مناورة بوريس جونسون تقرّب أكثر من بريكست فوضوي

  • 8/30/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قبل أسبوع من التصويت في استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في يونيو 2016، لقيت النائبة عن حزب العمال جو كوكس حتفها إثر تعرضها لطلقة نارية وطعنة من رجل يبلغ من العمر 52 عاما، وصاح بعد استهدافه كوكس، المعارضة للبريكست، “بريطانيا أولا”. تحولت هذه الحادثة من جريمة بشعة إلى رمز ومظهر من مظاهر العنف المحيطة بالبريكست. وسطرت بداية التحول في بريطانيا الشعبوية، التي انتهى بها المطاف في متاهة الخروج الصعبة، وعلى رأس حكومتها بوريس جونسون الذي يمكن أن يخرق كل القواعد والسياسات التي قامت عليها توجهات لندن لعقود طويلة من أجل بريكست وفي موعده. منذ حملة الاستفتاء، ثم بعد ترأسه لوزارة الخارجية، وصولا إلى 10 داونينغ ستريت خلفا لتيريزا ماي، كان جونسون متمسكا بفكرة الخروج بأي ثمن، حتى لو أدى الأمر إلى انفصال دون اتفاق. لكن، كان لدى المعارضين والمتابعين بعض الشكوك في تحقيق ذلك اعتمادا على أن جونسون سيواجه معارضة من البرلمان، على غرار ما واجهته رئيسة الوزراء المستقيلة تيريزا ماي. قال المتابعون إن إنهاء عضوية بريطانيا المستمرة منذ 46 عاما، سيشكل تحديا كبيرا لجونسون خصوصا وأنه لا يحظى سوى بغالبية هزيلة في البرلمان، ويواجه معارضة شديد من داخل حزبه المحافظ. وأكد الاتحاد الأوروبي مرارا أنه لن يعيد التفاوض على اتفاق الخروج الذي توصل إليه مع تيريزا ماي ورفضه البرلمان البريطاني ثلاث مرات لكن، جونسون، الذي قاد حملة مغادرة الاتحاد الأوروبي، أكّد في كلمته إثر تعيينه رئيسا للوزراء “سنفي بوعد البرلمان المتكرر للشعب ونخرج من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر مهما كلف الأمر”. وفي منتصف أخطر أزمة سياسية تمر بها البلاد منذ قرن من الزمن، فاجأ جونسون الجميع بطلب تعليق عمل البرلمان لمدة 5 أسابيع. يعني هذا القرار أنه سيكون أمام البرلمان أسبوعان فقط لمراجعة اتفاق الخروج قبل الموعد النهائي في 31 أكتوبر، وسيصعّب ذلك على رافضي الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق استصدار قانون يمنع هكذا خروج، أو التقدّم بمذكرة لحجب الثقة عن الحكومة. وقال رئيس مجلس العموم، جون بيركو “يتضح الآن بشكل قاطع أن الغرض من تعليق عمل البرلمان هو إيقافه عن مناقشة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وأداء واجبه في صياغة مسار الدولة”. وأضاف بيركو “هذا الأمر يبدو مراوغا، ويشير استطلاع رأي تم نشره إلى أن الناخبين بدأوا يشمون رائحة الخديعة”. وكشف الاستطلاع الذي أجرته “يو غوف” عن أن نسبة 27 بالمئة فقط يؤيدون قرار جونسون، بينما من يعارضونه يشكلون نسبة قدرها 47 بالمئة. تمنح مناورة جونسون خصومه السياسيين وقتا أقل لمنع خروج فوضوي لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من انقسام الشارع البريطاني بين مؤيد ومعارض لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلا أن خطوة إغلاق البرلمان أثارت غضب الكثيرين، فيما تسببت الخطوة في تمزقات في نسيج الطيف السياسي، بما في ذلك بين أعضاء حزب المحافظين الذي ينتمي له جونسون. وكان كبير المشرعين المحافظين كين كلارك من بين أولئك الذين وصفوا قرار تعليق البرلمان بأنه “سخيف”. فرصة لتوحيد الصف اعتبر المنتقدون، الذين وصفوا قرار رئيس الوزراء بالانقلاب، بأن القرار فرصة لتوحيد صفوف المعارضة المتباينة، والتي أكدت أنها ستواصل اتخاذ تدابير لمنع الخروج عن الاتحاد الأوروبي دون اتفاق على الرغم من تصرفات رئيس الوزراء. وصدّرت صحيفة الغارديان صفحتها الأولى بعنوان “غضب شديد إزاء تعليق جونسون للبرلمان”، فيما عنونت صحيفة التايمز صدر صفحتها الأولى بعبارة “جونسون يختار الكسر” في إشارة إلى أنه يدفع ببريطانيا إلى حافة أزمة دستورية. وكان عنوان صحيفة دايلي تلغراف “يجب على رئيس الوزراء أن ينفّذ إرادة الأمة”. وخرج الناس بالآلاف في احتجاجات أمام البرلمان ووسط المدن البريطانية الأخرى، مباشرة وخلال ساعات من إعلان