إذا عدنا سنوات إلى الوراء، فقد كان يُنظر إلى الشركة التي تقوم بأعمال الخير أو تشارك في النشاطات المساعدة لتطوير المجتمع على أنّها تغطّي أمراً معيّناً أو أعمالاً غير قانونية، أي أنّها تحاول خلق صورة جميلة لا تُظهر هويتها فعلاً. لكنّ مفهوم العمل المسؤول للشركات تغيّر بعدما أصبح رجال الأعمال والمستثمرون والمساهمون أكثر وعياً لتأثير نشاطاتهم في البيئة والمستهلكين والعاملين والمجتمعات المحلية وكل الأعضاء في المجال العام. من هنا، انبثقت المسؤولية الاجتماعية للشركات أو ما يُعرف بـCSR لتُدمج في نموذج الأعمال التجارية وتصبح جزءاً لا يتجزّأ من استراتيجيات الشركات. وقد تخطّت هذه المسؤولية المسألة الأخلاقية أو الرغبة في عمل الخير لتصبح عنصراً أساسياً ضمن التنمية المستدامة في أي بلد. وهذا ما أكده المشاركون ضمن «قمة المسؤولية الاجتماعية ٢٠١٥» التي نظّمتها أخيراً شركة «إنفورما» تحت رعاية وزارة الاتصالات وشركة «ألفا» في المدرسة العليا للأعمال - بيروت. وكان اللقاء بين مجموعة من الفاعلين الأساسيين في حقل المسؤولية الاجتماعية، ناقشوا خلاله أفضل الوسائل التي يمكن اتباعها لتطبيق برامج فعالة حول المسؤولية الاجتماعية تدفع بعجلة التنمية في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط على نطاق أوسع. تعرّف أستاذة علوم الإدارة د. ديما جمالي المسؤولية الاجتماعية للشركات بأنّها تذهب إلى أبعد من المتطلبات الاقتصادية والقانونية الأساسية للشركات، وهي عبارة عن نشاط طوعي يصبح في صلب استراتيجية إدارة المؤسسات. وتكون نشاطات المسؤولية منظّمة ومنهجية، وليست أبداً متقطّعة أو عرضية، بل يمكن قياس تأثيرها الفعلي في المجتمع. وبالنسبة للدكتور عبدالمولى شعار من المدرسة العليا للأعمال، فالمسؤولية الاجتماعية هي التي تمكّن الشركات من تجاوز الوظائف التقنية لتردّ للمجتمع ما قدّمه ضمن البيئة التي تطوّرها، ومن هنا فإنّ الكليات الخاصة بالإدارة تساعد الطلاب على تعلّم المشاركة في المعارف والموارد مع الآخرين لكي يكونوا واعين لدورهم المستقبلي. برامج متنوعة وقد قُدّمت ضمن «القمة» نماذج عدة لشركات تعتمد مبادرات المسؤولية الإجتماعية ضمن المنطقة العربية، في وقت تشير الإحصاءات إلى أنّ ٨٩ في المئة من الشركات في المشرق العربي تشارك بأنشطة المسؤولية الاجتماعية، ما يظهر اهتماماً كبيراً بهذا الموضوع بعدما كان يُعتبر هامشياً أو أقلّه لم يكن من الأولويات بالنسبة للمؤسسات. فشركة «ألفا» للاتصالات عرضت برنامجها الخاص للمسؤولية الاجتماعية تحت شعار «ألفا للحياة» حيث يُساعد أطفالاً ذوي حاجات خاصة تحديداً. وأكّد المدير العام للشركة مروان حايك أنّ المسؤولية الاجتماعية نهج استراتيجي يساهم إلى حدّ كبير في النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، لذا أصبحت جزءاً لا يتجزّأ من الحمض النووي لـ «ألفا» حيث تُدمج الممارسات المستدامة في الأعمال آخذين في الاعتبار ثلاثة أقطاب: الناس، البيئة