تعكس التصريحات الحادة، المتبادلة بين وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والتركي مولود تشاويش أوغلو، أجواء تصاعد الخلاف بين الطرفين على خلفية التطورات الميدانية التي تشهدها إدلب، والمرشحة لمزيد من التصعيد خلال الفترة المقبلة، بسبب إطلاق العملية العسكرية المشتركة بين القوات الروسية وقوات الجيش السوري، والتي أدت إلى استعادة خان شيخون كبرى مدن ريف إدلب الجنوبي، وانسحاب قوات «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة)، بالتوازي مع تأكيد لافروف أن الطرفين سيواصلان العمليات العسكرية لتحرير إدلب من قبضة الإرهابيين، بما يكشف عن مضي موسكو قدماً في العمليات العسكرية دون مراعاة لرد فعل أنقرة التي لاتزال مصرة على التمسك باتفاق سوتشي، ورفض إجلاء نقاط التأمين التي أقرها الاتفاق. محاور عدة: يتمثل أبرز المحاور الخلافية العالقة بين تركيا وروسيا، حول التطورات الميدانية التي تشهدها إدلب في: 1- قواعد اشتباك جديدة زادت الضربة العسكرية، التي استهدفت صد تقدم قافلة تعزيزات عسكرية تركية تشمل 50 مركبة عسكرية، توقعات المراقبين احتمال حدوث تصعيد عسكري مباشر روسي - تركي. إذ إن قصف الرتل لم يكن في إطار ما يسمى «النيران الصديقة»، على نحو بدا جلياً في تصريحات المسؤولين الروس والأتراك، حول هذه العملية تحديداً. فقد بررت روسيا - التي تقود عمليات القصف الجوي غالباً في المعارك المشتركة مع قوات الجيش السوري - ذلك بأن التعزيزات كانت في طريقها إلى عناصر إرهابية، في حين أعلنت أنقرة أنها كانت تتجه إلى إحدى النقاط الأمنية. وقد تجنب تشاويش أوغلو تحميل موسكو المسؤولية عن القصف - الذي تشير تقارير إلى تكراره نحو ست مرات على الأقل - حيث اتهم النظام بالتورط في ذلك، مطالباً إياه بـ«التوقف عن التلاعب بالنار». والمتصور إجمالاً في هذا السياق أن روسيا مازالت حريصة على تأكيد أولوية تغيير الأوضاع في إدلب، واستعادتها لصالح النظام على حساب الوجود العسكري التركي. 2- خطاب دبلوماسي حاد اندلع اشتباك دبلوماسي جديد بين الجانبين، إذ لم يكتفِ لافروف بالإشارة إلى تحذيرات موسكو السابقة حيال نفاد صبرها إزاء تنامي الإرهاب في إدلب، وأن اتفاق سوتشي لن يبقى للأبد، وإنما حمّل أنقرة صراحة المسؤولية عن تزايد سيطرة التنظيمات الإرهابية في إدلب من 50 إلى 90% على حد قوله، إضافة إلى استرساله في هذا السياق، بتأكيده أن النقاط الأمنية التي تم إنشاؤها وفقاً للاتفاق، لم تباشر مهامها بمقتضاه في تقويض بنية التنظيمات الإرهابية، ما يعني ضمنياً توجيه اتهام روسي هو الأول من نوعه لتركيا بدعم تنظيمات إرهابية في سورية. 3- انعكاسات التقارب التركي - الأميركي شرق الفرات يعكس إجمالي التطورات الأخيرة في المشهد السوري، أيضاً، مفارقة تناولتها معظم التقديرات التي تتابعه، وتكمن في أن الصدام الحالي بين موسكو وأنقرة يأتي في أعقاب تقارب أميركي - تركي، فرضه نجاح واشنطن وأنقرة في التوصل إلى تفاهمات بشأن المنطقة الآمنة على الجانب الآخر، بعد سلسلة من الخلافات بينهما بسبب إتمام صفقة «إس 400» بين تركيا وروسيا، بشكل تعتبره اتجاهات عدة مؤشراً إلى احتمالات