تجربة الإمارات في التسامح وخبرتها في الإدارة الناجحة للتعددية الثقافية والدينية واحترامها للآخر، جعلتها مؤهلة لاستضافة فعاليات، وإطلاق مبادرات تسير في الاتجاه نفسه، من أجل تقديم صورة إيجابية عن المسلمين، وتصحيح أي اختلالات تشوبها جراء دعاة التطرف. وبانطلاقة المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة من أبوظبي في 9 مايو 2018 دشنت الإمارات خطوة جديدة نحو الأقليات المسلمة في شتى بقاع الأرض، والبالغ عددها نصف مليار مسلم، والموجودة خارج بلدان منظمة التعاون الإسلامي، تأكيداً لدور الدولة في نشر التسامح وتعزيز اندماج الأقليات المسلمة في مجتمعاتها متعددة الأديان والثقافات. تبلورت الدعوة لتدشين المجلس في فبراير 2018 أثناء الإعداد لـ«المؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة» الذي انعقد بأبوظبي يومي 8 و9 مايو 2018، بمشاركة 550 شخصية دينية وفكرية وسياسية وممثلي مؤسسات إسلامية، ينتمون لأكثر من 140 دولة، آنذاك، كشف معالي الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس اللجنة العليا المنظمة للمؤتمر- رئيس المجلس حالياً- أنه انطلاقاً من الرسالة الحضارية لدولة الإمارات الهادفة إلى نشر ثقافة السلم لتحقيق الأمن المجتمعي، وترسيخ قيم العيش المشترك والاحترام المتبادل بين الشعوب، وتعزيز التسامح والحوار بين أتباع الأديان، وارتكازاً على طلبات كثير من قيادات مؤسسات الأقليات المسلمة، أعلنت اللجنة العليا المنظمة للمؤتمر إطلاق «المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة»، كمؤسسة تعزز دور الأقليات المسلمة، من خلال أكثر من 620 منظمة إسلامية بالخارج. ولدى المجلس رؤية محورها تفعيل الدور الحضاري للمجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية لتعزيز المواطنة والتعددية الثقافية، ويحمل رسالة عنوانها الشراكة مع الآخر. البشاري: تحقيق الاندماج الإيجابي أكد الدكتور محمد البشاري، أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، أن المجلس منذ انطلاقته الأولى في مايو 2018 بأبوظبي عمل على ري بذور التسامح والوئام في المجتمعات المسلمة في أنحاء العالم، ليشكل أداة مهمة للتواصل، تدعم التعايش والتكاتف في المجتمعات، وتحقق أمنها واستقرارها من خلال أبنائها، من خلال تعزيز قيم المواطنة، بالتوازي مع الدفع بأهمية تفعيل الدور الحضاري لهم داخل بلدانهم، إذ عقد المجلس عدداً من المؤتمرات الإقليمية واجتماعات للخبراء وندوات دولية وحلقات دراسية تهدف جميعها إلى رصد قضايا المجتمعات المسلمة وتعزيز حقوقها المدنية والسياسية، وتصحيح الصور النمطية عن الإسلام. كما وجه المجلس رسائل ناضجة قوية بمثابة شعاع وصوت عربي مسلم حقيقي للتوعية والتنبيه بضرورة احتضان الاختلافات والتصدي بجرأة للصور النمطية التي أُلصقت زوراً برسالة الإسلام السمحة. فكانت للوثائق والإعلانات والبيانات من خطط دراسية ورؤى استراتيجية في تحصين أبناء المجتمعات المسلمة من تيارات العنف والتطرّف وبإلغاء الآخر المخالف دينياً أو مذهبياً أهمية بمكان في وضع خريطة طريق تضيء للمؤسسات الإسلامية نهجها نحو التكامل المعرفي والمثاقفة الداعمة للإدارة والاختلاف، إدارة حضارية مميزة مكنتها من تحقيق الهدف المنشود. وقال البشاري إن لدى المجلس هدف مرجو في تحقيق الاندماج الإيجابي للمجتمعات المسلمة في دولها، وتمكينها من تحقيق المواطنة التامة وتمثيل الإسلام بوجهه السمح، وليكون للمسلمين مساهمة حقيقية في بناء أوطانهم، ودور إيجابي في صناعة مستقبل مشرق لأبنائهم، وهذا ما يسعى المجلس بتحويله من خلال استراتيجيته الرصينة لواقع يعيشه المسلمون في بلدانهم، تملؤه قيم العطاء والانتماء والوئام والمحبة والتسامح. نصف مليار مسلم وثقافات متعددة ويعرف المجلس دوره بأنه يأتي انطلاقاً من حقيقة تتمثل في وجود ما يزيد على نصف مليار مسلم يعيشون في حالة أقلية دينية وبشرية في بلدان متعددة الثقافات والأديان والأعراق، وفي ظل تحديات متزايدة أمام المجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية، من بينها نمو التطورات الجيوسياسية، كانتشار الحروب أو الأزمات السياسية، أو التحديات الفكرية من تغلغل لتيارات الغلو والتطرف، أو من تصدي المشهد السياسي من طرف أحزاب العنصرية والكراهية للآخر، برزت الحاجة المتزايدة لوضع آليات نشر ثقافة الاعتزاز بالانتماء للوطن، وتفعيل قيم العقد الاجتماعي التي تحقق دمج تلك المجتمعات في محيطها وتحصينها فكرياً وروحياً وحمايتها من التمييز العنصري، أو التطهير العرقي. ويتبنى المجلس رؤية واضحة تقوم على تفعيل الدور الحضاري للمجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية، من أجل تعزيز قيم المواطنة والتعددية الثقافية، ضمن رسالة جوهرية عنوانها الشراكة مع الآخر من أجل سلامة الأوطان وأمنها. 10 أهداف يتبنى المجلس منذ تدشينه أهدافاً واضحة تتمثل في 10 بنود: تعزيز التنسيق بين المؤسسات الناشطة في المجتمعات المسلمة بالدول غير الإسلامية وتبادل الخبرات في ما بينها، والعمل على تعزيز قيم الاعتدال والحوار والتسامح والانتماء للوطن ونشرها، ونبذ التعصب الديني والكراهية للآخر، والتأكيد على تعزيز الحقوق المدنية والسياسية للمجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية، وتأصيل خطاب ديني يساعد على تمكين المجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية من التوفيق بين مقتضيات الانتساب للدين ومقضيات الانتماء للوطن. وتتضمن الأهداف أيضاً: تحصين المجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية من خطر الجماعات الدينية المتشددة ومواقعها الإلكترونية، وتفعيل الآليات الأكاديمية والمهنية والقانونية والحقوقية لتصحيح الصور النمطية عن الإسلام والمجتمعات المسلمة في الإعلام. وتأهيل الأسر والنساء والشباب والأطفال في مجال التربية على المواطنة والاعتزاز بهويتهم الوطنية والثقافية والدينية والمساهمة في تنمية مجتمعاتهم، وتسليط الضوء على نجاحات أبناء المجتمعات المسلمة حول العالم، ونشر النماذج التي تعزز الممارسات الإيجابية والمساهمة الحضارية لأفرادها عبر التفاعل المنفتح مع بقية مكونات مجتمعاتها، وإعداد القيادات في المجتمعات المسلمة بالدول غير الإسلامية، من خلال برامج لتطوير كفاءات بشرية وقيادات بمختلف المؤسسات. «اتحاد البرازيل»: محاربة الفكر المتطرف بقيم التعايش أكد الصادق العثماني، مدير الشؤون الإسلامية باتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل، أنه حرص على المشاركة في مؤتمر تأسيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة في أبوظبي، نظراً لدور الإمارات في نشر السلم والسلام والتعايش، ليعزز «مجلس المجتمعات المسلمة» دور المجتمعات المسلمة واندماجها في مجتمعاتها، وتسهيل القضاء على فكر التكفير والإرهاب الذي أصبح يستهدف أبناء التجمعات المسلمة في الغرب. ويقول العثماني: «تضم مؤسستنا في البرازيل أكثر من 40 جمعية ومركزاً إسلامياً، وتعاوننا مع المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة جاء أولاً، لأهدافه النبيلة المتمثلة في خدمة التجمعات المسلمة ومحاربة أفكار الغلو والتطرف، مع نشر السلم والسلام والمحبة بينها من جهة، ومن جهة أخرى الاستفادة من تجارب ومبادرات الإمارات في تعزيز التسامح والتعايش السلمي، مع الأخذ في الاعتبار أنها خصصت 2019 عام التسامح، كما أنها تطبق هذا المفهوم على أرض الواقع. واليوم الإمارات بما تحظى به من مكانة دولية تجني ثمار جهود ممتدة عبر عقود من الزمن في العمل على نشر السلام والتسامح والوئام بين شعوب العالم والأديان». وأشار العثماني إلى أن اتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل منذ بداية تأسيس «المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة» أدرك أهمية هذه الخطوة، الإمارات أصبحت اليوم هي بيت التسامح المفتوح للإنسانية، فمنها انطلقت في الآونة الأخيرة مبادرات عدة تدعم حوار الحضارات، وتعزز السلم المرتكز على