وَقَعَ انفجارٌ يوم الثلاثاء الماضي في مستودعٍ لتخزين ذخيرة تسْتخدمه قواتُ الأمن العراقية - لواء «الحشد الشعبي» في مركزٍ قريب من القاعدة الجوية الأميركية في بلد، محافظة صلاح الدين، على بعد 64 كيلومتراً من بغداد. وقبل أكثر من أسبوع، انفجر مستودع «معسكر صقر» الذي تستخدمه الشرطة الاتحادية والحشد. وفيما اتهم نائب قائد «الحشد» أبو مهدي المهندس إسرائيل بالوقوف وراء الانفجارات، مدّعياً أن هناك «أربع طائرات إسرائيلية من دون طيار موجودة في قاعدة أميركية في العراق»، لمّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أن «إيران ليست لديها حصانة في أي مكان... في إيران ولبنان وسورية والعراق واليمن». والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا إيران هي المستهدَفة وكيف سيكون الردّ؟لا شك في أن هناك حرباً دائرة بين «محور المقاومة» ومحور إسرائيل - أميركا منذ العام 2006 يوم شنت الحرب على «حزب الله» في لبنان وفشلت كما أقرّ «تقرير فينوغراد» الذي قيّم فشل إسرائيل وأخطاءها. وفي 2003 عندما دخلتْ أميركا العراق وهدّد وزير الخارجية كولن باول الرئيس السوري بشار الأسد باختيار إما «الشرق الأوسط الجديد» أو الحرب إذا لم يتخلّ عن حماس و«حزب الله»، انضمّ الأسد إلى «محور المقاومة». والعام 2011 اندلعتْ الحرب في سورية وأحد أسبابها كسْر «المحور» ومَنْعَ وصول الأسلحة إلى «حزب الله». إلا أن الحرب فشلتْ وعززت دمشق شراكتَها مع «المحور». وأعيد العراق إلى لائحة الضربة المقبلة: راقبتْ أميركا انتقال «داعش» إلى سورية، كما قال الجنرال مايك فلن واحتلاله ثلث العراق العام 2014 من دون أن تتحرّك، أملاً بتقسيم العراق وانشغال الشرق الأوسط بحربٍ طائفية طاحنة تمتدّ لعقود.وفي فلسطين، فرضتْ المقاومةُ قاعدةَ اشتباكٍ جديدة بعد امتلاكها صواريخ دقيقة وبعيدة المدى تطول تل أبيب وأخرى ضد المدرّعات زوّدتها إيران بها لتصبح غزة عصيّة على المضغ والسحق. وفي اليمن، زوّدت إيران حلفاءها بصواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيَّرة وأسقطت طائرة أميركية من دون طيار.هذا ما دفع محور إسرائيل - أميركا إلى تغيير أهدافه. فبدل ضرْب الحلفاء، تَوَجَّهَ إلى إيران مباشرةً. وعملاً بنصيحة نتنياهو، انسحب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق النووي وفَرَضَ «أقصى الضغوط» على طهران لتركيعها.وقال الرئيس حسن روحاني إن «أحد القادة الأوروبيين أخبره العام الماضي في نيويورك أن ترامب نصحه بعدم التعامل مع إيران لأن الجمهورية الإسلامية ستنتهي خلال أشهر ثلاثة».إلا أن إيران ردّت على العقوبات وأسقطت طائرة أميركية من دون طيار وتجنّبت إسقاط طائرة على متنها 38 فرداً. لكن التوتر أبْعد من أن يكون قد انتهى.والملاحَظ اليوم أن المحور الاميركي - الإسرائيلي يتجه نحو «محور المقاومة» وحلفائه وأصدقائه. وقال أحد صانعي القرار في هذا المحور إن «بومبيو يركّز جهود وزارته على مطاردة المحور وبيئته ولا سيما حزب الله اللبناني في أفريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا وفي أي مكانٍ في العالم لتضييق الخناق على هؤلاء وتجفيف منابع الدعم وموارده. هذا لأن إسرائيل أخفقت بإلحاق الهزيمة بحزب الله وجهاً لوجه في ساحة المعركة ما جعل هذا الحزب الأكثر خطورة بين الحلفاء».صحيح أن إسرائيل ضربت مئات الأهداف في سورية ولم تعلن عن مسؤوليتها إلا في العامين الأخيريْن. وهذه الأهداف كانت غالبيتها بناءً على معلومات استخباراتية جرى بموجبها ضرْب أسلحة إستراتيجية في سورية وأثناء توجهها إلى لبنان أو في مكان تَجَمُّعها. إلا أن إسرائيل اعترفت بأن «حزب الله» يملك اليوم أكثر من 150000 صاروخ.