الموسيقار د.مبارك نجم بين التأليف والتوزيع

  • 8/27/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إن الذي حدا بي أن أكتب هذا المقال هو إحساسي بضرورة إحقاق الحق لإنسان، كبير الشأن، أبت عليه خصاله الطيبة إلاّ أن يكون متواضعًا، والتواضع سمة العظماء، والتواضع وردة من باقة الحياء، والحياء بتمازج الوعي والضمير، هو تربة الأخلاق... فمن لا حياء له فلا أخلاق له. وحتى لا تضيع الحقائق أمام هذا التواضع لا بد من إحقاق الحق ورفع الوشاح عن فضيلة التواضع لتتكشف حقيقة الأمر... وأقصد بهذا الإنسان، كبير الشأن، الدكتور الموسيقار مبارك نجم؛ بيني وبينه عهد من التواصل، ويتسم خط سير التواصل بيننا، في جله، باتجاه الإبداع الموسيقي، وهذا الاتجاه هو قناة أستلم عبرها بدائع أعماله الموسيقية، وأعمالاً موسيقية أخرى... استلمت منه حديثًا رابطًا لإحدى إبداعاته الموسيقية، وكان تقديمه وتعريفه لهذا العمل الموسيقي بهذه الصيغة: «موسيقى الأغنية الكويتية (ترى الليل) ألحان الفنان الأستاذ يوسف المهنا التوزيع الموسيقي د. مبارك نجم أداء أوركسترا بلغاريا السيمفونية»... وبمجرد استلامي رسالته التي تحمل هذه القطعة الموسيقية، طرقت باب المحتوى فانفتحت أمامي أبواب قاعة الاوركسترا البلغارية مع قائد الاوركسترا بيده عصا القيادة، فانطلقت الانغام الكلاسيكية الراقية من مخارج الآلات الموسبقية، وفرضت علي الأنغام أن أستمع إليها بتأمل فكري (réflexion) وبتأمل روحاني (meditation)، وهكذا يتوجب أن يكون الحضور أمام جوقة الاوركسترا وهي تعزف الموسيقى الكلاسيكية... وبهذا التعريف (بأنه موزع وليس مؤلفًا لهذه القطعة الموسيقية) فإن الدكتور مبارك نجم قد غير تسمية دوره الاساسي من مؤلف لهذه القطعة الموسيقية إلى موزع لها، وهذه خطوة، أراها، غير منصفة بحق الذات، ولا بد من إعادة الحق إلى نصابه وإلى أهله؛ فليس هو بالموزع للحن أغنية «ترى الليل»، بل أنه مؤلف لعمل موسيقي كلاسيكي مميز، بنهجه الخاص، وعلاقته بالأغنية الكويتية لا تتعدى حدود اقتباس نغمة من اللحن، وبنى صرحًا موسيقيًا أوركستراليًا متعدد النغمات والألحان بما يفوق نغمة الأغنية بأبعاد أوركسترالية واسعة وحبك نغمي عميق، من الهارموني (تناغم الألحان المختلفة) والپوليفوني (تعدد النغمات في آن واحد) والكونترپوان (وهو فن مطابقة او تطابق لحنين او ثلاثة وائتلافهما مع بعض، ويعتبر واحدا من مبادئ الكتابة البوليفونية)... إن جهده الموسيقي في هذا العمل الفني يفوق الجهد الذي يقتضيه توزيع لحن لمواكبة أغنية، لأن هذا الإنتاج الموسيقي قد أخرج اللحن المقتبس من سياقه ومن عالمه، وأدخله في عالم لا يتسع إلاّ للقلة المقتدرة والمؤهلة والمبدعة، وهو عالم الموسيقى الكلاسيكية؛ وقياسًا على هذا فإن آفاق تذوق الموسيقى الكلاسيكية أوسع بكثير من محدودية تذوق أية قطعة موسيقية أو أغنية محلية تخص شعبًا بعينه؛ وهنا الفارق الكبير بين العالمي والمحلي... الدكتور الموسيقار مبارك نجم له العديد من الاعمال الشبيهة لموسيقى «ترى الليل»، مثل «تبين عيني»، «يالزينة ذكريني»، «تو النهار»، «كوكو»، «توب توب يا بحر»، وغيرها من الأعمال الكلاسيكية التي اقتبس أنغامها من الاغاني المحلية الشعبية منها والعصرية... بينما التوزيع الموسيقي، للحن الأغنية ومن أجل الأغنية، هو معالجة مضافة للنغم الأولي، النغم الصرف الذي يمكن أن يعزف على آلة موسيقية واحدة او الدندنة بها، وهذه المعالجة تقتضي فنيًا مشاركة عدد من الآلات الموسيقية للتعبير عن النغم الأولي، بتلوين النغم الأصلي حسب الآلة الموسيقية وإعطائه بعدًا جماليًا وتذوقًا موسيقيًا أرقى، وليس بالضرورة أن يكون التوزيع أوركستراليًا، وهذا التوزيع للحن، أو نغم، الأغنية ملتزم بكلمات الأغنية ويراعي المخرجات الصوتية لكلمات الاغنية، وكل آلة في الفرقة الموسيقية تتجاوب مع بقية الآلات، ولكن دون إضافات موسيقية نوعية، ودون الحاجة إلى اعتماد أدوات معقدة في التأليف الموسيقي؛ وبهذا المعنى، ذات الدلالة المحدودة، فإن هذا النوع من التوزيع لا يخرج عن مساحة اللحن الأصلي للأغنية؛ فهذا التوزيع مشدود بقوة إلى اللحن الأصلي وإلى كلمات الأغنية... إن الذي قام به موسيقارنا الكلاسيكي هو أنّه استعار جملة موسيقية وبنى عليها صرحًا موسيقيًا أعطى لصاحب الجملة الموسيقية قيمة فنية مضافة؛ إذ أن موسيقارًا، من معيار الموسيقيين الكلاسيكيين والرومانسيين وما بعدهم من المعاصرين، قد أعجبته جملة موسيقية في أغنية شعبية من التخت الشرقي-الكويتي، ورأى أن يدمجها ويبني عليها عملاً موسيقيًا أوركستراليًا رفيع الشأن والذوق في عرف الموسيقى العالمية؛ فالدكتور الموسيقار مبارك نجم قد أبدع وخلق قطعة موسيقية يقدرها كبار الموسيقيين ونقاد الموسيقى في العالم، ذاك العالم الذي يقدر وينقد أعمال الكبار في عالم الموسيقى الكلاسيكية، هذا العالم العظيم الذي يمتد من بدايات القرن السابع عشر، مع سيباستيان باخ مرورًا بموزارت وبيتهوڤن وڤاغنر إلى شوستاكوفيتش، والداخلون إلى هذا العالم قلة، لأنه عالم النخبة في عبقرية التأليف الموسيقي... إذاً فإن القطعة الموسيقية الكلاسيكية «ترى الليل» هي من تاليف الدكتور الموسيقار مبارك نجم، وهو المؤلف الأصلي والأصيل لهذه القطعة الرائعة... وهذا الرأي لا يقلل من شأن الاستاذ الملحن يوسف المهنا، فللأستاذ يوسف مكانته المرموقة في عالم التلحين والغناء، وألحانه التي تمتزج مع كلمات الشعر تضفي شاعرية طربية على الأغاني التي لحن لها.

مشاركة :