تغير التحالفات في المستقبل مرة أخرى. سيناريوهات محتملة: على المدى القريب، يمكن تصور أن التطورات الراهنة ستنعكس على العلاقات الروسية - التركية، إلا أن ذلك سيرتبط بمدى استجابة الأطراف المعنية للتفاهم حول إدلب، ومصير الوجود التركي هناك. وفي سياق هذه التطورات، يمكن طرح عدد من السيناريوهات المحتملة، منها على سبيل المثال: 1- استمرار التصعيد رغم أن تركيا تواجه اتهامات من قبل أطراف عدة بدعم الإرهاب، وهي الاتهامات التي تلاحقها في سورية ودول أخرى، فإن الأمر يبدو مختلفاً بالنسبة لها، عندما تؤيد روسيا هذه الاتهامات، سواء بشكل ضمني أو صريح، خصوصاً أن ذلك يعني أن موسكو قد تسعى إلى وضع مزيد من العقبات أمام محاولات تركيا الاحتفاظ بقواعدها العسكرية في إدلب، على نحو سينعكس على العلاقات بين الطرفين التي يمكن أن يتغير نمطها خلال المرحلة المقبلة. 2- احتواء التوتر قد يعيد الطرفان النظر في آليات التعامل مع تطورات الأزمة الحالية، بما يمكن أن يزيد احتمالات إجراء اتصالات بينهما لنزع فتيل التوتر المتبادل. لكن من المحتمل أيضاً أن تسعى تركيا إلى كسب نقاط عدة باللجوء إلى تغيير تكتيكاتها في إدلب، على غرار دفع قوات المعارضة إلى الواجهة بديلاً عن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» التي تسيطر عليها، وربما إفساح الطريق أمام روسيا والنظام لمواجهة مع الأخيرة، وهو ما تلمح إليه تصريحات مسؤولي وزارة الخارجية التركية من آنٍ لآخر، في إطار مزاعم حول دعم ما يسمى «الجيش الوطني السوري» أو قوى المعارضة للنظام، بما يسمح لها بتعزيز فرصة الإبقاء على «مظاهر» اتفاق سوتشي، لضمان بقاء قوات المعارضة لحين الانتهاء من الاتفاق السياسي، وبالتالي الحفاظ على النقاط الأمنية التى أقامتها هناك. 3- صفقة جديدة ربما يسعى الطرفان، في المدى المتوسط، إلى التفاهم على إنشاء منطقة آمنة في إدلب، على غرار المنطقة الآمنة التركية - الأميركية شرق الفرات، وهو مطلب تبنته تركيا في المرحلة الأولى من اندلاع الصراع السوري، لكن لم يحظَ بتأييد، إلا أن ذلك سيتوقف على مدى تجاوب موسكو مع هذا المطلب. عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة - أبوظبي اختبار مرحلي العلاقات الروسية – التركية تواجه اختباراً مرحلياً، سيحدد مدى صلابة التحالف القائم بين أنقرة وموسكو، دون أن يعني ذلك أن هذا التحالف عرضة لمتغيرات حادة، لاسيما أن الطرفين لديهما القدرة على تجاوز تداعيات التطورات الحالية. ومع ذلك، فإن الدلالة الأهم التي يطرحها هذا التحول، على وجه التحديد، تتمثل في أن العلاقات التركية – الروسية في سورية باتت محكومة بإطار صفقات وتفاهمات عرضة للانهيار، وهو نمط يعكس مدى براجماتية أطراف التحالف في إدارة العلاقات بينهما. - رغم أن تركيا تواجه اتهامات من قبل أطراف عديدين بدعم الإرهاب، فإن الأمر يبدو مختلفاً بالنسبة لها، عندما تؤيد روسيا هذه الاتهامات، سواء بشكل ضمني أو صريح، خصوصاً أن ذلك يعني أن موسكو قد تسعى إلى وضع مزيد من العقبات أمام محاولات أنقرة الاحتفاظ بقواعدها العسكرية في إدلب.ShareطباعةفيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :