عكس اليوم الأول من الحملات الانتخابية الخاصة بانتخابات الرئاسة في تونس فوضى عامة في التصريحات والتحركات بما يوحي بأن الساحة السياسية مقبلة على ارتفاع منسوب الاحتقان وهو ما قد يقود إلى عزوف الناخبين عن المشاركة في موعد 15 سبتمبر ويعطي مشروعية لدعوات المقاطعة التي بدأت تتسع كرد فعل على كثرة المرشحين للرئاسة وغياب البرامج لدى أغلبهم. ونشطت دعوات المقاطعة في محاولة للضغط على المرشحين الذين تبدو حظوظهم محدودة ليتنازلوا لفائدة مرشحين جديين خاصة من الصف المحسوب على القوى المدنية التي اصطفت في انتخابات 2014 وراء الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي. لكن المرشحين وعددهم 26 تمسكوا بمواقفهم، وهو ما يهدد بتشتيت الأصوات وحصول المرشحين اللذين سيمران إلى الدور الثاني على نسبة ضعيفة تمس من مصداقية وجود الفائز منهما في قصر قرطاج كما تمس من مصداقية الانتقال الديمقراطي ككل. وتعتقد أوساط سياسية تونسية أن نوايا التصويت المحدودة أصلا قد تتحول إلى مقاطعة ليس فقط في الانتخابات الرئاسية، ولكن قد تمتد إلى الانتخابات التشريعية التي سترتفع فيها حدة التوتر بشكل أكبر وسط صراع حام للوصول إلى البرلمان بسبب ما يوفره من حصانة قانونية وحظوة اجتماعية. وإلى الآن، لا يزال الشارع التونسي في أغلبه مرتبكا وغير قادر على حسم موقفه بالتصويت لهذه الشخصية أو تلك، خاصة أن بعض المرشحين يدخلون السباق لتحسين شروط التفاوض على مواقع سياسية أو إدارية في المرحلة المقبلة. واستبعد مصطفى عبدالكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان، في تصريح لـ”العرب” الحسم في اسم الرئيس التونسي من الدور الأول، معتقدا أن وزير الدفاع المستقيل عبدالكريم الزبيدي له أكبر الحظوظ في الفوز بالدور الثاني وبدرجة أقل مهدي جمعة. من جانبه اعتبر المحلل السياسي باسل ترجمان، أن الرقم الكبير للمرشحين يضم من يسعون للتموقع ومحاولة رفع سقف التفاوض في الدور الثاني وهم بعض رؤساء الأحزاب التي تراجع حضورها في الساحة السياسية وهؤلاء سيكونون أكبر الخاسرين في هذه المغامرة. وقال ترجمان في تصريح لـ”العرب” إن عدد الذين لهم حظوظ جدية للوصول إلى الدور لا تتجاوز السبعة مرشحين الذين يمكن وصف توجههم بالجدي ومن الصعب توقع من سيفوز مثل يوسف الشاهد وعبدالكريم الزبيدي وعبير موسي ونبيل القروي وعبدالفتاح مورو. وانطلقت الحملة الانتخابية الرئاسية في تونس، الاثنين، بعد شهر ونصف الشهر على وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، وسط ضبابية في الرؤية. وجاء في تقرير لمركز “جسور” التونسي للأبحاث “للمرة الأولى لا يملك التونسيون فكرة عمّن سيكون الرئيس”، مضيفا “عام 2014، كان هناك بطلان: الرئيس المنتهية ولايته المنصف المرزوقي والسبسي… لكن اليوم كل شيء وارد”. وانطلقت الحملة الدعائية للأحزاب، السبت، أيضا في خارج البلاد وفي دول أوروبية على غرار فرنسا وإيطاليا. ولا يزال قطب الإعلام نبيل القروي، أحد أبرز المرشحين للرئاسة، يثير الجدل إثر توقيفه في الـ23 من أغسطس خلال عودته من منطقة باجة (غرب)، بتهمة “تبييض أموال” وجهها له القضاء منذ ثلاث سنوات. واتّهم حزب “قلب تونس” الذي يرأسه القروي، رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالسعي إلى قطع الطريق عليه لأنه يشكل منافسا جديا له، ما فاقم التوتر قبل أسبوعين من الانتخابات الرئاسية. ويرى مراقبون وكذلك منافسون للقروي في الانتخابات أنه تم توجيه القضاء وتسييسه خصوصا أن حكومة الشاهد كانت قدمت مشروع تنقيح للقانون الانتخابي يحول دون إمكانية ترشح القروي، وصادق عليه البرلمان، لكن الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لم يوقعه. ونفى الشاهد الاتهامات، وقال إنها تدخل في إطار “الحرب السياسية”. وكان الشاهد والقروي وأربعة مرشحين آخرين من المقربين لحزب “نداء تونس” الذي أسسه السبسي عام 2012، لكن الحزب يعاني اليوم من انقسامات أضعفت من تأثيره في الساحة السياسية. ورشح حزب “النهضة” ذو الجذور الإسلامية للمرة الأولى في تاريخه شخصية من صفوفه هو رئيس البرلمان بالنيابة عبدالفتاح مورو، المحامي السبعيني بلباسه التقليدي الذي يدافع عن انفتاح الحزب والذي يلقى احتراما واسعا بين التونسيين. وقررت الهيئة المستقلة للانتخابات منع نشر استطلاعات للرأي عن الأحزاب، ما يزيد من صعوبة تقييم شعبيتها وثقلها الانتخابي. لكن القروي تصدر لمدة طويلة قائمة الشخصيات الأكثر تأثيرا على التونسيين في عمليات استطلاع للرأي قامت بها شركات خاصة. ويرى المحلل السياسي حمزة المدب أن مورو قد يصل إلى “الدور الثاني… لكن لا يعرف من سيكون منافسه بالنظر إلى الانقسامات في المشهد العلماني، قد يكون الشاهد أو القروي أو الزبيدي”. وظهر الزبيدي السبعيني بشكل لافت خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى الباجي قبل وفاته ما دفع الكثيرين إلى اعتباره خليفته. ويقول المدب “هي انتخابات مفتوحة وستظل كذلك ربما إلى الدور الثاني”. ويتوقع كثيرون حصول مفاجآت خلال الحملة الانتخابية. وأصبحت لأستاذ القانون الدستوري الذي يخوض غمار السياسة حديثا قيس سعيد مكانة متقدمة في عمليات استطلاع الرأي، لكن وفي غياب دعم حزبي، تصعب أمامه الطريق. كما يشارك في الانتخابات وزراء سابقون مثل المهدي جمعة وحمادي الجبالي الذي انفصل عن حزب النهضة، بالإضافة إلى عبير موسي التي ترفع لواء مناهضة الإسلاميين والدفاع عن نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. وشهدت تونس في 2011 صراعا بين من يناصرون الثورة ومناهضين لها، وفي العام 2014 تحولت وجهة الخطاب السياسي بين الإسلاميين والعلمانيين، ومن المنتظر أن يكون محور الانتخابات الرئاسية 2019 بين “من ضد ومن يدعم النظام”، وفقا لمنظمة “جسور”. وستلقي الأزمة الاقتصادية في البلاد بظلالها على النقاش السياسي.
مشاركة :