الاستثمار في البشر أساس التنمية

  • 8/28/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الاستثمار في رأس المال البشري مصطلح أصبح يتردد كثيرا على الآذان والألسن من دون أن يعي كثيرون ماهيته وأهميته في تحقيق دعم مؤشرات الاقتصادات الوطنية للدول ونموها وتحقيق تنميتها المستدامة، فمن دون الاستثمار في شعوبها لن تستطيع تلك الدول مواصلة نموها الاقتصادي، ولن تكون لديها قوة عاملة ماهرة جاهزة لوظائف الغد، أيضا لن تستطيع المشاركة بفاعلية في الاقتصاد العالمي. ولمن لا يعرف، فرأس المال البشري هو مصطلح حديث نسبيا بدأ استخدامه منذ أوائل الستينات من القرن العشرين، وقد عرّفه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بأنه «كل ما يزيد من إنتاجية العمل والموظفين من خلال المهارات المعرفية التي يراكمها الناس ویكتسبونھا من خلال العلم والخبرة طوال حياتهم». وبناء على هذا التعريف، فإن رأس المال البشري يشمل «مخزون المعرفة والعادات والسمات الاجتماعية والشخصية»، بما في ذلك الإبداع والمواهب والمهارات والقدرات والخبرات والتدريب بما يمكِّنهم من استغلال تلك الإمكانات وتوجيهها لتحقيق أهداف مجتمعاتهم أو جزء من تلك الأهداف. وانطلاقا من هذه الأهمية، انضمت مجموعة البنك الدولي إلى الجهود الرامية لزيادة الاستثمار في رأس المال البشري في المعرفة والمهارات والصحة التي يراكمها الناس طوال سنوات حياتهم، وأطلقت عام 2017 مشروع رأس المال البشري، وهو مشروع قيد التنفيذ حاليا، وبالتزامن مع المشروع أطلقت المجموعة أيضا مؤشرا جديدا لرأس المال البشري، وذلك خلال الاجتماعات السنوية التي عُقدت في مدينة بالي الإندونيسية في تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي (2018). وخلال تلك الاجتماعات، طرح وزراء من نحو 30 بلدا رائدا أفكارا مبكرة حول كيفية تسريع الاستثمارات، وأُتبع ذلك بإتاحة فرصة نادرة لموظفيها للعمل شخصيا في مختلف المناطق والقطاعات، وقد ازداد عدد البلدان التي تسعى لتنمية رأسمالها البشري وتشارك بنشاط في هذا المشروع من 28 دولة إلى أكثر من 60 منذ بداية انطلاقه حتى أوائل العام الحالي (2019). لا شك أنها خطوة مهمة أن يُعنى البنك الدولي ببناء رأس المال البشري في جميع البلدان، وللحقيقة فقد أحسن صنعا بهذا المشروع، فلأن الاستثمار في البشر يتطلب توفير التغذية، والرعاية الصحية، والتعليم الجيد، والوظائف، وبناء المهارات، أتوقع أن يضطلع هذا المشروع بدور فعال في إتاحة الفرصة أمام الحكومات وصانعي السياسات، من أجل تحديد أولويات الاستثمارات التي من شأنها إحراز تقدم سريع نحو عالم يصل فيه جميع الأطفال إلى مدارسهم وهم ينعمون برعاية صحية عالية، ويتمتعون بتغذية جيدة ويتلقون تعليما جيدا بشكل يجعلهم قادرين على دخول سوق العمل كبالغين يتمتعون بالصحة والمهارة والإبداع والابتكار والقدرة على الإنتاج. فطالما اعتبر الاستثمار في رأس المال البشري أعلى أنواع الاستثمار قيمةً، وأكثرها أهمية لتحقيق النمو الاقتصادي الحقيقي والمستدام لدى كافة بلدان العالم على اختلاف أنظمتها وخصائص اقتصادياتها، فهو يشكل أغلبية الثروة