الشارقة: «الخليج» على مرّ التاريخ، لعبت المكتبات دوراً محورياً في بناء المجتمعات من خلال ما تقدمه من معارف وقيم مهمة، فهي تنطلق بعلومها وكنوزها المعرفية من الكتاب، وطوال سنوات شكّلت مكتبات الشارقة العامة، التابعة لهيئة الشارقة للكتاب، رافداً استراتيجياً لمسيرة الثقافة التي وضع أسسها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، منذ ما يزيد على أربعة عقود. وعلى امتداد تاريخ طويل من المنجزات، تلتزم المكتبات برؤى واستراتيجيات تنموية وتربوية ومعلوماتية متنوعة، تهدف من خلالها إلى توفير شتى أصناف المعارف والعلوم للقراء، إلى جانب حرصها على نشر الوعي بين جميع أفراد المجتمع بأهمية القراءة وبناء علاقة مستدامة مع الكتاب، وتوفير مختلف السبل التي تتيح أمامهم الفرصة لتثقيف أنفسهم بأنفسهم دون عناء أو مجهود. وانسجاماً مع تلك الأهداف، وضعت المكتبات المنتشرة في مختلف مناطق الإمارة حزمة من البرامج والأنشطة الثقافية والمعرفية والتربوية للأجيال الجديدة، التي تسعى من خلالها إلى بناء أجيال المستقبل على أسس الثقافة والمعرفة، وترشدهم عبر تنوعاتها الثرية نحو جماليات الفكر سواء عبر الندوات المتخصصة أو ورش العمل النظرية والعلمية التي يقدمها نخبة من الخبراء والمتخصصين في مجالات عدّة. وللاستفادة من الإجازة الصيفية للأطفال واليافعين خلال شهر أغسطس الجاري، قدّمت المكتبات حزمة متكاملة من ورش العمل والفعاليات المعرفية والثقافية والإبداعية التي احتضنتها كلّ من مكتبات خورفكان العامة، ودبا الحصن، وكلباء، والذيد، ووادي الحلو، إلى جانب ورش عمل متخصصة وجّهت إلى موظفي الدوائر والمؤسسات الحكومية في الشارقة. ولأنها تهتم لتهيئة الأجيال الجديدة بمكتسبات معرفية قيّمة، نظّمت المكتبات سلسلة من ورش العمل الفكرية والمعرفية والعلمية والفنية، التي قدّمت للمشاركين أسساً خاصة في مختلف المحاور للنهوض بفكرهم وإثرائه بالكثير من الخبرات والمعارف الجديدة والمتطورة. وترسيخاً للأسس المعرفية في نفوس المشاركين، استضافت المكتبات ورش عمل تضمنت التعريف بتاريخها، وأخذتهم مكتبة خورفكان في جولة نحو أقسام الخدمات فيها، إلى جانب تدريبهم على الانتظام بالدوام كملاحظين للقاعات، والإشراف على الأقسام الداخلية للمكتبة، وتفعيل دورهم كمشاركين في تخطيط الفعاليات والأنشطة التي تقيمها. وتحفيزاً على العمل بروح الفريق الواحد، والدفع باتجاه مضاعفة الإنتاجية، وتعزيز أسس التعاون والمشاركة في صياغة الأهداف، نظمت المكتبات ورش عمل كرّست من خلالها الأدوار التنظيمية، وفعّلت الأنشطة الاجتماعية، وساهمت في صقل خبرات ومعارف الأطفال حول آلية العمل ضمن الفريق الواحد وأهميته ومكوناته. ولأن الواقع يشهد بشكل يومي تطورات متسارعة من حيث التكنولوجيا المتقدمة، استضافت المكتبة ورشة تفاعلية بعنوان «أساسيات ومبادئ الذكاء الاصطناعي» عرّفت المشاركين من موظفي حكومة الشارقة إلى حزمة من الابتكارات التي باتت تدار بشكل كبير من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي، وسلطت الضوء على ما يخبئه المستقبل من