الأخوة الإنسانية، مثل «وثيقة الأخوة الإنسانية» التي يعمل «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة» على الانتقال بها إلى مستوى «ميثاق التآخي الإنساني»، بمشاركة ممثلي الأديان الإبراهيمية في العالم. كتب عن الإسلام لطلاب إستونيا استقبلت الجمعية الإسلامية الإستونية (عضو المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة)، خلال احتفالها بذكرى مرور 90 سنة على تأسيسها رؤساء الكنائس والحاخام في إستونيا، كما زار مفتي إستونيا ومفتي ليتوانيا ومساعد مفتي بولندا أقدم وأكبر كنيسة في تالين عاصمة إستونيا. وقالت «ليا محموتوفا»، رئيسة اتحاد المرأة المسلمة لدول البلطيق، وعضو مجلس إدارة الجمعية الإسلامية الإستونية، إن اللقاءات التي تجمع القيادات الدينية بأطيافها كافة، تركز على نشر قيم التسامح، وبحث قضايا مشتركة كالحفاظ على الأسرة، وحماية الشباب من السلوكيات الخاطئة، كما أن هناك تنسيقاً بين القيادات المسلمة واليهودية لتوفير اللحوم الحلال المذبوحة حسب شريعة الديانتين. وأكدت أن المركز الإسلامي في إستونيا أسهم بشكل فعال في نشر مبادئ الإسلام السمحة، من خلال زيارات طلاب الجامعات للمركز للتعرف على الصورة الصحيحة للإسلام بعيداً عن الدعايات المتطرفة، وتعزز هذه الزيارات القواسم المشتركة التي تجمع الديانات كافة، ليسود الأمن والازدهار والرقي في البلاد. وأضافت أن مسلمي إستونيا يحرصون على زيارة الكنائس والمعابد، كما يزور أتباع الديانات الأخرى المركز الإسلامي، وسط أجواء من التسامح يتميز بها المجتمع الإستوني، ويحرص المركز بالتعاون مع الجامعات والمدارس على توزيع كتب باللغة الإستونية لضمان تقديم معلومات عن الإسلام من مصادر صحيحة. 2000 طالب مسيحي في جامعة مشيخة صربيا ويقول الدكتور أنور عميرفويتش، رئيس الأئمة، ومستشار مفتي صربيا، إن المشيخة الإسلامية في صربيا، لعبت دوراً مهماً في حماية الهوية الإسلامية والثقافية والحضارية للمسلمين، والمهمة الأساسية للمشيخة هي العمل لمصلحة المسلمين وتنظيم التعليم الديني، ورفع المستوى الثقافي للمسلمين. ولفت إلى أن المشيخة تشرف على عدد كبير من رياض الأطفال، والمدرسة الثانوية الإسلامية، ذكوراً وإناثاً، ومدرسة لتحفيظ القرآن الكريم، وكلية للدراسات الإسلامية، وكذلك تشرف على الجامعة العالمية في منطقة «نوفي بازار»، وللمشيخة قناة تلفزيونية وإذاعة ومركز للأعمال الخيرية، وتشرف المشيخة على 250 مسجداً، ما يدل على أهمية دورها. وتساهم المشيخة في نشر التسامح وثقافة التعايش في صربيا، والدليل على اندماج المسلمين والتعايش بين المسلمين وغيرها يكمن في تدشين الجامعة الإسلامية التي تضم 4 آلاف طالب وطالبة، نصفهم من المسيحيين، ما جعلها نموذجاً للتسامح. ويشكر عميرفوتش دولة الإمارات العربية المتحدة على دورها الكبير والمشهود في العالم، وسعيها إلى نشر الوسطية والاعتدال، سائلاً الله عز وجل أن يحفظ الإمارات حكومة وشعباً. «وثيقة الأخوة» في «أسبوع الوئام» تؤكد الدكتورة فوزية العشماوي، رئيسة «منتدى المرأة الأوروبية المسلمة»، ومقره جنيف، أن المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة الذي يحظى المنتدى بعضويته، يهتم بقضايا المسلمين في المجتمعات غير الإسلامية والتعريف بمبادئ الإسلام الوسطي السمح وتصحيح الصورة المشوهة عن المرأة المسلمة والتعريف بحقوق الإنسان في الإسلام. وقالت: «لنا تجربة ممتازة في الأمم المتحدة في جنيف خلال أسبوع الوئام بين الديانات الذي انعقد في الأسبوع الأول من فبراير الماضي بمشاركة أمين عام المجلس الدكتور محمد البشاري الذي عرض خلاله وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك التي صدرت عن البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ولاقت استحسان وتأييد الوفود المشاركة في هذا المؤتمر، حيث ألقيتُ كلمة تمحورت حول أهمية دور المرأة المسلمة في التعريف بتربية السلام للطفل المسلم للتعايش في سلام داخل المجتمعات غير المسلمة».
مشاركة :