عزا المتحدثون في ندوة “القصيدة العربية المُغناة”، تراجع القصيدة العربية المُغناة في الوقت الراهن إلى أسباب عدة، تمثلت في أوضاع الثقافة، والفن، وتدني اللغة العربية بصفة عامة. جاء ذلك خلال ندوة ثقافية أقيمت أخيرا في ساحة اللغة والثقافة، ضمن البرنامج الثقافي لجامعة الطائف في سوق عكاظ في دورته الـ13 هذا العام، وأدارها رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بالطائف عطالله الجعيد. وافتتح الندوة الدكتور محمد مصطفى أبوشوارب، الذي أكد أن الإحصاء أثبت قوة “القصيدة العربية المُغناة”، مشيرا إلى تصدر الأوزان التامة قائمة البحور الأكثر استعمالا في القصائد المغناة في كتب الأدب، إذ أن 29 في المئة من القصائد المغناة في الشعر لكتاب الأغاني هي من بحر الطويل. وقال “أما بحر الكامل فاشتمل على 15 في المئة فقط من القصائد المٌغناة، ثم بحر الخفيف بنسبة 11 في المئة، وأخيرا ثمانية في المئة لبحر البسيط”. وأفاد الدكتور أبوشوارب أن النسبة الإجمالية للبحور التامة والطويلة للقصائد العربية المغناة في كتاب الأغاني بلغت 87 في المئة في مقابل 13 في المئة فقط للبحور القصيرة، وبهذا تكون الموسيقى ركنا أصيلا من أركان النص الشعري. من جانبه تناول المتحدث يحيى بن مفرح زريقان، تجربة بعض الفنانين العرب مستشهدا بغناء القصيدة العربية الفصحى “كم تذكرتُ سويعات الأصيل” في العام 1964 . بدورها قدمت الدكتورة نانسي إبراهيم، ورقة بعنوان “الاتجاه الوجداني في القصيدة العربية المغناة”، مؤكدة أن القصيدة العربية المُغناة تتجاوز حدود اختلافات الثقافات والأماكن، فهي تتردد على ألسنة العمال والفلاحين والبسطاء بلغة فصحى سليمة، فهي تقوم بدور المعلم لتسمو بالارتقاء للذائقة لدى أجيال متعاقبة. وأكدت إبراهيم أن القصيدة العربية المُغناة ما زالت تحتل مركز الصدارة في إشعال الحس الوجداني والتعبير عنه، عبر عامل إضافي لا يقل تأثيرا عن الكلمة ألا وهو الموسيقى. بينما اعتبر الدكتور منصور الحارثي، أن شرف الشعر هو الوزن والغناء، وجميع القصائد هي أغنيات، وجميعها توزن على الغناء، وما يميزنا هو ارتباط الشعر العربي بالأوزان الغنائية، وأما شعر الثقافة الغربية “اليوناني”، فشعرهم يرتبط بالملاحم والقصص والأحداث لذلك “يُمثل”، أما الشعر العربي فـ”يُغنى”. إلى ذلك أوضح الدكتور الحارثي أن النغمة الموسيقية تبدأ من الكلمة الشعرية وصياغتها، حيث إن أول ملحن للقصيدة هو الشاعر، فهو من يختار الحالة الموسيقية والجملة الموسيقية. وقال “ما يحدد إيقاع القصيدة المُغناة هو الوزن وعلاقته بالإيقاع الموسيقي، ومراحل ضبط حركة وسكون”، مضيفا “ثلاثة أمور يجتمع فيها الشعر بالموسيقى، التأليف، والوزن، والمناسبة بين الحركة والسكون”. وتساءل الحارثي عن غياب القصيدة الفصحى في الأغنية العربية، مجيبا عن تساؤله “هي لم تغِب ولكن خضعت للعرض والطلب، لأسباب تردي الفن، والثقافة، وأصبحت سلعة الشاعر الفصيح سلعة غير مطلوبة”. وأكد أن فنانين كبارا على مستوى الوطن العربي لا يستطيعون أن يغنوا بالفصحى، والسبب يعود إلى تدني اللغة العربية عند هؤلاء خصوصا أنهم جزء من المجتمع، مما أبعد الفن والموسيقى عن الشعر الفصيح، رافضا في الوقت ذاته ربط البعض للشعر بالموسيقى. وشدد الدكتور الحارثي في ختام الندوة على أن لغة الآلات الموسيقية لغة مختلفة تماما، وهي لغة إنسانية يفهمها الجميع، وإقبال الناس على الموسيقى وجمال اللحن جعلهم يبتعدون عن المحتوى أو النظر إليه.
مشاركة :