والربح. أما «مجموعة الأهلي القابضة» فلديها قسم خاص للمسؤولية الاجتماعية، وقد تمّ العمل على مشاريع عدة تركت أثراً كبيراً، مثل برنامج «Food Blessed» لإطعام المحرومين، أو برنامج «Women to women success» لتطوير قدرات المرأة. وتضاف إلى ذلك برامج أخرى خاصة بكبرى الشركات مثل برنامج «MBC الأمل» الذي يهدف إلى تقديم المساعدات للاجئين والنازحين. وقد أطلق حملة «أنت الخير» لتحفيز الشباب العربي على فعل الخير في شكل ممهنج وفعّال. وكان لافتاً النهج الذي اتبعته شركة «سيتي غروب» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ أشار مدير الشؤون العامة والعلاقات الحكومية كريم صفي الدين إلى أنّ الشركة تهدف إلى «أكثر من العمل الخيري» كما يتضح من نوعية البرامج التي تدعمها مع المنظمات غير الحكومية مثل مؤسسة إنجاز، أمديست وجمعية الشبان المسيحية. وتصبّ كلّها في خانة تطوير المهارات لدى مختلف فئات المجتمع لدفع عجلة التنمية. كما كانت هناك مشاركة لافتة لممثلين عن جامعات لبنانية أظهروا أنّ حتّى هذه المؤسسات التربوية لديها دور أساس في المسؤولية الاجتماعية من ناحية تدريب الطلاب والعمل على حملات منظّمة في قضايا اجتماعية عدة. عوائق أمام الفاعلية على رغم أنّ «قمة المسؤولية الاجتماعية ٢٠١٥» اتسمت عموماً بنظرة إيجابية لتطوّر العمل الاجتماعي للشركات واشتراكها المباشر بتحقيق التنمية المستدامة في المجتمعات العربية من خلال دعم الفئات الأكثر حرماناً ودعم الشباب مهنياً وأكاديمياً، فإنّ عوائق عدة ظهرت أيضاً في كلام المشاركين وهي تعتبر حواجز تحول دون أن تحقق هذه المسؤولية تأثيراتها الفعلية. فبحسب مدير العمليات في المنظمة العالمية للشباب أويس سوفي، هناك مشكلة لا تزال قائمة من ناحية تكامل الجهود بين الشركات والجمعيات الأهلية والحكومات. فالتنمية المستدامة لا يمكن أن تتحقق إلا بتعاون هذه الجهات الثلاثة مع بعضها بعضاً، واليوم لا تزال جهودها منفصلة عن بعضها. وهذا ما شدّدت عليه أيضاً الشريكة في شركة «ديلويت أند توش» للمراجعة والتدقيق رنا غندور سلهب، إذ رأت أنّ الشركات لا يمكن أن تحلّ بذاتها مشاكل المجتمع أو تخلق فرص العمل بل هذه مسؤولية الحكومات، لكنّها في الوقت عينه يمكن أن تدعم المبادرات والشباب في بداية مسيرتهم بالتنسيق مع المنظمات المدنية والجمعيات الأهلية التي لديها نشاطات فعلية ميدانياً. وإذا كان هذا رأي المسؤولين في كبريات الشركات والمنظمات العاملة في المنطقة العربية، فوزير الاتصالات اللبناني بطرس حرب يجد أيضاً أنّ استراتيجية المسؤولية الاجتماعية لا تكتمل من دون خلق هذه الثقافة عند المواطنين أولاً، ومن ثم تحديد دور السياسيين ومسؤولياتهم ووضع خطة عمل من جانب كل وزير لوزارته ثانياً. وبعدها لا بدّ من تعزيز دور الناشطين في المجتمع المدني من مؤسسات وجمعيات ومنظمات وتقويته، ليتمّ أخيراً إيجاد نوع من التناغم بين هؤلاء العاملين في المجالات كلها عبر توفير الحوافز المشجعة لهم.
مشاركة :