يحتفل المسلمون اليوم السبت، ببداية العام الهجري الجديد - السنة الهجرية الجديدة -، وتمثل الهجرة النبوية الشريفة حدثًا تاريخيًا فارقًا في تاريخ الإسلام.الهجرة النبوية كانت البداية لوضع حجر الأساس لدولة الإسلام التي ترسخ مبادئ الوسطية والتسامح وسيادة القانون والارتقاء بالمعاني الإنسانية والقيم الروحية، ووضعت الإنسان في مقدمة الاهتمامات.الهجرة النبويةنقف على أعتاب السنة الهجرية الجديدة، حيث يحتفل المسلمون بغرة شهر محرم وبداية السنة الهجرية الجديدة، ويظن البعض خطأ أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هاجر في شهر محرم ولكن الصحيح أن الهجرة النبوية كانت في شهر ربيع الأول ولم تكن في شهر محرم.الهجرة النبوية في ربيع الأولالمصريون يحتفلون في شهر محرم ببداية التقويم الهجري الجديد، ويضمون اسم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الاحتفالات بقولهم «الهجرة النبوية» تعظيمًا له لأنه عليه -الصلاة والسلام- هو من قام بالهجرة.وهناك تأخير فى تاريخ الهجرة النبوية مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ إِلَى الْمُحَرَّمِ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ كَانَ فِي الْمُحَرَّمِ؛ إِذِ الْبَيْعَةُ وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ ذِي الْحِجَّةِ وَهِيَ مُقَدِّمَةُ الْهِجْرَةِ، فَكَانَ أَوَّلُ هِلَالٍ اسْتَهَلَّ بَعْدَ الْبَيْعَةِ وَالْعَزْمِ عَلَى الْهِجْرَةِ هِلَالُ الْمُحَرَّمِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُجْعَلَ مُبْتَدَأً. وَهَذَا أَقْوَى مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ مِنْ مُنَاسَبَةِ الِابْتِدَاءِ بِالْمُحَرَّمِ]، كما قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري".التاريخ الهجريأول من أرخ التاريخ الهجري سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وجعل هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة في 12 ربيع الأول، مرجعًا لأول سنة فيه، وهذا هو سبب تسميته التقويم الهجري.التقويم الهجري مركز أساسًا على الميقات القمري الذي أمر الله تعالى في القرآن باتباعه، كما قال تعالى «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ»، سورة التوبة: 36.الأشهر الحرم في التاريخ الهجريالأشهر الأربعة الحرم هي أشهر قمرية «رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم»، ولأن الله تعالى نعتها بالدين القيم فقد حرص أئمة المسلمين منذ بداية الأمة أن لا يعملوا إلا به، رغم أن التقويم أنشئ في عهد المسلمين إلاّ أن أسماء الأشهر والتقويم القمري كان تستخدم منذ أيام الجاهلية، أول يوم هذا التقويم الجمعة 1 محرم سنة 1ه.الهجرة النبويةوجود اليمامة التي تبيض وخيوط العنكبوت أمام غار ثور الذي اختبأ فيه سيدنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر الصديق –رضى الله عنه- عندما هاجرًا من مكة إلى المدينة تعد من الروايات التي لا سند على صحتها فى الهجرة النبوية.هذه الرواية ظهرت مع الإمام الحلبى فى كتابه «إنسان العيون فى سيرة الأمين المأمون»، ولا نجد لها سندًا فى وقتنا الحالى،ا أن هذه الرواية من الممكن أنها كان لها سند فى الماضى ولكنه ضاع الآن.