استقر سعر خام برنت فوق 60 دولارا للبرميل أمس، مقاوما ضغوطا ناجمة عن القلق إزاء النمو الاقتصادي، فيما عزز تراجع حاد في المخزونات الأمريكية العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي. بحسب "رويترز"، ارتفع خام القياس العالمي برنت سنتين إلى 60.51 دولار للبرميل، وزاد خام غرب تكساس الوسيط 48 سنتا إلى 56.26 دولار للبرميل. وأفادت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن مخزونات الخام في الولايات المتحدة نزلت الأسبوع الماضي عشرة ملايين برميل، بينما تراجعت مخزونات كل من البنزين ونواتج التقطير 2.1 مليون برميل. في المقابل، ذكر معهد النفط الأمريكي أن مخزونات الخام الأمريكي نزلت 11.1 مليون برميل الأسبوع الماضي. وذكرت إدارة معلومات الطاقة أن الإنتاج الأسبوعي للنفط في الولايات المتحدة ارتفع بمقدار 200 ألف برميل يوميا إلى مستوى قياسي جديد عند 12.5 مليون برميل يوميا في الأسبوع المنتهي في 23 آب (أغسطس). وتواجه أسعار الخام ضغوطا بفعل المخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي بسبب الحرب التجارية المستعرة بين الولايات المتحدة والصين، أكبر مستهلكين للنفط في العالم، بجانب الضرر الذي قد يلحق بالطلب على النفط. يعتقد جيفري هالي محلل السوق في "أواندا" أن "التوترات التجارية عالقة كسحابة داكنة تهدد بنزول المطر على أسعار النفط". وقالت ماري دالي رئيسة بنك سان فرانسيسكو الاحتياطي الاتحادي، "إنها في حالة ترقب لما سيحدث فيما تقيّم الحاجة إلى خفض آخر في أسعار الفائدة الأمريكية لاقتصاد يتمتع بزخم قوي، لكن الضبابية وتباطؤ النمو العالمي يؤثران فيه". وخفض "مورجان ستانلي" توقعاته لأسعار النفط حتى نهاية العام، وعزا ذلك إلى ضعف الآفاق الاقتصادية والطلب وارتفاع إنتاج النفط الصخري. وقلص البنك الأمريكي توقعاته بشأن سعر خام برنت لعام 2019 من 65 دولارا للبرميل إلى 60 دولارا وخفض توقعاته بشأن خام غرب تكساس الوسيط للربعين الثالث والرابع لهذا العام من 58 دولارا إلى 55 دولارا في السابق. كما خفض البنك من توقعاته بشأن نمو الطلب على النفط لعام 2019 من مليون برميل يوميا إلى 800 ألف برميل يوميا وتوقعاته لعام 2020 من 1.4 مليون برميل يوميا إلى مليون برميل يوميا. ويرى محللو البنك أنه "ستكون هناك حاجة إلى مزيد من التخفيضات في عام 2020 إذا أرادت "أوبك" تحقيق توازن في السوق. ويتوقف الكثير على نمو الطلب العام المقبل، لكن وفقا لتقديراتنا الحالية فإن الطلب على نفط "أوبك" نحو مليون برميل يوميا انخفاضا من مستوى الإنتاج الحالي في 2020". وتلقت الأسعار دعما جيدا من انخفاض مستوى المخزونات الأمريكية وتمسك تحالف المنتجين في "أوبك+" بتقييد المعروض خاصة الخفض الطوعي للصادرات النفطية السعودية وانخفاض إنتاج "أوبك" إجمالا إلى مستويات قياسية هي الأقل في 15 عاما عند نحو 29 مليون برميل يوميا. وتوقع محللون نفطيون استمرار مكاسب أسعار الخام، رغم عناصر المقاومة الخاصة بمخاوف التباطؤ الاقتصادي، لافتين إلى أن هذه المكاسب ستكون مدعومة بتوقعات متفائلة لبنوك ومؤسسات مالية منها "كومرتس بنك" الألماني الذي أكد أنه من المرجح أن يدعم الانضباط الجيد للإنتاج في "أوبك+"، إضافة إلى الطلب الجيد، صعود أسعار النفط. فى هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، سيفين شيميل مدير شركة "في جي إندستري" الألمانية، "إن مخاوف النمو ما زالت تهيمن على السوق النفطية وتكبح الأسعار