العنصر البشري لا يتطلب الاستثمار فيه فقط الأخذ بعين الاعتبار التدريب والتطوير المستمرين بل في تمكينهم ومنحهم درجة من الاستقلالية والتسيير والتقييم الذاتيين. حينها سيرتفع الولاء لأهداف المنظمة لدى أفرادها لإحساسهم بقيمة ما يقدمونه لها. ، ، ، لا يجهل أي من الرواد والباحثين والدارسين عصر فريدريك تايلور وتأثيره الكبير الذي أحدث تغييراً سجلته دفاتر المؤرخين في طريقة الأداء الوظيفي أو ما يعرف بالإدارة العلمية، رغم ما تلقته النظرية من انتقادات وتحديات جعلتها خارج ساحة التطبيق آنذاك، لتحل محلها نظريات أبدت اهتماماً أكبر بالجانب الإنساني للعاملين وتضمحل معها شيئاً فشيئاً فكرة تحديد طريقة العمل بحركات مدروسة وموحدة بين الجميع مع نسف الفروق الفردية. كانت اللبنة الرئيسية في نقد نظرية تايلور أن المبدأ الميكانيكي في التعامل مع العامل البشري مهدم وطاحن للدافعية وأن العلاقات الإنسانية هي القلب النابض في العلاقة بين أصحاب العمل والعاملين. فبعد ثورة العلاقات الإنسانية تجسد واقع جديد لمنظمات العمل وتواترت وبأعداد غير متوقعة الأبحاث والدراسات في هذا المجال لترفع شأن العنصر البشري في المنظمات على اختلاف أنشطتها وصولاً للتمكين والكيزنة. ربما ليس هذا التفاؤل مجسداً للواقع المعاش في منظمات العمل العربية على الأغلب، فيبدوا أن لعنة عصر فريدريك تايلور لا زالت تطرح نفسها بقوة. حيث لا يزال المدير يلقب بـ Boss، لا زال وجه المقارنة بين العامل وزميله يحسب بكم الإنجاز وليس الجودة والكيف، لا زال يضرب المثل بعامل وجد غايته في طريقة أداء معينة ليست بالضرورة تتناسب مع البقية، لا زالت الكاريزما القيادية تصب في معادلة بناء حواجز بين القائد والعامل وزرع الهيبة في نفوس التابعين حين يهرع كل منهم لمقعدة كلما سُمعت وطأة قدميه مترجلاً ناحية مكتبه الذي توصد أبوابه أغلب الوقت في وجه الاقتراحات ومبادرات التغيير، حيث طريقة وجهة النظر الواحدة هي الطاغية على الأغلب وإن فُتح مجال التغيير فهو في هوامش الخطة التنظيمية وليس الصلب الممنوع الاقتراب منه إلا لحاملي بطاقة رئيس أو قائد. يبدو للمتأمل لهذا الواقع أن الزمن لم يتحرك وبرك كالبعير المرهقة بعد رحلة طويلة الأمد في صحراء قاحلة، أو أنها عقلية فرضت نفسها بقوة حين تمسك أصحاب مؤسسات العمل وتفردوا بصنع القرار واكتفوا بتسمية العناصر البشرية المنتمية لنفس التنظيم بمسمى وظيفي يحده دور متوقع بطريقة مألوفة محددة يعملون بدوام ساعي مساوٍ لراتب شهري هو أقصى ما يُنتظر من الانتماء للمؤسسة. كل ما قيل ويمكن أن يقال في الموضوع يسري بردة الفعل في اتجاه واحد: النظر إلى العنصر البشري كعنصر استثماري بالدرجة الأولى حيث لا تحقق المنظمات أهدافها التي أُنشئت من أجلها إلا بإعطائه الأولوية والأهمية القصوى، فالعنصر البشري لا يتطلب الاستثمار فيه فقط الأخذ بعين الاعتبار التدريب والتطوير المستمرين بل في تمكينهم ومنحهم درجة من الاستقلالية والتسيير والتقييم الذاتيين. حينها سيرتفع الولاء لأهداف المنظمة لدى أفرادها لإحساسهم بقيمة ما يقدمونه لها.
مشاركة :