الخطوة للتظاهر، ووصفوا ما حدث بأنه “انقلاب” وطالبوا جونسون بالاستقالة. وتم توقيع عريضة لمنع هذه الخطوة التي جمعت إلى حد الآن أكثر من مليون توقيع. واحتشد الآلاف من كلية غرين خارج البرلمان مساء الأربعاء، ولوحوا بأعلام الاتحاد الأوروبي ولافتات للتعبير عن غضبهم. ونُظمت تجمعات أصغر في بلدات ومدن أخرى، بينما أصدر 25 أسقفا من كنيسة إنكلترا خطابا مفتوحا حول مخاوفهم من “الصدمات الاقتصادية” لخروج بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي من الفقراء وغيرهم من الفئات الضعيفة. صعوبات مزدوجة على الرغم من أن وقتهم ينفد، فإن المشرعين المعارضين لم تنفد خياراتهم. ومن بين الخيارات الطعن في قرار تعليق البرلمان في المحكمة – رغم أن لديهم في قضيتهم فرصة ضئيلة للنجاح لأن الحكومة تتمتع بصلاحية قانونية للقيام بذلك. ويمكن للمشرعين أيضا محاولة تحديد مواعيد جلسات البرلمان بين منتصف سبتمبر ومنتصف أكتوبر لتجاوز التعليق. ويلفت غارفان والش، مستشار سابق لسياسة الأمن القومي والدولي لحزب المحافظين، إلى أن انتخابات عام 2017 أنتجت برلمانا معارضا للرحيل دون صفقة، والذي، من خلال المناورة التشريعية، أقر قانونا من خلال تصويت واحد في أبريل من هذا العام وأجبر حكومة رئيسة الوزراء آنذاك، تيريزا ماي، على السعي لتمديد مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حتى 31 أكتوبر. وتخطط غالبية أعضاء البرلمان، بما في ذلك بعض أعضاء حزب المحافظين، لتكرار تلك المناورة. ويمكن لمنافسين لجونسون أن يستهدفوه أيضا بحجب الثقة. نظرا لأن الحكومة تمتلك أغلبية ذات مقعد واحد في مجلس العموم، فإن الاقتراح سيحظى بفرصة جيدة لتمريره. وإذا خسر جونسون هذا التصويت، فسيكون أمام البرلمان 14 يوما لتعيين رئيس جديد؛ والفشل في القيام بذلك سيؤدي إلى انتخابات عامة ومن شأن اقتراح حجب الثقة أن يوقف خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون صفقة إلا إذا استطاعت أحزاب المعارضة المجزأة في المملكة المتحدة أن تستقر على رئيس وزراء جديد، الأمر الذي يتطلب منها وضع خلافاتها جانبا ووضع استراتيجية متماسكة. فتعليق البرلمان وإن هو يساعد في توحيد المعارضة فإنه لا تزال هناك عقبات. وقد اقترح زعيم حزب العمال جيريمي كوربين مؤخرا أن يقود حكومة قصيرة الأجل تسعى إلى تمديد خروج بريطانيا من الاتحاد قبل الدعوة إلى انتخابات عامة. لكن الديمقراطيين الأحرار، الذين يعارضون أيضا خطط جونسون، لا يريدون أن يصبح كوربين رئيسا للوزراء. وبدلا من ذلك، اقترحوا أن المرشح الذي يحظى بالإجماع ينبغي أن يقود البلاد إلى اتفاق مع الاتحاد الأوربي. ويرفض المشرعون المحافظون المتمردون، الذين سيكون دعمهم أساسيا في اقتراح بحجب الثقة، رئاسة وزراء كوربين. وتبدو لدى الأحزاب نوافذ صغيرة فقط من الفرص للاستقرار على زعيم بديل قبل تعليق 9 سبتمبر أو مباشرة بعد استئناف جلسات البرلمان في 14 أكتوبر. في المقابل، يملك جونسون فرصة للمناورة وذلك عن طريق تحديد موعد لإجراء انتخابات مبكرة بعد 31 أكتوبر دون السعي لتمديد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وكانت هناك إشارات تشي بأن جونسون يستعد بالفعل لإجراء انتخابات عامة. حتى من دون تصويت ناجح بحجب الثقة، يمكن لرئيس الوزراء استدعاء صناديق الاقتراع المفاجئة لاستباق منافسيه. والانتخابات المفاجئة ستمنح جونسون الفرصة لتصوير نفسه على أنه حاول تنفيذ خروج بريطانيا من الاتحاد على الرغم من عناد المشرعين في مجلس العموم. يجد غارفان والش، وجه شبه بين قرار جونسون، الذي يدفع ببريطانيا إلى حافة أزمة دستورية، وقرار تعليق عمل البرلمان، الذي اتخذه الملك تشارلز الأول في منتصف القرن السابع عشر، وأدى إلى حدوث حرب أهلية دامت 11 عاما. ويقول والش، في تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي، “من خلال تعليق عمل البرلمان في أكثر اللحظات الحرجة، يسير رئيس الوزراء البريطاني على خطى الملك تشارلز الأول. لن تكون النتيجة مميتة، لكنها ستؤدي إلى ظهور العنف في المؤسسات الديمقراطية في البلاد”.

مشاركة :