«ضاعت أرض فلسطين منذ عقود عدة، لكن التراث بقي عالقاً في أذهان أهلها، فلو اجتمع العالم بأسره على سلب التراث وثروة التقاليد الشعبية لما كان له ذلك». بهذه الكلمات يتشجع أعضاء فرقة القدس، وهم يستعدون في الكواليس لتقديم حفلة تراثية فلسطينية تحت عنوان «سنقاوم» في العاصمة الأردنية. مقاومة تمثلت بالأزياء التراثية والتعابير الشعبية على مسرح عمّاني ليس بعيداً من الأراضي المحتلة. سُردت الحكايا الفلسطينية من خلال 12 مشهداً تمثيلياً غنائياً، فصل بينها حوار طغى عليه الحزن والفرح بين شخصية الجد والحفيد. كان الحفيد يسأل بتعجب عن حق مسلوب، والجد يجاوب وتنهيدات الحنين تلف حديثه، وبين السؤال والجواب يدخل أعضاء الفرقة يتمايلون بأزياء فلسطينية تمهيداً لرقصة دبكة على أغنية توضح وتستكمل حديث الجد والحفيد وسط أجواء حماسية تارة وإيقاعات بطيئة تارة أخرى. أغنية «الخوالي» التي بدأت بها الفرقة مشوار المقاومة، مثلت بأنغامها معنى الوحدة العربية ودورها في وجه أي طغيان يمس أرض البلاد العربية، وحدة تمنتها الفرقة وجسدتها بحركات تعبيرية لم تخرج عن إطار الرقص الشعبي. الرقص التراثي الفلسطيني أنواع وأشكال، قدمتها «فرقة القدس» كلها على خشبة المسرح، فأغنية «علي نارك» تعتبر من الدبكة الفلسطينية وتتحدث عن الحضارة الكنعانية، أما أغنية «التشكيلات» التي حملت من اسمها كل النصيب فجمعت بين أنواع الدبكات الفلسطينية الشمالية منها والجنوبية. رموز الحب الفلسطينية كانت حاضرة بقوة في مشهد «ليا» و «أبوقذيلة»، لكن قصة الحب لم تكتمل لأن الشاب الفلسطيني يعيش في ظروف تحول بينه وبين من يحب. ورغم كل المحاولات المضنية لإنعاش حالة الحب الفلسطيني، فإنه يبقى أسيراً للفشل، فلا خيار أمام الشاب إلا الغربة عن بلاده لتأتي أغنية «زريف الطول» بإيقاعها الصاخب لتعبر عن رفضها التام لأي تغريب وتهجير. وما إن بدأت أغنية «يما ويل الهوى» حتى انصت جميع الحضور إلى أيقاعها الحزين الذي يستنكر الظلم والتهجير بأزياء النساء القاتمة التي عبرت من خلالها الفرقة عن رفضها بقاء الاحتلال ونادت بالمقاومة والانتفاضة. أهمية دور التخطيط لانتفاضات فلسطينية أخرى كانت محور الحديث في المشهد التعبيري «مهرتي»، حيث رقصت الفرقة على أوتار الأمل للعودة إلى الأراضي الفلسطينية بعد انتفاضة سلاحها الحق. وتضم الفرقة أعضاء من عمر الطفولة المبكرة إلى عمر الشباب، وهذا ما يميزها خصوصاً حين تحرص على تدريب الأطفال على الرقص والعزف لغرس التراث الفلسطيني وتسليم راية الحفاظ على التراث من جيل إلى آخر، فأغنية «طير الدار» انفرد الأطفال في تقديمها كدليل على أن الراية لن تتوقف عند جيل واحد. استخدمت الفرقة التي تتكون من 80 شخصاً، آلات التراث العربي كالقانون واليرغول والطبلة، وقدمت موسيقى مُزجت برقص تراثي أخذ الصبغة المعاصرة إلى حد ما. أكثر من 33 سنة و»فرقة القدس» ترقص وتغني في أنحاء العالم، على أمل بأن يأتي اليوم الذي تلتقي فيه أقدام أعضائها بتراب أرضهم يوم تحريرها، فتنقلب أعمالهم من المطالبة بحق العودة إلى عرس كبير احتفالاً بالعودة. انطلقت الفرقة من الكويت على يد الكاتب صبحي غوشة لتسترجع ذكريات التراث للجاليات الفلسطينية في الكويت، ومنها رحلت إلى عمّان. وتضم مسيرة الفرقة 70 عملاً مسرحياً، والكثير من الأغاني التراثية.
مشاركة :