في البلدان المرتفعة الدخل، ونسبة مئوية أقل من إجمالي الثروة في البلدان المتوسطة الدخل، ونسبة أقل من ذلك في البلدان المنخفضة الدخل، وبناء عليه باتت الموارد البشرية مقياساً أساسياً لثروة الأمم، وتؤكد نظريات الاستثمار في رأس المال البشري على العلاقة الوثيقة بين الاستثمار في التدريب والتعليم وزيادة دخل الفرد والمجتمع. بيد أنه على رغم ذلك، بقي الاستثمار في رأس المال البشري طويلا دون مستوى الطموح، ولم يواكب مراحل تنمية الموارد البشرية الحالية، بحيث لاحظنا استثمار الحكومات طويلاً لتحقيق النمو الاقتصادي عن طريق التركيز على رأس المال المادي كالطرق والجسور والمطارات وغير ذلك من البنى التحتية، وفي المقابل فإنها لم تستثمر إلا بدرجة أقل في مواطنيها، وهو ما خلق فجوة كبيرة في رأس المال البشري، ما يقود إلى إحباطهم ويؤدي بقوة إلى عقبات بطريق جهود تلك الحكومات بدفعها على طريق الهشاشة والصراع والعنف والتطرف والهجرة في نهاية المطاف. الأكيد أنه بات من الضروري أن تعيد تلك الدول النظر في حساباتها، وتتجه نحو تنمية مواردها البشرية بأفضل السبل وأكثرها جدوى، وأن تضع الاستثمار في شعوبها هدفا استراتيجيا مستداما ومستمرا ولا يرتبط بفترة زمنية معينة، وفي الوقت ذاته متوازنا وشاملا بشكل يحمي الفقراء والضعفاء، ويقلل من عدم المساواة ذلك أننا عندما نتحدث عن الاستثمار في البشر، فنحن لا نعني بتاتاً شريحة الأذكياء فقط، يتعدى الأمر ذلك إلى التطوير والتدريب والبحث عن الأفكار الجديدة ومعرفة كيفية تطويرها وتوظيفها لخدمة الاقتصاد والمجتمع. إن توظيف وتطوير وتنمية الأفكار البشرية المبدعة ليس صعبا ولا مستحيلا، وبالطبع هذا يستدعي إطلاق هذه الدول العنان لقوة رأس مالها البشري وسد الفجوة فيه من خلال إيلائها الاهتمام اللازم بالاستثمار في شعوبها وتنمية روح الإبداع والابتكار فيهم والرفع من قدراتهم وتعزيز مهاراتهم ورفاهيتهم، عن طريق الاهتمام بالصحة والتغذية والتعليم المبكر، وكذلك إشراك القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في تقديم الخدمات وبناء القوى العاملة اللازمة للمستقبل وجعلهم مسايرين للتكنولوجيات الحديثة، ليصبحوا منتجين للمعرفة وباحثين عنها ومتعلمين ومتقنين لها ومستعدين للمنافسة وقادرين على مواجهة التحديات العالمية، بوصف كل ذلك محركا رئيسيا للنمو الاقتصادي لأي بلد، من أجل ازدهار شعبه ورفع نوعية حياته مستقبلا. خلاصة القول إننا كوطن وكمجتمع يعيش عصر الرؤى البراقة والأهداف الواعدة والتحولات التي ستكون سلالم النماء العالمي الذي لن يثنينا شيء عن الوصول إليه، نحتاج إلى تلك الاستثمارات البشرية بقدر كبير، خاصة أن هذا الوطن بيئة خصبة لنجاح هذه الاستثمارات بقيادته التي راهنت العالم كله على تحقيق رؤى جبارة في زمن قياسي احتاج غيرنا لقرون لتحقيق ما سيتحقق بأمر الله، إضافة إلى تركيبة سكانية تشكل فيها نسبة الأطفال والشباب الرقم الأكبر.. الاستثمار البشري في وطني هو وسيلة الموصلات الأسرع لواقع تنفخ فيه الروح بأحلام كلنا حريصون عليها.. قيادة وشعب، فليتنا نستثمرها بحرص وذكاء وإيمان عميق بها.

مشاركة :