ما العلاقة بين توقف التنفس أثناء النوم والخرف؟

  • 4/24/2015
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

ظهرت دراسة حديثة في مجلة علم الأعصاب هذا الشهر (إبريل 2015) ربطت بين الشخير وتوقف التنفس اثناء النوم والخرف. وقد تناولت وسائل الإعلام العالمية نتائج هذه الدراسة باهتمام كبير. فهل هناك علاقة بين توقف التنفس أثناء النوم والقدرات العقلية والخرف؟ قبل استعراض تأثير توقف التنفس اثناء النوم على القدرات العقلية، لا بد من التعريف بمرض توقف أو انقطاع التنفس اثناء النوم. * ما توقف التنفس اثناء النوم؟ - توقف التنفس أثناء النوم مرض شائع ويزداد ظهوره عند كبار السن حيث تصل نسبة شيوعه بين كبار السن ممن تجاوزوا سن 65 سنة إلى 52% بين كبار السن من الرجال وإلى 26% بين كبيرات السن. وعند كبار السن المصابين بالشخير، يعاني 50% منهم من توقف التنفس أثناء النوم. حيث تسترخي عضلات الجسم بصفة عامة خلال النوم، ويشمل هذا الاسترخاء عضلات مجرى الهواء العلوي، وهي العضلات التي تساعد على إبقاء مجرى التنفس مفتوحًا وتسهل حركة الهواء من وإلى الرئتين. وهذا الاسترخاء لا يؤثر عادة في سعة مجرى التنفس عند معظم الناس، إلا أن فئة معينة من الناس تكون لديهم القابلية لانسداد مجرى الهواء أثناء النوم، وقد يكون هذا الانسداد كليًا أو جزئياً. ويمكن تفسير المشكلة عند هؤلاء الناس بشكل مبسط: إن مجرى الهواء العلوي ينسد بشكل متكرر أثناء النوم بصورة كاملة أو جزئية، مما يؤدي إلى انقطاع التنفس، أو التنفس بشكل غير فعّال الأمر الذي يؤدي إلى تقطع في النوم، وهذا التقطع بدوره يؤدي إلى زيادة النعاس أثناء النهار. ويعرف انسداد مجرى الهواء الكلي وانقطاع التنفس أثناء النوم، بانقطاع التنفس الانسدادي، في حين يعرف ضيق مجرى الهواء أثناء النوم الذي لا ينتج عنه انسداد كامل لمجرى الهواء بمتلازمة زيادة مقاومة مجرى الهواء العلوي. أعراض المرض: تتمثل أعراض توقف التنفس اثناء النوم في الأعراض التالية: - الشخير المرتفع - فرط النعاس أثناء النهار أو كثرة الخمول والتعب.. - التوقف عن التنفس أثناء النوم، وزيادة اللهاث أو الشعور بالاختناق (الشرقة) والاستيقاظ. - تقطع النوم - زيادة الرغبة في التبول ليلاً - التعرق خلال النوم - جفاف الفم عند الاستيقاظ - الصداع الصباحي - زيادة الحموضة خلال النوم وعند الاستيقاظ مضاعفات المرض.. وانقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم هو مشكلة طبية معروفة تحتاج إلى العناية الطبية، وإذا أهملت هذه المشكلة فإنها تؤدي إلى عدة مضاعفات، بعضها قد تهدد حياة المصاب. فقد تم تقدير أن 50 في المئة من مرضى توقف التنفس أثناء النوم يعانون من ارتفاع ضغط الدم، كما ثبت علميًا أن توقف التنفس أثناء النوم هو أحد المسببات المباشرة لزيادة ضغط الدم. ويعاني 50 إلى 60 في المئة من هؤلاء المرضى من ضعف في القلب، كما يعانون أيضًا من عدم انتظام التنفس أثناء النوم. وإذا أهمل علاج هذا الاضطراب فإنه يؤدي إلى عدم انتظام دقات القلب، والذبحة القلبية، أو الجلطة الدماغية. وثبت حديثًا أن توقف التنفس أثناء النوم يؤدي إلى مقاومة الجسم للأنسولين والإصابة بمرض السكري. *ما تأثير توقف التنفس اثناء النوم على المخ والوظائف العقلية العليا؟ - سنستعرض باختصار هنا نتائج بعض الدراسات العلمية باختصار: الدراسة الأولى: المصابون بالشخير وتوقف التنفس أثناء النوم يعانون من ضعف في وظائف المخ العليا مثل الذاكرة والتركيز وينعكس ذلك على أدائهم اليومي. وتعتبر هذه الأعراض من أهم أعراض المرض. وكان المختصون يعتقدون أن السبب هو نقص النوم وسوء جودة النوم بسبب تقطعه نتيجة لتوقف التنفس المتكرر ونقص الأكسجين. ودعم هذا التصور أن الكثير من وظائف المخ تتحسن بعد استخدام جهاز التنفس المساعد. ولكن حديثاً توصل الأطباء إلى حدوث تغيرات في المخ نتيجة لتوقف التنفس أثناء النوم والنقص المتكرر في مستوى الأكسجين في الدم. فقد أظهرت دراسة نشرت حديثاً في مجلة الجمعية الأمريكية للصدرAmerican Journal of Respiratory and Critical Care Medicine أجريت على 17 شخصاً مصابين بتوقف تنفس شديد أثناء النوم وتمت مقارنتهم بخمسة عشر شخصاً سليماً من نفس العمر. وأظهرت النتائج أن توقف التنفس أثناء النوم نتج عنه نقص مهم في قشرة المخ أو ما يعرف بالمادة الرمادية أو السنجابية وصاحب ذلك ضعف في الوظائف التنفيذية للمخ مثل القدرة على التحليل وحل المشاكل. الجيد في الأمر أن الباحثين تابعوا المرضى بعد 3 اشهر من العلاج بجهاز التنفس المساعد ووجدوا زيادة ملحوظة في المادة الرمادية للمخ وتحسن وظائف المخ التنفيذية بصورة كبيرة. تعتبر هذه الدراسة أول دراسة تثبت تأثر المخ بتوقف التنفس أثناء النوم وتدل على أن العلاج المبكر يحفظ المخ بمشيئة الله ويعيد حجمه على الحالة الطبيعية. الدراسة الثانية: نشرت في أغسطس 2011 دراسة مهمة في مجلة جاما المرموقة قام بها باحثون من جامعة سان فرانسيسكو، درسوا خلالها علاقة توقف التنفس ونقص الأكسجين اثناء النوم بخطر الإصابة بالخرف عند السيدات. وقد درس الباحثون 298 سيدة ممن تجاوزن سن 65 سنة، حيث أجريت لهن دراسات للنوم واختبارات لقياس القدرة العقلية والذهنية وقد كانت كل النتائج سليمة في بداية الدراسة. وقام الفريق البحثي بإعادة دراسات النوم بعد أربع سنوات، ومن ثم تمت إعادة جميع الاختبارات بعد خمس سنوات أخرى حيث تم فحص القدرات العقلية للمشاركات. وقد وجد الباحثون أن نسبة الخرف أو اختلال القدرات العقلية كانت حوالي 45% عند السيدات المصابات بتوقف التنفس ونقص الأكسجين أثناء النوم مقارنة ب 30% عند السيدات اللاتي لم يعانين من توقف التنفس أثناء النوم. وقد كانت نسبة تأثر القدرات العقلية أكثر بصورة كبيرة عند السيدات اللاتي يعانين من نقص الأكسجين أثناء النوم لفترات طويلة. وقد استمرت هذه العلاقة بعد السيطرة على العوامل الأخرى التي تؤثر على القدرات العقلية. حيث يبدو أن النوم الطبيعي مهم لخلايا المخ للعمل بصورة طبيعية وأن نقص الأكسجين وتوقف التنفس اثناء النوم هما من العوامل التي تزيد من احتمال إصابة كبير السن بالخرف، وأن علاج هذه المشكلة قد يؤخر من ظهور الخرف واختلال القدرات العقلية. الدراسة الثالثة: يتكون المخ من جزئين رئيسيين، المادة الرمادية (أو قشرة المخ) والمادة البيضاء التي تقع تحت قشرة المخ. المادة البيضاء مهمة لوظائف المخ حيث يعتقد أن تأثُّر ونقص هذه المادة يؤثر على الأوعية الدموية في المخ ويزيد من احتمال الإصابة بجلطات الدماغ والخرف والوفاة. دراسة نشرت في مجلة "النوم" المجلة الرسمية للأكاديمية الأمريكية لطب النوم في أبريل 2013 رصدت العلاقة بين توقف التنفس اثناء النوم