أدب الــــرحـــــلات بيــــن غــــرائــــب وعجـــائـــب مشاهدات (الرحالة عبدالمنعم الديراوي)

  • 8/25/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أهداني مؤخرا الزميل الصحفي (عبد المنعم الديراوي) كتابه (رحلاتي بين الغرائب والعجائب) وهو كتاب صادر عن دار الأدب البصري بواقع 215 صفحة, يجسد مشاهدات الديراوي حول مدن بلدان يجهل القارئ العربي الكثير عن حيثياتها، موثقا تلك الرحلات بالصور والسرد والوصف الجميل، وهي سياحة جغرافية وسياحة ثقافية متنوعة ومتنورة تقدم لقارئها وصفا دقيقا لتلك المدن وغرائبها وعاداتها وتقاليدها، والرحال عبدالمنعم الديراوي يعد أول عراقي وعربي يدخل جزر أندمان ونيكوبار ويعد أول عراقي وثالث عربي يتسلق جبل افريست أعلى جبال العالم فضلا عن نشاطه كصحفي رائد في البصرة، وبداية لا بد من الإشارة إلى أن كتب الرحلات تعد أهم المصادر الجغرافية والتاريخية والاجتماعية، ذلك لأن كاتب تلك الرحلات يستقي المعلومات من مشاهداته الحية والمباشرة ما يجعلها ذات أبعاد تشويقية وثائقية بأسلوب جميل وتوثيقي يرجع له الدارس والباحث مرارًا، وقد عرف العرب أدب الرحلات قديما. ومن أقدم تلك النماذج رحلة السيرافي عبر البحر إلى المحيط الهندي في القرن الثالث الهجري ورحلة سلام الترجمان إلى حصون جبال القوقاز عام 227 هجري، ومن الرحلات المشهورة كذلك (رحلة ابن جبير الأندلسي)، أما النموذج الذي اشتهر لدينا في ادب الرحلات يتمثل في رحلات (ابن بطوطة) الذي بدأت رحلته عام 725 هـ من طنجة. أي أن أدب الرحلات كان ولازال حاضرا بقوة في موروثنا العربي، ولعل ابرز من كتب هذا الأدب وبرع فيه حول العالم هم أدباء لهم الحظوة والامتياز بمجالات الكتابات الأدبية والنقدية ومنهم (صمويل جونسون، وهاينرش هاينه، وتشارلز ديكنز، ومارك توين، واوكتاف ميربو، وروبرت لويس ستيفنسون، وارنست همنجواي وآخرون) ويمكن القول إن أدب الرحلات في المدون ضرورة ان يتمتع بعدة مزايا لجعل الكتابة أكثر سحرًا وتشويقًا، إذ يجب أن يتم الاعتماد على تقنية (الحوار) واستخدام الأسلوب القصصي (السردي) والاتكاء على الوصف بشكل كبير، وبخاصة في تفصيلات وصف الأماكن والطقوس والعادات والتقاليد، وإضافة مسحة من الفكاهة في عملية الوصف في أدب الرحلات لإضافة المتعة في عملية سرد تلك الرحلات، وهذا ما تجده حاضرا في كتابة (عبدالمنعم الديراوي) في وصفه لرحلاته عبر كتابه (رحلاتي بين الغرائب والعجائب) إذ يصف الأماكن التي زارها بدقة كبيرة، وتفاصيل متناهية تصل إلى ذكر جزئيات مهمة في تلك الرحلات والأماكن ويركز بوصفه على المسائل الغامضة بتاريخ وتقاليد تلك الشعوب والبلدان، ويدعم تلك الرحلات بصور فوتوغرافية وثقها بكاميرته الشخصية وهو يتجول في تلك البلدان، فهو يفتتح كتابه برحلته إلى (ميانمار بورما) وما تمثله من إشكاليات كبيرة إزاء الآخر وبوصفه بلدا أكثر غموضا وجدلا وبخاصة بالنسبة إلى البلدان الإسلامية، الديراوي في كتابه ورحلاته هذه وما دونه لم يكن مثاليا بصورة مفرطة بل كان واقعيا يتكلم عن كل ما يشاهده ويدون ما يعترضه من حوادث ومواقف حتى وإن كانت من قبيل (منعه) من دخول مكان ما، أو خشيته وقلقه من مكان ما أو سلوك