفه لا تقل عن توفير المأكل والمشرب والملبس، يقول الغامدي: «بالوعي يستطيع اليتيم أن يتجاوز افتقاره إلى من يعيله، ويعتمد على نفسه، وينفي عنها الشعور بالنقص والحاجة والفاقة». وطاف الغامدي أكثر من ثمانٍ وعشرين دولة في إفريقيا بهدف رعاية الأيتام، وتعليمهم وبلغ عدد المشاريع التي قام بتنفيذها من ٢٠١٥ إلى ٢٠١٨ نحو ثمانية وعشرين مشروعاً خيرياً وإغاثياً. بمجهود فردي، لا يتبع أو يتلقى الدعم والمساعدة من أي جهة حتى لقب بسفير الأيتام في إفريقيا. التقته اليمامة في الحوار أدناه حول حياته وتجربته مع العمل الإنساني: r حدثنا عن نشأتك وبداياتك، أول عمل طوعي لك في الجيش أثناء حرب الخليج؟ - ولدت في منطقة الباحة عام ١٣٨٦ هجرية وانتقلت إلى الرياض مع أسرتي في عام ١٣٩٣ هجرية. نشأت في أسرة فقيرة جداً واضطررت للعمل مبكراً لمساعدة والدي - رحمه الله- كانت أسرتنا مكونة من ثمانية أفراد؛ ثلاثة ذكور وخمس بنات، وكان ترتيبي الثاني بعد أختي - حفظها الله. مارست الرياضة مبكراً من المرحلة الابتدائية والتحقت بنادي الهلال كلاعب كرة قدم، حارس مرمى وكان مدرب الهلال في وقتها السيد بروشتش، ثم انتقلت إلى نادي النصر كلاعب كرة طائرة، حيث كان سبب انتقالي من كرة القدم إلى كرة الطائرة الأستاذ عمر الشقير مدرس الرياضة في مدرستنا. تركت الرياضة كلاعب، وانتقلت إلى التدريب وكنت أصغر مدرب لكرة الطائرة وتم إرسالي إلى دورات خارجية للتدريب، وعملت مدرباً في النصر السعودي والقادسية السعودي، والقوات الجوية بالطائف، ومثلت المملكة في عدة محافل خارجية ومحلية كمدرب، بعد ذلك عملت في القطاع الخاص لدى إحدى الشركات الكبرى. أما عن التطوع فأول عمل تطوعي لي كان هو التطوع مع الجيش أثناء حرب الخليج وكنت في المجموعة الخامسة، وهذا أقل واجب نقدمه للوطن. r كيف كانت البداية في الاهتمام بالعمل الطوعي في رعاية الأيتام، ما الذي ألهمك، ولِمَ اخترت إفريقيا بالذات؟ - البدايات كانت في عام ٢٠٠٠ -٢٠٠١، لم أرزق بالذرية فتوجهت لرعاية الأيتام وبعد ذلك رزقني الله ثلاث بنات. بداية كنت أشارك مع فرق تطوعية وكان لدي رغبة قوية في زيارة دور الأيتام، وبعد زيارتي لدور الأيتام وقربي منهم بدأت أسأل ما هي أو لماذا لا تكون تربية الأيتام بشكل أفضل، حيث إنني لاحظت أن أغلب برامج رعاية الأيتام رعاية توعوية فقط دون إشراك المجتمع وهو جزء لا يتجزأ. فبدأت أبحث عن طريق النت وتواصلت مع عدة دور أيتام وجهات فبدأت في مصر ثم السودان ثم الفلبين وفيتنام هونج كونج والكثير من الدول. ووجدت أنهم يعملون بثقافة ليست معروفه لدينا. فقررت أن آخذ كل معلومة إيجابية وأحاول أن أربي أطفالي على ضوئها أولًا ثم الأيتام خاصة أن جميع البرامج التي رأيتها تناسب الجميع دون تفرقة. وذهبت إلى إثيوبيا ثم تشاد ثم النيجر وبانقي، وهنا فقط أدركت من هم أكثر الناس حاجة إلى الرعاية في ظل الفقر والجوع والأمراض وانعدام التعليم، فكنت أعتمد على الله أولًا ثم على جمع معلومات أستطيع أن