يحاول الجميع مساعدة اليمن منذ عقود، فالجنوب ظل يعيش على تمويلات من الاتحاد السوفيتي إلى أن انهارت المنظومة الشيوعية، وخسرت الدولة الجنوبية مصدر تمويلها، فقررت الهروب من العجز المالي واحتمالات الصراع الأهلي، ثم انضم الجنوب في وحدة غير مخطط لها إلى شمال اليمن، حيث كان الراقص مع الثعابين علي عبدالله صالح يحكم بأسلوبه، وقبائل الشمال التي حاربت معه تحاربت في ما بينها أكثر. لكن الشمال حسب مختصين معتاد على الفوضى وعلى التعايش معها، بينما سقط الجنوب ضحية غياب الدولة والقانون. كانت دولة الإمارات العربية المتحدة حريصة، ولا تزال، على استقرار اليمن ودعم السكان المدنيين، وخلال العقود السابقة كان دور الإمارات يتناغم مع الدعم الخليجي الذي يتم تقديمه لليمن بأكثر من وسيلة وعبر تمويل مشروعات كبرى في التعليم والصحة والزراعة. بل إن الإمارات أضافت في عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بصمة مختلفة، وهي إعادة إعمار سد مأرب التاريخي الشهير لكي يستفيد السكان منه ويعودوا إلى الزراعة. وتم تنفيذ ذلك المشروع العملاق في الثمانينات. لكن اليمن ظل كما يقول المثل وحسب عنوان أحد الكتب “جوهرة في يد فحام”. حضور الإمارات في اليمن كان دائما ولا يزال إيجابيا. لكن الصراعات السياسية والمزايدات تعمل على تضييع فرص تقديم المساعدة والعون. وهناك التدخلات الإقليمية والحروب الإعلامية التي انخرط حزب الإصلاح الإخواني فيها، عبر عناصره في قطر وتركيا، وهؤلاء ظلوا خلال السنوات الماضية يركزون جهودهم على تشويه دور الإمارات، ومحاولة الاستئثار بالمشهد في اليمن، لأنهم يعتقدون أن الفرصة مناسبة للتمكين، ولو في ظل الحرب ومعاناة السكان وغياب الحكومة الشرعية وضعفها وفشلها على أكثر من صعيد. وبالنسبة لمشاركة الإمارات في دعم الحكومة الشرعية اليمنية منذ عام 2015 ضد الانقلابيين الحوثيين، تمت المشاركة تحت قيادة المملكة العربية السعودية وبطلب من الحكومة اليمنية. والآن حدثت تطورات كما هو معتاد في المشهد اليمني المضطرب، لأن من يسيطرون ويضغطون على الحكومة الشرعية هم جماعة الإصلاح، الفرع الإخواني الذي عاش في عهد علي عبدالله صالح وتعود على ممارسة السلطة والمشاركة في الحكم، والآن يظن الإصلاح أنه الوريث الحصري لعهد صالح، ولديه أجنحة تتقاسم الولاء بين قطر وتركيا وجهات أخرى، لكن العقل الإخواني لا يفكر إلا بالتمكين، حتى وإن كان على حساب الشعوب المغلوبة على أمرها. ورث اليمن، شمالا وجنوبا، الكثير من الفساد والفشل، وعندما بدأ الشعب في جنوب اليمن يتململ ويتظاهر ويبحث عن استقرار وعن حياة كريمة، قفز حزب الإصلاح لكي يتهم الإمارات بالوقوف وراء ما يحدث في المحافظات الجنوبية المحررة من الانقلابيين الحوثيين. وكأن الإصلاح يريد أن يقطف ثمار انتصار الجنوبيين على الحوثي بمساعدة الإمارات، لكي يسيطر في النهاية على كل شيء باسم الشرعية، بينما شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي نائمة في العسل، ولديه من يحيطون به ويوهمونه بأن كل شيء سيكون على ما يرام، ويشجعون أطراف الشرعية