ما، ولكن الأجمل هو روح المغامرة التي كان يتمتع بها ومحاولة كشف المضمر والغامض من أسرار تقاليد حياة تلك البلدان، وما لاحظته بتدوينات الديراوي أنه كان أمينا بنقل ما يقابله وصادقا في تدوين ملاحظاته وكتب بموضوعية مطلقة ولم ينحاز لآيديولوجية معينة أو توجه فكري معين، بل كان موضوعيا بوصف ما يعتريه من أفكار ورؤى طيلة فترة رحلاته التي امتدت لبلدان متنوعة الطقوس والعادات والأديان، الديراوي لا يصور الأماكن والطقوس في تلك البلدان وحسب، بل هو يركز كذلك على سلوكيات أفراد تلك البلدان (وحتى تصرفاتهم وردود أفعالهم اليومية إزاء ما يحصل من يوميات) سواء معه شخصيا أو بينهم وبين السائحين، وهو يقدم لنا صورة لإنسان تلك البلدان وجماليات أماكنه سوية، والديراوي يبرع كثيرا في وصفه السردي وكأنه قاص يكتب قصته الأدبية بحرفية لغوية عالية (انطلقت العربة.. رائحة المكان كانت كريهة جدا فالجو مشبع برائحة روث الخيول.. عبرنا بالعربة العديد من بيوت الفلاحين ومزارع للرز والموز والأناناس وفواكه مختلفة أخرى...ص 47) وكذلك (وقهقهات الإسبانيات مع أصدقائهن وحتى عطرهن الفواح الذي أتعمد من ملئ رئتاي به عندما أتقرب منهن وأنا سائرا بالطريق وما بين غنجهن وقهقهاتهن وابتساماتهن اللواتي يرسمنها على وجوههن والتي تصلني كالسهام لتقطع ما تبقى من أحشائي ولتزيد من وجعي أنا الغريب التائه في هذه الجزيرة الجميلة في كل شيء...ص132) ويقدم الديراوي عبر كتابه هذا العديد من الأرقام والإحصائيات الجغرافية والتاريخية والمتعلقة بتلك المدن التي زارها، واسماء تلك المدن التي زارها وتاريخها وظروف تحولاتها وسيرتها الانثروبولوجية والسياسية، وكذلك قدم الديراوي مشاهداته لرحلته إلى (موريتانيا) مبينا تركيبة المجتمع هناك، ولغاتهم وعاداتهم البدوية، وأزيائهم وبخاصة بالنسبة إلى النساء، مستعرضًا بعض المواقف الطريفة التي حصلت معه هناك، وكذلك قدم قراءته لرحلاته إلى جمهورية جنوب غرب إفريقيا، وتحدث عن الأعراق البشرية في تلك الجمهورية، والجميل في تدوينات الديراوي أنه لا يغادر مدينة إلا وسجل كل الملاحظات المتعلقة بتلك الأماكن، يقول الديراوي (واصلت سافايا القيادة إلى أن وصلنا إلى منطقة منبسطة وشاسعة جدا أعتقد أن أول وهلة بانها ربما مزارع للحنطة أو غيرها ولكنها كانت بالحقيقة مجرد حشائش نبتت بسبب الأمطار، توقفت سافايا على حافة نهر عرضه حوالي عشرة أمتار كان الماء يجري فيه سريعا...ص126) وقدم المؤلف كذلك رحلاته إلى (المعابد) في عدة بلدان ومنها الهند والنيبال، وحصوله على كنز ثمين من المعلومات من تلك الأماكن، فقد ولج هناك (معبد القردة) ودكات حرق الموتى الهندوس، ومعبد الفئران، وغيرها من الأماكن والديانات التي تحدث عنها وعن مقدساتها والمحظور فيها وممارساتهم اليومية، الكتاب يجب أن يدرس بصورة أكاديمية وربما يعد من أهم الكتب في البصرة حول أدب الرحلات، وهو تحفة سياحية ثقافية جميلة تستحق القراءة فالديراوي يقدم لكم رحلات تكلف جهد سنوات وأموالا طائلة يقدمها على طبق من ذهب للقراء ليطلعوا على كل تلك الثقافات وما نجهله عن تلك الأماكن والبلدان والديانات كل هذا وأكثر حتما ستجدونه في هذه التحفة الأدبية.

مشاركة :