تحولات في أنظمة التقنيات المتطورة. وفي ورشة تفاعلية بعنوان «الجرائم الإلكترونية»، عرفت المكتبات بما يجول في الفضاء الإلكتروني من أفكار وعلوم واكتشافات، والتحديات التي تواجه الأجيال الجديدة أمام الواقع التقني وتطوراته المتسارعة، ووسائل الاتصال الحديثة التي تمثل الآن سلاحاً ذا حدين. واستضافت مكتبة الذيد، ورشة عمل نظمها مركز الطفل، تناولت أحد أسس التراث الإماراتي بما يخدم تعزيز الانتماء الوطني في نفوس الأطفال، فيما قدّمت مكتبة وادي الحلو حزمة من الورش والفعاليات الفنية والإبداعية، الموجهة للأمهات اللواتي انشغلن بتعليم البنات صناعة التلي مستندات بذلك إلى كتاب صناعات يدوية.وتثبيتاً لدعائم الحسّ الوطني، قدّمت المكتبات ورشة عرّفت الأطفال بالجهود الوطنية التي تبذل من أجل حمايتهم، وآليات التعامل مع قضاياهم وكيفية طلب المساعدة في حال تعرضوا لأي مخاطر داخل الدولة وخارجها. كما نظمت ندوة «في حبّ سلطان»، التي عبّرت عن الإحساس النبيل والوفي تجاه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، لكل ما بذله سموه في سبيل رفعة مكانة الشارقة على مختلف الصعد. وإيماناً بدورها المهم في الارتقاء بثقافة المجتمع، خصصت المكتبات ورشاً فنية وإبداعية متنوعة، تطرقت من خلالها إلى سرد سيرة الإبداع ووجهت المشاركين لتعلم صناعة باقات الأزهار وتضمينها إلى المزهريات وغيرها من الأواني بشكل متميز ومتقن، إلى جانب فعالية «صنع في الصين»، التي هدفت إلى تعريف الأطفال بالابتكارات الصينية الجميلة. وترافقت هذه الورش مع دعوة أولياء الأمور لقضاء يوم قرائي برفقة أطفالهم في المكتبة لتعزيز التواصل بين الأطفال وذويهم حول الثقافة وتكريس عادة القراءة في العائلة، إضافة إلى تنظيم حزمة من المسابقات القرائية المتنوعة. وللأعمال المسرحية نصيب من فعاليات المكتبات وتم عرض «مشهد صامت»، وهي مسرحية قدّمها أطفال مركز الطفل - وادي الحلو، إضافة إلى عرض «قصتي في مسرح الدمى»، وهي مجموعة قصص قدمها الأطفال على مسرح الدمى، إضافة إلى ورشة عمل فن الكولاج، وهي ورشة إعادة تدوير الجرائد والمجلات وصناعة لوحة فنية منها. وأشارت إيمان بوشليبي، مدير إدارة مكتبات الشارقة العامة إلى أن المكتبات تحرص على الاستفادة من عطلة الصيف لدعم الأطفال واليافعين في الانشغال بأنشطة مفيدة وترفيهية في آن. وأوضحت أن الهدف الرئيسي للفعاليات هو تكريس القراءة وحب الاطلاع والمعرفة كنمط يومي لدى الجيل الجديد، ليبقى على تماس دائم مع عالم الكتب الذي لا يرقى إليه أي مصدر آخر للمعارف والثقافات حتى في ظل انتشار وسائل تقنية عديدة تختصر الوقت والجهد. وتابعت بوشليبي: نؤمن بأن المكتبات منذ زمن طويل تخطّت حدود كونها مكاناً لتقديم الكتب وفسحة للقراءة والتأمل، بل أصبحت وجهة للتفاعل الثقافي بين أفراد المجتمع بأطيافه كافة وملتقى إبداعياً لتبادل المعارف والخبرات. ونحن في الشارقة العاصمة العالمية للكتاب، لا بد لنا أن نلتزم بدورنا ورسالتنا في تكريس هذه المكانة واستكمال مسيرة الشارقة التنموية في مجالات الثقافة والمعرفة والنشر.
مشاركة :