الأخرى على المكوث في الفنادق والاسترخاء، بينما يسيطر الإخوان على الميدان بعد كل انتصار يتحقق، مع العلم أن الجبهات التي أوكلت إلى الطرف الشمالي الذي يغلب عليه الإخوان لم تتحرك وأرادوا اقتطاف ثمرة الانتصار الذي حققه غيرهم. ندرك في الإمارات أن بعض التفاصيل تندرج ضمن الشأن اليمني الداخلي وليست ضمن مهام الإمارات. لكن ما لا تعلمه الشرعية اليمنية والكثير من المنساقين وراء تشويه الدور الإماراتي، أن السيناريوهات القادمة في ظل العبث الإصلاحي ستكون مظلمة، وسوف يعرفون أن دور الإمارات بعد تحرير محافظات الجنوب والشرق لم يكن سهلا. فهناك سيناريو الجماعات الإرهابية التي أطلت برؤوسها لكن تم وضع حد لها، في إطار جهود إماراتية لم تتوقف عند حدود تحرير المناطق من الحوثيين، لأن الحفاظ على أمن المناطق المحررة في ظل عجز الشرعية وفشلها كان أصعب بكثير من خطوة تحريرها من الحوثيين. وبناء على ما سبق يمكن وضع سيناريوهات عديدة لا نتمنى وقوعها، لكن من يشوهون دور الإمارات في اليمن يستعجلون وقوع هذه السيناريوهات. فالأضرار والخسائر التي قد تحدث في ظل حالة الفراغ الأمني تمثل أبرز أحد السيناريوهات المتوقعة في اليمن، في حال انتقال الاستراتيجية الإماراتية من مرحلة إعادة التموضع والانتشار إلى مرحلة انسحاب القوات بشكل نهائي من اليمن. كان الوضع الطبيعي للسيناريوهات المتوقعة لما بعد تحرير المناطق واستعادتها من قبضة الحوثي، يقتضي أن تملأ الحكومة الشرعية الفراغ، لكن ما حدث هو أن الناس وجدوا أنفسهم يتحررون من الحوثيين ليقعوا في فخ عصابات الإصلاح التي تتستر وراء الشرعية. بل وتصدر البيانات الحكومية وتقود المعسكرات باسم الشرعية. تعلم الدول الغربية وفي مقدمتها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي الذي يتابع بانتظام ملف اليمن، أن أخطر تهديد يواجه اليمن وشريطه الساحلي، هو الإرهاب والقرصنة وتهديد أمن الملاحة، وإمكانيات نشوء بؤر إرهابية على طريقة سيطرة داعش على مناطق في العراق وسوريا. لذلك سوف تتحمل الحكومة الشرعية مسؤولية الفراغ الذي لم تتمكن من ملئه دون واجهة إخوانية منذ دحر الحوثيين. بالإضافة إلى ما سبق خسر اليمن بسبب الفساد المهيمن على صناعة القرار فرصة انتقال الإمارات من مرحلة الدعم العسكري إلى الدعم التنموي، خاصة أن موقع اليمن على البحر الأحمر وخليج عدن يؤهله لتشغيل الموانئ التي لديه والحصول على عائدات مجزية. لكن طالما وقد وصل الحال إلى التطاول على الإمارات وإنكار جهودها وتضحيات أبنائها في مساعدة اليمن على الخروج من محنته، لا يمكن في ظل عجز الشرعية وشللها التحاور مع حزب الإصلاح الإخواني، وعندما يمتلك اليمنيون إدارة حكومية رسمية جاهزة لتلقي المساعدة، يمكن أن يضع الآخرون أيديهم في يدها، حينها سوف تكون الإمارات كما هو عهدها داعمة للتنمية في اليمن. أما الآن فيبدو أن الشرعية تفضل الخسارة وإطالة الحرب لأن الحرب والفوضى أصبحتا لدى البعض فرصة ذهبية للإثراء والتكسب، والضحايا هم البسطاء الذين يترقبون عودة شرعية لا حاضنة شعبية لها بسبب فسادها وعجزها.
مشاركة :