تقبّل الشارع الرياضي خبر تعيين منذر الكبيّر مديرا فنّيا للمنتخب التونسي بامتعاض كبير فيه من الحنق الشيء الكثير على رئيس اتحاد كرة القدم وديع الجريء الذي بدا قراره “أحاديا” وفق بعض الملاحظين، بينما رأى محللون أن السيرة الذاتية لهذا المدرب وتجربته في عالم التدريب لا تشفعان له بأن يكون على رأس الإدارة الفنية لنسور قرطاج، فيما ذهب شق ثالث إلى أطروحة مغايرة تماما ودافع عن فكرة مفادها أنه لا بد من إعطاء فرصة لبعض الفنيين التونسيين لإثبات قدرتهم على التألق والبروز مع المنتخب. واستقر الاتحاد التونسي لكرة القدم على تعيين التونسي منذر الكبيّر مديرا فنّيا جديدا لنسور قرطاج لمدة ثلاث سنوات بعدما فسخ تعاقده مع الفرنسي آلان جيريس بالتراضي مؤخرا. وأورد الاتحاد في بيان على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك الثلاثاء “قرر المكتب الجامعي التعاقد مع السيد منذر الكبيِّر ليكون ناخبا وطنيا لصنف الأكابر (مدربا للمنتخب الأول) لمدة 3 سنوات”، أي حتى العام 2022 الذي يشهد إقامة النسخة المقبلة من نهائيات كأس العالم في قطر. وتم تقديم المدرب الجديد الخميس خلال مؤتمر صحافي عقده بالمناسبة للكشف عن الجهاز المعاون له والمكون من عادل السليمي مساعدا أول، كما قرر الاتحاد التونسي تغيير مدرب الحراس حمدي القصراوي الذي تعرض لانتقادات كبيرة خلال بطولة أمم أفريقيا التي أقيمت مؤخرا في مصر، وحل مكانه عادل زويتة مدربا لحراس مرمى منتخب تونس علما وأنه تولى هذا المنصب من قبل. مدرب على المقاس بالعودة إلى السيرة الذاتية للناخب الوطني الجديد يقف الكثيرون على حقيقة مفادها تواضع مسيرة هذا المدرب مع جميع الفرق التي قادها بعد دخوله عالم التدريب في نهاية التسعينات من القرن الماضي. وربما ما يشفع للكبيّر، وفق بعض الملاحظين، في وقت ما بعد توليه الإشراف على تدريب فرق كبرى على غرار النجم الساحلي أو الترجي الرياضي أو النادي الأفريقي هو أخلاقه العالية والانضباط الظاهر الذي يتحلى به الرجل، وما عدى ذلك فإن الحظ لم يطرق بابه للبروز والتألق مع الأندية التي قادها أو للتتويج محليا أو قاريا. فيما يقول منتقدون للكبيّر إن الأخلاق والرزانة والرتابة الأخلاقية خصال ينتزعها المدرب ويتركها وراءه فور ولوجه عالم التدريب وخصوصا إذا تعلّق الأمر بالمنتخب الوطني. من هنا يأتي الكشف عن سيرة هذا المدرب كأمر ملحّ بالنسبة للبعض للتعرف أكثر على هويته وتاريخه مع عالم التدريب. عُرف منذر الكبيّر (49 عاما) كلاعب بارز في النادي البنزرتي وشغل خصوصا مركز المدافع قبل أن يقتحم ميدان التدريب في نهاية التسعينات، وتحديدا في عام 1998 عندما ارتبط اسمه بأول تجربة للإشراف على حظوظ جمعية جربة، وفي العام 2004 أصبح مدربا لمستقبل القصرين. منتقدون يوجهون سهامهم إلى رئيس الاتحاد التونسي، معتبرين أنه من يقف وراء حالة عدم الاستقرار الفني التي يعيشها المنتخب مهّدت هذه التجربة المتواضعة للكبيّر الطريق للارتقاء قليلا في سلم التدريب ليبتسم له الحظ عندما اختير في أول تجربة بالرابطة المحترفة الأولى وكانت مع النجم الساحلي في العام 2010، حيث بقي إلى 2013 كمدرب ومدير فني لمركز التكوين. وفي 2013 أشرف الكبيّر على النادي البنزرتي وقاده إلى التتويج بكأس تونس قبل أن يخوض في 2014 تجربة مع النادي الأفريقي ولم تعمّر طويلا لسوء النتائج. بعدها عيّن مدربا لمستقبل المرسى لمدة موسمين، وفي 2018 تعاقد مع الترجي التونسي وأشرف في يناير 2018 على الفريق الأول، لكن التجربة لم تدم طويلا ليعود إلى الخطة الأولى التي جاء من أجلها لفريق باب سويقة كمدير فني لفئة الشباب، حيث استمر في منصبه لموسمين قبل أن يقرر إنهاء التجربة في يوليو الماضي. ملخّص التجربة التي مرّ بها هذا المدير الفني يكشف تواضع سجله الفني مع عالم التدريب والمراحل التي مر بها بين أندية يمكن عدّها على الأصابع، لكن بالموازاة مع ذلك فإن ما يميّز هذا الرجل عن غيره، أن تجربته مع أكثر من ناد تونسي ارتبطت بشغل خطة مدير فني للإشراف على مراكز تكوين الشباب، أي العمل القاعدي. وهنا يتساءل محللون هل قرأ الاتحاد التونسي جيّدا السيرة الذاتية لهذا المدرب كما يتحجّج بذلك رئيسه وديع الجريء في كل مناسبة يسأل فيها عن مدى آهلية هذا أو ذاك بتولي خطة ما في المنتخب الوطني؟ الإجابة تفرض نفسها في هكذا مواقف لدى بعض الآراء لخبراء في عالم التدريب ومهتمين بالمنتخب التونسي، وهي أن قرار التعيين بدا مدروسا بعناية ومخططا له جيّدا من رئيس الاتحاد الذي اعتاد التفرّد بمواقفه في كل مرة يتم فيها الكشف عن مدير فني جديد للمنتخب. قرار مدروس يبدو هذا القرار مدروسا جيّدا من اتحاد كرة القدم بالنظر إلى المسيرة التي يحملها المدرب الوطني الجديد وتجربته المتواضعة كمدير فني لبعض الأندية التونسية في فترات سابقة، لكنه عكس تململا كبيرا داخل الشارع الرياضي التونسي الذي كان يمنّي النفس بالتعاقد مع مدرب سبق له قيادة المنتخب على غرار نبيل معلول أو فوزي البنزرتي أو خالد بن يحيى أو سامي الطرابلسي أو أيّ من المدربين الذين يفوقون الكبيّر من حيث الإنجازات وقيادة فرق كبرى محليا وعربيا، خصوصا وأن تونس تزخر بمواهب كبيرة على غرار قيس اليعقوبي أو لسعد الدريدي أو شهاب الليلي. وتباينت رؤية المحللين حول طريقة اختيار المدير الفني الجديد لنسور قرطاج من قبل الاتحاد التونسي ورأى البعض أن رئيسه يريد مدرّبا على مقاسه، يمكن “التحكّم” فيه ولا يرفض طلبات رئيس الجامعة. فيما رأى آخرون أن الكبيّر يجسد “الوصاية” التي يفرضها الجريء على المنتخب والتحكم في تسييره وفي كل كبيرة وصغيرة تهمّه. وخلافا لما يتم في بعض اتحادات الدول العربية مثل المغرب أو الجزائر أو مصر أو في بلدان الشرق الأوسط على غرار السعودية أو الإمارات، حيث تخصّص هذه الاتحادات لجانا مكلفة بمهمة اختيار المدرب الجديد، فإن ما يدور في كواليس الاتحاد التونسي وصفه ملاحظون بالقرار الأحادي والذي عادة ما يشفع بإمضاء رئيسه على اسم هذا المدرب أو ذاك والذي يرى أنه يخدم مشروعه على المدى البعيد على رأس الاتحاد. ويبني المعترضون على كيفية اختيار المديرين الفنيين للمنتخب التونسي آراءهم بالاستناد إلى الحصيلة اللافتة التي سجلتها تونس في هذا المسار عبر ثماني سنوات، حيث يعتبر الكبيّر تاسع مدرب يتأهب لتولي المهمّة الفنية لنسور قرطاج. ويعكس هذا العدد حالة من عدم استقرار الفريق وتذبذبا في أداء المجموعة وهو ما أظهرته بطولة أمم أفريقيا 2019 الأخيرة بمصر، حيث مثلت هذه المسابقة الأفريقية التي يفترض أن يكون الاستعداد إليها على أعلى مستوى، فرصة للمدرب الفرنسي المقال آلان جيريس للتعرّف على الفريق وصبر أغواره من الداخل (مراكز اللاعبين وغيرها من الهنات التي اكشفها الملاحظون تباعا). من هنا يأتي الحنق على رئيس الاتحاد الجريء الذي بدا أنه يواصل سياسة التفرّد بالرأي ولا يهمّه رأي المنتقدين له والمعترضين على سياسته ومن بينهم نادر داود الذي اعترض على أن يكون مساعدا لنبيل معلول، وقبله كان قرار التضحية بفوزي البنزرتي على حساب بعض الوجوه المقرّبة منه قد أثار الشكوك حول تماديه في سياسة الكيل بمكيالين التي ينتهجها. وتفاعل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مع تعيين الكبيّر على رأس المنتخب وتباينت آراء المعلقين حوله بين مرحّب ورافض. ويرى مناصرون لتعيين الكبيّر أنه يجب إعطاء الفرصة للمدرب التونسي لإثبات وجوده، مرتكزين في رؤيتهم على تجارب مماثلة على غرار النجاح اللافت الذي حققه