أدخل من خلالها، فوجدت أماكن زارها الدكتور عبدالرحمن السميط - رحمه الله-، وقد أصبح الناس يعرفون فيها أنه يوجد من يريد مساعدتهم، فكنت أذهب إلى دور الأيتام أو إلى عائلات فقيرة وأقدم لهم ما تيسر. صحيح الناس هنالك فقراء ولكنهم ليسوا أغبياء اجتماعياً أو لا يعرفون حسن الاستقبال، فكنت أذهب إليهم في مناسباتهم خاصة يوم الجمعة، وكنت أذهب إلى بعض مكاتب الجمعيات المعروفة. وتنقلت من دولة إلى أخرى على رحلات متفرقة، وفي عام ٢٠١٣ وهو العام الذي توفى فيه الشيخ السميط - رحمه الله. قررت أن أخوض تجربة التميز خاصة أنه خلال السنوات التي مضت أصبح لدي أعداد كبيرة جداً من الأيتام والفقراء الذين أتواصل معهم في كل زيارة. فقررت التميز بعد أن جمعت المعلومات عن الاحتياجات الفعلية التي يحتاج إليها الأيتام في طفولتهم ونشأتهم إلى أن يصبحوا رجالًا أو فتيات يستطيعون أن يخوضوا معترك الحياة، فقررت أن أبدأ بفصول تعليم للقرآن ثم اللغة العربية ثم مساعدتهم على إكمال دراستهم وحياتهم حتى لا يتوقفوا عن التعليم. فحاجة اليتيم إلى التعليم والوعي لا تقل أهمية عن حاجته إلى المأكل والمشرب. فركزت على هذا الجانب. وقررت أن لا أتوقف، فكنت آخذ قروضاً بنكية وأصرفها في التعليم وإنشاء فصول في دور الأيتام أو مساعدة المدارس، بعيداً عن العنصرية ولأجل الإنسانية فقط. وقد حاولت جاهداً أن أتعاون أو أعمل أو أشارك مع المنظمات الإغاثية أو الخيرية أو أي جمعية معروفة، المهم أن أجد من يهتم، ومع الأسف حاولت مراراً وخاطبت وطلبت ولكن كان الرد بالإهمال وعدم الاهتمام. فقررت أن أستمر خاصة أن أغلب الجمعيات توقفت أنشطتها في إفريقيا لأسباب أمنية من عام ٢٠١١ إلى عام ٢٠١٥ وهذه الفترة لم يوجد أي نشاط لأي جمعية عربية، فكان الناس لا يرون ولا يسمعون إلا عن رجل أبيض فقط يساعد الجميع فكان أن توسعت علاقاتي، وأصبحت معروفاً عند الكثيرين. وبعد أن عادت الجمعيات للساحة مرة أخرى لم يعودوا كما كانوا. وكنت وقتها قد ظهرت بصورة الرجل الأبيض كما كانوا يطلقون علي اسم: سنتامو موزونقو . وبلغة أغلب دول إفريقيا تعني الرجل الأبيض. أصبح لدي بحمد الله الآلاف ممن أرعاهم، ومع مرور الوقت وجدت نفسي أرعى أكثر من سبعة آلاف طفل، وأكثر من ألفي أسرة، وتجاوز عدد دور الأيتام ٢١ داراً، وآخر مشاريع للفقراء والأيتام عبارة عن عيادة طبية لعلاجهم مجاناً، والتنسيق مع متطوعين لتشغيلها. ولكن مهما كان حجم العمل الفردي ومهما بلغ مستواه، فإن هناك من لا يعترف به كما العمل المؤسساتي الذي يجد تسهيلات أكبر وتعاوناً من الدول. حاولت إنشاء جمعية دولية ولكن ليس بيدي شيء وليس لدي دعم. فأنا رجل إمكاناتي المادية محدودة، ولست من عائلة ثرية ولا من المشاهير، وهذه حقيقة فأكثر الجمعيات أو من يريدون تقديم الدعم كنت أسمع منهم هذا. ولكن لا يهم طالما أن العمل لوجه الله. فقد رأيت الشيخ السميط وأثره في إفريقيا - رحمه الله- وعلي بانات - رحمه الله- والأمير هاري وغيرهم. وكنت أحدث نفسي كثيراً أن جميعهم على طريق واحد، وأنا أريد أن أكون على خطاهم، ولكن لم أستطع ولم أعط الأمور أكثر من حجمها. والحمد لله أنني ما زلت مستمراً وهذا فضل من الله علي. r ذكرت في تصريح لك أن هدفك الأول كان أن يحصل الأيتام على تربية أفضل من التي تقدمها دور الرعاية بطرقها التقليدية، فأين يكمن القصور في نظرك؟ - قد لا يوجد قصور في الدور ولكن كنت أتساءل لماذا يتم عزل اليتيم عن المجتمع، لماذا لا يتم الدمج وتكون لديه أسرة بديلة تهتم به وترعاه وتجعل منه شخصاً يفتخر به؟ أيضاً كنت أتساءل دائماً؛ لماذا من عقود يندر أن نسمع أن أحد الأيتام في دار كذا أو كذا أصبح مهندساً أو طبيباً أو طياراً واحتفلت الدار بهذا النجاح؟! وهنا أيقنت أنه يجب أن نسعى ليتحقق ذلك، ذلك أن الاهتمام بتعليم اليتيم وبناء مستقبله بحيث يكون له مهنة ينفق من خلالها على نفسه ويعتمد عليها لا يقل أهمية عن الاهتمام بمأكله ومشربه؛ لذا فإن أهم أهدافي كان تلافي قصور التعليم ومنح اليتيم فرصة ليتعلم ويحقق أحلامه، والحمد لله هنالك من التحقوا بكليات الطب وغيرها، ووفقنا الله في توفير فرص التعليم لهم. r من خلال عملك الطوعي هلا ذكرت لنا موقفاً شكل منعطفاً مهماً في تجربتك؟ - المواقف كثيرة، رأيت بعيني أناساً وهم يموتون، ورأيت أناساً عاشوا بعد أن كانوا قريبين من الموت. ذهبت إلى بلدان كان يعمها المرض ونجاني الله. زرت مناطق لم أكن أعرفها أو أسمع بها، وبفضل الله استطعت أن أصل إليها. ولا ننسى أننا من المسلمين البسطاء الذين تعلمنا السماحة والبساطة وحب الخير فرسولنا عليه الصلاة والسلام تمم لنا مكارم الأخلاق لنتعامل بها وليس لنحفظها فقط. r بعد أكثر من ١٨ عاماً من العمل الخيري مع الأيتام في إفريقيا، كيف تقيم أداء دور الأيتام في تحسين أوضاعهم، وما أبرز المعوقات التي تواجهك أثناء هذا العمل؟ - أبرز العوائق قلة الدعم المادي وقصور وجود الإعلام المفترض أن يتوافر ليدعم العمل الخيري نحو تحقيق الأفضل، أما عن دور الأيتام فهي قصة لا تنتهي ومن وجهة نظري أن الدور لم تعط اليتيم حقه؛ فاليتيم لا يريد نظرة الشفقة والرحمة فقط لأنه يتيم، بل يريد بناء حقيقياً وواقعياً لحياته ومستقبله. r من خلال تجربتك في العمل الطوعي، بم تنصح الراغبين والمهتمين بخوض التجربة؟ - أنصح كل من يريد خوض التجربة أن يكون واقعياً ولا يضع الأمور في غير موضعها، أن يكافح من أجل الوصول لهدفه، وأن يجعل عمله خالصاً لوجه الله. r رسالة تحب توجيهها من خلال مجلة اليمامة؟ - رسالتي للجميع: اليتيم إنسان مثلنا جميعاً، خلقه الله من أم وأب وإن اختلفت الظروف. وقد جعله الله لنا طريقاً إلى محبته ورضاه، فيجب أن نحسن التعامل مع الله ثم اليتيم، وأن المال ليس كل شيء فمن من الله عليه به فليكفل يتيماً على الأقل مستبشراً وعد النبي عليه الصلاة والسلام حين قال - صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم كهاتين وأشار إلى السبابة والوسطى» ويا لها من مكانة عظيمة.

مشاركة :