يهتم الأرشيف الوطني بالتاريخ الشفاهي الذي يوثق التراث المعنوي للإمارات عن طريق الروايات الشفاهية، وما تناقلته ذاكرة المعمرين والمخضرمين وشهود العصر، وفي إطار ذلك وثق رحلات «المقيظ» التي ما زالت مجرياتها محفورة في ذاكرة الإماراتيين.وللمقيظ رحلاته التي تعدّ من الطقوس المهمة التي اعتادها الإماراتيون قديماً للاستجمام بعيداً عن القيظ وشدة حرارته، وارتبطت الرحلات بذكريات وحكايات وقصص؛ إذ حالما كانت تلوح بوادر الصيف بحرارته العالية كان أبناء المدن في الإمارات يتجهون إلى المناطق الجبلية، والواحات، حيث النسمات العليلة، والظلال الوارفة في واحات النخيل، ومياه الأفلاج العذبة، وفواكه الصيف. وكان «المقيظ» محوراً مهماً في العديد من مقابلات قسم التاريخ الشفاهي في الأرشيف الوطني، وفي مقابلة مع الراوية رفيعة محمد الخميري، من أبوظبي، قالت: كنا في فصل الشتاء نبقى في مدينة أبوظبي؛ موطننا وفيها نسكن، ولكن عندما يحل الصيف، وترتفع درجات الحرارة، كنت أذهب مع أهلي إلى رؤوس الجبال في رأس الخيمة بحثاً عن البرودة والنسيم اللطيف، وكنا نتوجَّه إليها عبر البحر؛ فقد كانت أسرتي تملك مركباً كبير الحجم يسمى «الحصان»، وكان مصنوعاً من الخشب، وله استخدامات عدة أخرى. وبعد وفاة أحد أجدادي أصبحنا نقضي فصل الصيف في مدينة العين، ونذهب إليها براً. ويتذكر «المقيظ» الراوي الشاعر سالم عيد عبيد المهيري من العين، ويقول: كنا نقضي فترة الأصفري (الخريف) في العين، وكان أهلنا يخرجون إلى البر لقضاء فترة القيظ (الصيف) أول ما «تبشر» النخيل، وكانوا يسمون أول منتج لها «البشارة»، وتكون درجة الحرارة عالية، فيبدأ الناس بالذهاب إلى «المقايظ» التي تكون قريبة من النخيل؛ كمنطقة الهيلي، والمسعودي، والقطارة، ويسعون للسكن بقرب ماء الأفلاج لعذوبتها، ويأكلون من ثمار النخيل.ويقول الراوي سعيد أحمد راشد مطر المنصوري من مدينة زايد في منطقة الظفرة: كنا «نقيظ» في الحمرا وهي منطقة ساحلية. أما الراوي حمدان محمد سيف القوازية من رأس الخيمة فيوضح: يختلف المكان الذي نقيظ فيه في الصيف عن ذلك الذي نقضي فيه فصل الشتاء؛ فكنا نقضي الشتاء في طرف الرملة، لكن كنا نقيظ قرب النخيل في الصيف.وفي كتاب «ذاكرتهم تاريخنا» الصادر عن الأرشيف الوطني، يتذكر سعيد أحمد ناصر بن لوتاه، من دبي، رحلات المقيظ ويقول: «كان موسم الغوص يستغرق قرابة أربعة أشهر في عرض البحر، وكان مصدراً رئيسياً للرزق».ويوثق الكتاب رحلات المقيظ مما قالته الدكتورة عائشة علي أحمد بن سيّار من الشارقة: في أيام الصيف كنا ننتقل إلى المصايف في رأس الخيمة حيث الجو أقل حرارة، وفيها ماء أكثر، ومزارع للنخل واللوز، والليمون وبعض الخضراوات.(وام)
مشاركة :