تعهدت الحكومة اللبنانية بإحراز تقدم سريع على صعيد الإصلاحات لمواجهة أزمة اقتصادية متفاقمة دفعت وكالة فيتش لخفض تصنيف لبنان الائتماني الأسبوع الماضي. وقال الرئيس ميشال عون، بعد أن خفضت وكالة فيتش تصنيفها للبنان من بي سالب إلى سي.سي.سي لمخاوف متعلقة بخدمة الدين، إن “الأزمة الحالية تتشكل منذ سنوات طويلة لكن الجميع يساهم حاليا في معالجة أسبابها”. وكانت وكالة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني قد أصدرت تقريرها الدوري، وقررت إبقاء تصنيف البلاد على ما هو عليه، أي عند بي سالب مع نظرة متشائمة. وتعتبر ستاندرد أند بورز احتياطات العملة الأجنبية في لبنان كافية لخدمة الدين الحكومي “في المدى القريب”. غير أن وزير المال اللبناني علي حسن خليل أكد لوكالة رويترز أن تقريري فيتش وستاندرد اند بورز أشارا إلى الحاجة الماسة للإصلاح الذي تأخرت فيه الحكومة كثيرا. وقال إن “هذا التصنيف هو تذكير للبنان بأن عمل الحكومة ليس ترفا بل ضرورة قصوى في المرحلة القادمة”. وأضاف “التصنيف يصف الأمور كما نعرفها ونعمل على معالجتها من خلال الإصلاحات الهيكلية التي بدأنا بها وسنزيد وتيرتها”. واستطرد بالقول “نحن سنتصرف بمسؤولية مع التقرير ولدينا ثقة بأننا سنستطيع الخروج من الأزمة نحو المزيد من الاستقرار”. ويواجه لبنان أحد أكبر أعباء الدين العام في العالم والذي يبلغ 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، كما يعاني بطئا في النمو الاقتصادي منذ سنوات. وتتعرض الأوضاع المالية الحكومية، التي تعاني من الفساد والإهدار، لضغوط بسبب تضخم القطاع العام وتكاليف خدمة الديون ودعم شركة الكهرباء الحكومية. وحذر سياسيون لبنانيون من حدوث أزمة مالية إذا لم يتم إجراء إصلاحات. وتزايد الحافز لتطبيق إصلاحات بسبب بطء تدفق الودائع للقطاع المصرفي الذي يعد مصدرا مهما لتمويل الدولة. وتحاول الحكومة الآن وضع ماليتها العامة في مسار أكثر ثباتا بخفض العجز في موازنة 2019 وخطة لإصلاح قطاع الكهرباء الذي تديره الدولة والذي يستنزف الموارد بينما يعاني اللبنانيون من انقطاع الكهرباء بشكل يومي. وقالت فيتش في أحدث تقاريرها إن خفض التصنيف الائتماني للبنان يعكس تصاعد الضغوط على نموذج التمويل للبنان وتزايد المخاطر المحيطة بقدرة الحكومة على خدمة ديونها. وأكدت أن بيروت تحتاج إلى تدفقات كبيرة لرؤوس أموال لتغطية العجز الكبير في كل من الموازنة والحساب الجاري. وتوقع التقرير أن يحقق لبنان تقدما بشأن الإصلاحات لتحسين ثقة المستثمرين في ضوء ضعف تدفق العملة الأجنبية. لكنه أضاف أنه قد يخفض تصنيفه أيضا خلال الستة أشهر إلى الاثني عشر شهرا المقبلة إذا استمر انخفاض ودائع البنوك واحتياطات العملة الأجنبية في البنك المركزي. وجاء في التقرير “استمرار ضعف تدفقات العملة الأجنبية واستخدام احتياطات العملة الأجنبية في البنك المركزي لتغطية خدمة الدين الحكومي من شأنه أن يختبر قدرة البلد على مواصلة ربط العملات”. وكانت وكالة موديز قد خفضت في يناير الماضي تصنيف لبنان إلى سي.أي.أي 1. ودعا إبراهيم كنعان رئيس لجنة المال والموازنة في المجلس النيابي إلى تنفيذ الإصلاحات في موازنة 2019 واعتماد موازنة 2020 في أجواء استقرار سياسي. وتسبب الشلل الذي عانت منه الأجهزة الحكومية من وقت إلى آخر والتشاحن السياسي على مدى سنوات منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990 في عرقلة تطوير البنية التحتية وتنفيذ الكثير من الإصلاحات المطلوبة اليوم. ودارت البلاد بلا موازنة عامة في الفترة من 2005 إلى 2017. وقالت فيتش إن عدم الاستقرار السياسي وعدم فعالية أجهزة الحكومة ما زالا يمثلان مشكلة أمام ثقة المستثمرين في البلاد. ونسبت روتيرز لرئيس الأبحاث في مجموعة أشمور العالمية لإدارة الاستثمار جان ديهن قوله إن “تخفيض التصنيف ربما لا يكون له تأثير ملموس على حيازات المستثمرين من السندات اللبنانية إذ أن الدين مصنف على درجة غير استثمارية”. وأضاف “فعلت الحكومة الكثير في ما يتعلق بالجانب الإصلاحي مقارنة بحكومات لبنانية سابقة كثيرة”. وشكك خبراء اقتصاد في ما إذا كانت جهود الحكومة كافية لتحقيق أهدافها. ورجح صندوق النقد الدولي الشهر الماضي أن يتجاوز العجز في موازنة 2019 كثيرا المستوى الذي تستهدفه الحكومة والبالغ 7.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وكان قد تجاوز 11 في المئة في 2018. وقال نصيب غبريال كبير خبراء الاقتصاد في بنك بيبلوس إن الوضع الحالي ينبغي أن يكون “جرس إنذار” للساسة حتى يضعوا خطة موثوقة من شأنها أن تفضي إلى تصنيف من الدرجة الاستثمارية. وأضاف “عليهم إعادة هيكلة القطاع العام وعليهم مكافحة التهرب الضريبي والجمركي، ليس بالقول وإنما بالفعل”.
مشاركة :