الجزائري جمال بلماضي مع المنتخب الجزائري. لكنّهم يؤكدون على أهمية التحرّي جيّدا في اختيار العناصر المعاونة له داخل الجهاز الفني، والتي يتوجب أن تكون في قيمته أو أكثر بما يخدم مصلحة المنتخب في حال تعثر أداء الكبير لا قدّر الله. تجربة متواضعة فيما ركز شقّ ثان على التجربة المتواضعة لهذا المدرب مع بعض الأندية التونسية، داعمين حججهم بأن الكبيّر لا يمتلك شخصية قوية لقيادة المنتخب التونسي في هذه المرحلة بالذات خصوصا أنه تنتظره عدة مسابقات هامة بينها تصفيات أمم أفريقيا بالكاميرون 2021 وكأس العالم بقطر 2022. وقال متفاعل بطريقة ساخرة “تونس فريق كبير يلزمها ممرن كبير هو منذر الكبيّر.. يا تونس محلاك”، فيما علق آخر بالقول “من ما زال لم يأت دوره لتدريب المنتخب.. الجريء أتى بهم جميعا لتدريب المنتخب في فترته وكل مدرب يحمّله مسؤولية الفشل ويتناسى أن فشل المنتخب كان بسببه هو وجماعته.. 6 مدربين في عهده كلهم فاشلون وهو الوحيد الناجح!”. ويوجه منتقدون سهامهم إلى رئيس الاتحاد التونسي وديع الجريء، معتبرين أنه من يقف وراء حالة عدم الاستقرار الفني التي يعيشها المنتخب التونسي. وعلى امتداد ثمانية أعوام (2011-2019) تعاقد الاتحاد التونسي مع تسعة مدربين إلى حد الآن، فقد استلم سامي الطرابلسي مهامه على رأس الإدارة الفنية للمنتخب في الفترة بين 10 مارس 2011 إلى غاية 6 فبراير 2013، ثم خلفه نبيل معلول بين 14 فبراير 2013 و8 سبتمبر 2013، ليستقر الأمر بعد ذلك على الهولندي رود كرول في الفترة بين 17 سبتمبر 2013 إلى غاية 17 نوفمبر 2013، ليترك مكانه للبلجيكي جورج ليكنز في الفترة بين 1 أبريل 2014 و27 يونيو 2015. وخلال بطولة أمم أفريقيا عام 2017 كان البولندي هنري كاسبارجاك هو مدرب نسور قرطاج قبل أن تتم إقالته ليحل محله التونسي نبيل معلول وبعدها قدم مواطنه فوزي البنزرتي الذي بقي لفترة قصيرة قبل أن يغادر بدوره بقرار مفاجئ من اتحاد الكرة. وإثر فترة انتقالية أشرف خلال الثنائي التونسي مراد العقبي وماهر الكنزاري على تدريب منتخب تونس، وقع التعاقد مع الفرنسي ألان جيريس الذي أمضى قرابة تسعة أشهر قبل أن يتم الاستغناء عن خدماته بفسخ التعاقد معه بالتراضي. وبنظرة بسيطة إلى الفترة بين 2011 و2013، أي في ظرف عامين، تعاقد الاتحاد التونسي مع ثلاثة مدربين، تونسيان وأجنبي، مما يعكس العديد من المؤشرات السلبية التي تكشف بوضوح الارتباك وضعف التخطيط وحالة عدم الاستقرار التي أضحت عنصرا ضاغطا ضد كل نفس يروم النهوض بواقع كرة القدم وخصوصا بعناصر النخبة الوطنية. وفي الحقيقة، فإن التغيير المتواصل للمدربين وفق رؤية بعض المحللين لا يعدو أن يكون سوى حلقة من حلقات مشروع الإصلاح الذي أثبت عدم فاعليته في فترة رئاسة الجريء، خصوصا على مستوى الإدارة الفنية للمنتخب. وكُشفت هذه المسألة بأكثر وضوحا في نهائيات أمم أفريقيا الأخيرة بمصر، وتعرض الكثير من المحللين بالنقد لما اعتبر “كارثة المدرب الوطني”، حيث انهالت الانتقادات الموجهة لرئيس الاتحاد على اختياره لجيريس الذي لم يكن في مستوى تطلعات الشارع الرياضي ولاح بعيدا عن المستوى الذي تأمل تونس في الوصول إليه، وفشل منتخب نسور قرطاج في تحقيق الفوز بدور المجموعات، لكنه تمكن من إنهاء المسابقة القارية في المركز الرابع، وترك انطباعا سيئا لدى أغلب متابعيه. وفور الإعلان عن نهاية “كابوس” جيريس تباينت الآراء حول هوّية المدرب الجديد للمنتخب وطرحت العديد من الأسماء على طاولة النقاش لخلافة الفرنسي، لكن قرار الجريء جاء مخاتلا وتباينت حوله الآراء، فهل يكون الكبيّر عنوانا لفشل جديد على رأس المنتخب، أم أن تجارب مماثلة للنجاح قادرة على إعطاء الأخير الدرس ليشق طريقه ويثبت كفاءته بهذا المنصب.
مشاركة :