التي تلقت دعما جيدا أخيرا من تراجع مستوى المخزونات الأمريكية"، لافتا إلى أن هيمنة هذه المخاوف ستظل قائمة لحين حدوث انفراجة في مفاوضات التجارة بين الولايات المتحدة والصين. وأضاف شيميل أن "تباطؤ الاقتصاد العالمي قد يقود السوق إلى حالة من فائض المعروض يتوقع أن تظهر مؤشراتها بقوة العام المقبل، لافتا إلى أن وضع أسواق النفط حتى الآن جيد ومتوازن ويستفيد من التسارع الموسمي المعتاد في الطلب، حيث يتوقع مراقبو السوق أن تضيق الفجوة بين العرض والطلب على نحو جيد خلال النصف الثاني من العام الجاري. من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، أندرو موريس مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات، أن التقلبات السعرية ما زالت تهيمن على سوق النفط الخام، وقد تلقت الأسعار دعما في الأيام الماضية بسبب حالة من الأمل في أن تقوم الولايات المتحدة والصين بخفض وتيرة الحرب التجارية، علاوة على تخفيض كبير بلغ عشرة ملايين برميل في مخزونات النفط الأمريكي خلال الأسبوع الماضي، وهو أكثر بكثير مما توقعته السوق مسبقا. وأشار موريس إلى أن الوكالة الدولية للطاقة كانت قد خفضت توقعات نمو الطلب النفطي إلى 1.1 مليون برميل يوميا في عام 2019 جراء تصاعد الحرب التجارية، لكن إحراز تقدم في مفاوضات التجارة قد يعدل كثيرا من التوقعات ويحسن معنويات السوق، حيث يأمل كثيرون فى تسارع الطلب بشكل كبير في النصف الثاني من عام 2019، وهو ما يتوقع معه أن تقوم وكالة الطاقة الدولية بتعديل نمو الطلب على أساس سنوي إلى 1.2 مليون برميل يوميا بنهاية الربع الثالث من العام الجاري. من ناحيته، يقول لـ"الاقتصــــــــاديــــة"، أولتـــراس فيفراس مدير الاستثمار في "فيكتوريا بنك" في دولة مولدوفا، "إن السوق ستتجاوز مرحلة التقلبات نحو تسجيل ارتفاعات جيدة معتمدة على توازن مستدام بين العرض والطلب"، لافتا إلى أن هذا لن يتحقق ما لم يستأنف الاقتصاد العالمي نموا أقوى ويتجاوز تداعيات النزاعات التجارية الطويلة، وهو ما تقره تقارير المنظمات الدولية وعلى رأسها "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية. وشدد فيفراس على ضرورة التركيز على تنمية الاستثمارات في القطاع النفطي والهرب من فخ الركود حتى إن تراجعت الأسعار، مشيرا إلى أن المستويات السعرية الحالية متوسطة لكنها ما زالت تناسب المستثمرين وغالبية الدول المنتجة، لافتا إلى ضرورة التنبه لعلاج إشكالية النضوب الطبيعي للحقول التي تؤثر في أمن الإمدادات ما لم تُضخ استثمارات جديدة في الصناعة. بدورها، تقول لـ"الاقتصادية"، جولميرا رازيفا كبير المحللين في المركز الاستراتيجي للطاقة في أذربيجان، "إن التخفيضات التي ينفذها تحالف المنتجين "أوبك+" نجحت في التأثير في فائض المخزونات وستؤدي إلى مزيد من الانخفاض وعودة المخزونات إلى المستويات الطبيعية المتوسطة خلال النصف الثاني من العام الجاري، خاصة أن هذه التخفيضات تتلقى دعما إضافيا من خلال تخفيضات طوعية في صادرات السعودية إلى السوق الأمريكية بشكل أساس". ونوهت رازيفا بوجود تصميم من المنتجين على دعم إعادة التوازن إلى السوق خاصة مع حفاظ "أوبك" على مستوى منخفض من الإنتاج عند 29.7 مليون برميل يوميا، بحسب إحصائيات الشهر الماضي، لافتة إلى توقع معدل أبطأ لنمو الإنتاج خارج المنظمة، حيث تقود روسيا عددا من المنتجين المستقلين لدعم التعاون المستمر مع منتجي "أوبك" من خلال تطوير إعلان التعاون المشترك.
مشاركة :