«هناك إجماع بين أميركا وإسرائيل على ضرْب إيران وحلفائها مباشرة وبطريقة غير مباشرة. ورغم أن الأسلوب يختلف إلا أن الأهداف مشترَكة. وما يحدث اليوم في العراق شبيه بما يحدث في سورية وضرْب إسرائيل لأهداف كثيرة فيها»، يقول أحد صانعي القرار في «محور المقاومة».وفي بغداد، تقول مصادر في صنع القرار إن «إسرائيل استهدفتْ الحشد في يونيو 2018 على الحدود السورية - العراقية. والشهر الماضي كشفتْ استخبارات الحشد عن وجود عميل في الجيش العراقي، اللواء محمود الفلاحي (الراي) عدد 9 يوليو بعنوان: (إيران توجه ضربة للأميركيين وتصطاد بالواتساب اللواء فلاحي)، أعطى إحداثياتٍ حول نقاط تواجد الحشد ومستودعات ذخيرته. ولذلك فإن المشاركة الإسرائيلية غير مستبعَدة بهدف تدمير بعض قدرات حلفاء إيران».وبحسب هذه المصادر «إذا تم تدمير مستودعات الحشد التي تحمل صواريخ إستراتيجية يمكنها ضرْب إسرائيل وقواعد أميركية في العراق، فهذا يعني أن الهدف الأميركي في تلك العمليات قد تَحَقَّق. الحشد العراقي هو امتدادٌ لحزب الله في لبنان والمجموعات الفلسطينية في غزة. إنهم مستعدون للوقوف إلى جانب إيران للمشاركة في أي حرب مستقبلية، وهذا ما تعرفه أميركا وإسرائيل».في العراق ليس من الصعب الوصول إلى معلومات حساسة. فأخبار تخزين الصواريخ في مستودعات الحشد على كل فمٍ ولسان. وخلال وجودي في العراق لأعوام طويلة أدركتُ أن غالبية العراقيين تكره الاحتفاظ بالسر. ففي 2004 وصل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني. وعرف أكثر العراقيين بذلك مع كل جدول زيارته في اليومين اللذين أمضاهما في العراق حينها. علماً أن اللواء سليماني اعتاد السفر إلى لبنان لأكثر من 20 عاماً ولم يعلم بوجوده حتى مستوى القيادة المتوسطة في «حزب الله».إلا أن إيران ترغب بإبقاء العراق بعيداً عن مساحة قتالها مع أميركا لأسباب عدة. وقد وافقتْ أميركا على السماح لبغداد بالتجارة مع طهران وشراء الكهرباء والغاز بما يُنْتِج مئات الملايين من الدولارات النقدية في جيوب إيران.لكن إسرائيل تتهيأ الفرص وتعْلم متى تضرب ومتى يجب الامتناع عن الضرب. وهي هاجمت سورية مئات المرات بينما ابتعدت عن مهاجمة لبنان لمدة 13 عاماً. فهي تعلم أن الأسد غير مستعدّ لجبهة جديدة، بينما «حزب الله» يبحث عن «المشكل» إذا قُتل أحد رجاله في أي غارة إسرائيلية.أما العراق فهو في نظر إسرائيل ليس مستعداً للحرب معها وبالتالي يصبح هدفاً سهلاً لها. علماً أن الكلام عن استخدام أربع طائرات من دون طيار إسرائيلية موجودة في القواعد الأميركية، يبقى استنتاجاً مبكراً للغاية. لقد صرّح اللواء حسين سلامي قائد الحرس الثوري، بأن «إيران تخوض حروباً غير مرئية على جبهات عدة». والعراق هو أحد الجبهات ضمن الحرب الأميركية على إيران منذ 1979، أي إعلان «الثورة الإسلامية». ولا يمكن أن يحْدث هجوم إسرائيلي في العراق من دون علْم أميركا وموافقتها. وبالتالي فإن واشنطن تخاطر بخسارة كبيرة لها لأن طهران قد نجحت في بناء «حزب الله» ثانٍ في العراق. وقد احتاج «الحشد» أيديولوجية قوية للقضاء على «داعش» وهزيمته. وهذه الأيديولوجية لن تذهب وتذوب بل تستمرّ في معارضة الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط.صحيح أن العراق يملك أسلحة أميركية ودعماً استخباراتياً لمحاربة «داعش». إلا أن العراق 2019 ليس كالعراق 2003 (دخول أميركا) أو العراق 2014 (احتلال «داعش»). هناك حلفاء جددٌ مستعدّون لتولي المسؤولية مثل روسيا والصين وإيران. وهؤلاء لا يتواجدون على أبواب العراق بل داخل أسواره.
مشاركة :