يوسف أبو لوز لو أردت أن أضع لك قائمة بأسماء أدباء عرب وأجانب؛ شعراء وروائيين ونقاد اشتغلوا في الصحافة الثقافية والسياسية وغيرهما من حقول هذه المهنة التي تسمى «صاحبة الجلالة»، لملأت هذا العمود بالأسماء من كاتبات وكتاب أدباء اختاروا ما تُسمى أيضاً مهنة المتاعب.الكاتبة الروائية والصحفية الراقية إنعام كجّه جي، وصلت رواياتها إلى القائمة الطويلة في البوكر، تخصص إجابة طويلة عن شغفها بالصحافة (جريدة الخليج 31 8 2019) تقول بكل حب لهذه المهنة: «أنا مدينة للصحافة بما أنا عليه اليوم من تقدير، ومن بلوغ رواياتي البوكر ثلاث مرات». وتقول أيضاً بكل حب لعملها في الصحافة: «ربما من دون الصحافة لم أستطع أن امتلك هذه التجربة وهذه المعرفة بأنواع البشر». وتوضح أن لكل صحفي دفاتر صغيرة يسجل فيها انطباعاته في ترحاله وأسفاره، ثم يعود إلى هذه الدفاتر في مادته الأدبية، وأكثر من ذلك طوعت الصحافة لغة الأديبة إنعام كجه جي؛ إذ تقول: «علمتني الوضوح والاختصار»، ولكن لماذا تتحدث صاحبة «الحفيدة الأميركية» عن الصحافة بكل هذا الامتلاء والحنوِّ الذي يُعادل امتلاءها بالرواية وبالأدب عموماً، سواء الذي تقرأه أو تكتبه؟الإجابة باختصار، ومن وجهة نظري على الأقل؛ لأن الكثير من الكتاب «الكسالى»، وأقول مرة ثانية «الكُسالى» علّقوا فشلهم الأدبي وحتى الثقافي على شماعة الصحافة.. البعض من هؤلاء الذين عملوا في الصحافة تجدهم دائمي التذمر من مهنتهم الأقرب في روحها وفي طبيعتها إلى الأدب. أحدهم يقول مثلاً: «الصحافة سرقت مني الشعر، أو سرقت مني الرواية، وهو تبرير سهل وجاهز للكسل والفشل».نبعد أياماً قليلة على رحيل حبيبنا حبيب الصايغ، وهو المثال النموذجي للصحفي والأديب معاً في تداخل إبداعي واحد.كان حبيب الصايغ شاعراً كبيراً، كما كان صحفياً بالغ الحيوية والنشاط والجرأة. الصحافة لم تسرق منه الشعر، والشعر شحن أسلوبه الصحفي بطاقة مرنة دائماً متجدّدة.مثال آخر.. الشاعر العراقي سامي مهدي، الذي ترأس في فترة من حياته تحرير جريدة الجمهورية في العراق، سئل ذات مرة عن العلاقة بين الصحافة والأدب، وهل أثّر عمله الصحفي في شعريته، فقال إن أجمل قصائده كان قد كتبها على مكتبه الصحفي وهو الذي أنجز أكثر من عشرين مجموعة شعرية، عدا عن أكثر من أحد عشر كتاباً بين الدراسات الأدبية والنقدية والترجمة. ومع ذلك عرف الوسط الثقافي العراقي والعربي سامي مهدي صحفياً رفيع الكلمة ورفيع المهنة.من يعرف مزاج الشاعر اللبناني أنسي الحاج الصّاحي الأبدي في الليل، وغير المرئي الأبدي في النهار، يستغرب كيف أن هذا الكائن الشعري بامتياز رئيس تحرير صحيفة النهار البيروتية العريقة، وظلّت الصحافة تجري في عروقه حتى آخر يوم في حياته، تماماً مثله مثل حبيب الصايغ.آرنست همنغواي كان مراسلاً صحفياً عسكرياً، ومحمد مهدي الجواهري أسس صحفاً، وجابرييل جارسيا ماركيز كان مغرماً بالصحافة بمستوى غرامه بزوجته مارسيدس. الصحافة والأدب ليسا زوجتين ضرّتين؛ بل شقيقتان تنام كل منهما على ذراع الأخرى. yabolouz@gmail.com
مشاركة :