والذي من علاماته الشخير وزيادة النعاس أثناء النهار، وحدوث تغيرات في المادة البيضاء في المخ. فقد درس الباحثون أكثر من 500 شخص، ورصدوا التغيرات في المادة البيضاء في المخ باستخدام الرنين المغناطيسي. وجد الباحثون أن التغيرات المَرَضيَّة في المادة البيضاء كانت أعلى عند المصابين بتوقف متوسط إلى شديد في التنفس اثناء النوم (توقف التنفس أكثر من 15 مرة بالساعة) مقارنة بالناس الطبيعيين ممن هم في عمرهم. وبعد السيطرة على العوامل الأخرى التي قد تسبب تغيرات في المادة البيضاء مثل السكري والضغط، وجد الباحثون أن توقف التنفس اثناء النوم يزيد احتمال حدوث تغيرات في المادة البيضاء بنسبة تصل إلى 200%. لذلك يعتقد الباحثون أن تشخيص وعلاج توقف التنفس أثناء النوم بصورة مبكرة قد يقلل من جلطات الدماغ والخرف. الدراسة الرابعة: دراسة جديدة ومهمة نشرت العام الماضي (ديسمبر 2014) في مجلة علم الأعصاب (Neurology)، اظهرت اهمية النوم الصحي عند كبار السن. فقد درس الباحثون 167 شخصاً معدل أعمارهم 84 سنة وقاموا بعمل دراسة للنوم لهم ومتابعهم بعد ذلك حتى الوفاة. وبعد ذلك درسوا عينات من المخ وحللوها للبحث عن نقص خلايا المخ والتغيرات الخلوية التي تحدث عند مرضى الخرف. وقد قسم الباحثون المشاركين إلى أربع مجموعات حسب المدة التي قضوها والأكسجين أقل من الطبيعي خلال النوم. ووجد الباحثون أن المرضى الذين قضوا وقتاً أطول خلال النوم والأكسجين منخفض كانت تغيرات الخرف في عينات المخ عندهم أكثر بأربعة أضعاف من الذين كان الأكسجين طبيعيا لديهم خلال النوم. وبعد ذلك قسم الباحثون المشاركين إلى أربع مجموعات حسب المدة التي قضوها في النوم العميق. ووجد الباحثون أن تغيرات الخرف في عينات المخ كانت أكبر بضعفين عند المشاركين الذين لم يصلوا إلى النوم العميق. واستمرت نفس النسب بعد السيطرة على المؤثرات الأخرى التي تؤثر على المخ مثل التدخين. الدراسة تبين أهمية علاج اضطرابات النوم التي تسبب نقص الأكسجين أو تأثر على جودة النوم. الدراسة الخامسة: وهي الدراسة الحديثة التي رصدتها وسائل الإعلام العالية وتابعت نتائجها باهتمام كبير. ففي هذه الدراسة الحديثة التي نشرت هذا الشهر (أبريل 2015)، في مجلة علم الأعصاب، درس الباحثون حوالي 2500 كبير سن تراوحت أعمارهم بين سن 55 و90 سنة. وقسم الباحثون عينة الدراسة إلى ثلاث مجموعات: (1) كبار سن يعانون من مرض الخرف (الزهايمر)، (2) كبار سن يعانون من ضعف بسيط في القدرات العقلية، (3) كبار سن لا يعانون من ضعف القدرات العقلية. ووجد الباحثون أن ضعف القدرات العقلية حدث عند المصابين بتوقف التنفس أثناء النوم في سن 77 سنة‘ فين حين بدأ ضعف القدرات العقلية عند غير المصابين بتوقف التنفس أثناء النوم في سن 90 سنة. في المقابل حدث الخرف عند المصابين بتوقف النفس أثناء النوم في سن 83 سنة، في حين ظهر الخرف عند غير المصابين بتوقف التنفس أثناء النوم في سن 88 سنة. الجيد في الأمر، أما مرضى توقف التنفس اثناء النوم الذين استخدموا جهاز التنفس المساعد (سيباب CPAP)، فبدأ ظهور ضعف القدرات العقلية عندهم بعد أكثر من 10 سنوات من ظهوره عند المرضى الذين لم يستخدموا جهاز التنفس المساعد. لذلك لا بد من تشخيص توقف التنفس اثناء النوم في مراحله الأولى وبدء العلاج المبكر لتفادي مضاعفات المرض.

مشاركة :