الحكمة من الهجرة النبوية إلى المدينةالحكمة من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وخروجه من مكة إلى المدينة، أنه كان في وسع الله وهو على كل شيء قدير، أن ينقل النبي -صلى الله عليه وسلم- في الهجرة النبوية كما نقله في ليلة الإسراء والمعراج، ولكن لله حكمة في ذلك، وهي أن يكون أتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الرواد والمصلحين والدعاة والعلماء على سُنته ومنواله في بذل أقصى ما في الوسع الإنساني، من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل...ليبذلوا ما شاء الله من معاناة وتحمل فى نُصرة هذا الدين، وليتعلم الأجيال عبر عصور الحياة وإلى أن يرث الأرض ومن عليها، أن المصلحين والدعاة والعلماء يجب عليهم أن يبذلوا أقصى ما في وسعهم خدمة لهذا الدين، فشاء الله سبحانه وتعالى أن تكون الهجرة النبوية على هذا النحو المحفوف بالمخاطر المهولة.الهجرة النبوية ودروس وعبرالهجرة النبوية حولت المجتمع الفاضل إلى واقع، وتطبيق منهج الرحلة النبوية في حياتنا من شأنه بناء مجتمع فاضل، والاستفادة من الهجرة النبوية في وقتنا الحاضر تتمثل في أخذ الدروس والعبر، التي كان عليها الرسول -صلى الله عليه وسلم- واستدعائها مرة أخرى، ويجب علينا ألا نجعل الاستفادة من الهجرة النبوية بالكلمات والإشادة بالعبارات فقط.وعلى المسلمين أن يطبقوا منهج الرحلة النبوية فى حياتهم لبناء مجتمع فاضل ودولة قوية تتقدم على غيرها من الدول، وأنه لابد من التخلص من الأمراض الاجتماعية خاصة الأخلاقية، التي تدنت فى الفترة الأخيرة، وينبغي التحلي بالمبادئ العظيمة التي أقرتها الهجرة النبوية من الأخوة والمساواة التي جاءت بها السنة الشريفة.وعلينا اتخاذ الهجرة النبوية خطة ومنهجًا لسلوكنا بانتمائنا لوطننا لأن حب الوطن هو نصرة لدين الله فى الأرض، وأنه ينبغي علينا أن نجعل نصرة الوطن واقعًا حيًا فى حياتنا وهذا يعد أبلغ درس وعظة من هجرة النبى -صلى الله عليه وسلم-.الهجرة النبوية دروس وعبرتتضمن الهجرة النبوية الكثير من الدروس والعبر، التي يمكن الاستفادة منها فى وقتنا الحالى، وحب المسلمين للإسلام، وتفانيهم فى سبيل دينهم هو أحد الدروس المستفادة من الهجرة النبوية الشريفة، و«صهيب الرومى»، هو أحد الصحابة الذين تركوا مالهم، وتنازل عنه بالكامل لقريش حتى يخلوا سبيله للهجرة إلى المدينة.وأهم ما يستفاد من الهجرة النبوية أيضًا هو إيثار النبي -صلى الله عليه وسلم- الناس على نفسه، فلما أراد -صلى الله عليه وسلم- أن يحلب شاة أم معبد الخزاعية أعطاها الإناء أولًا لتشرب ثم أعطاه لأبى بكر ثم أعطاه لعبد الله بن أريقط ثم شرب النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك، وأن «أم معبد» و«عبد الله بن أريقط» كانا كافرين، ورغم ذلك فقد آثرهما النبى على نفسه.الهجرة النبوية دروس وعبرالهجرة النبوية كان لها دور عظيم في بناء المجتمع المسلم على القيم الفاضلة، والمثُل العليا، وأنَّ هذه الذكرى العطرة تدعونا جميعًا إلى تقوية الصلة بالله والتضحية والإيثار من أجل تحقيق الهدف.النبي -صلى الله عليه وسلم- ضرب أروع الأمثلة في التعايش مع أصحاب الديانات الأخرى في الهجرة النبوية، كما ورد في قول الله تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» (سورة الممتحنة: 8).ومن دروس الهجرة النبوية أنه يجب تقوية روابط الأخوة في الأوطان، ومواجهة التحديات المعاصرة، والاستفادة من العلم وزيادة الإنتاج، والتعاون ونشر التسامح والسلام بين النَّاس، وسد حاجة الفقراء كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَان وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ».
مشاركة :