لم يتعد تبادل إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل على الحدود الجنوبية اللبنانية مرحلة الاكتفاء بإعادة تثبيت قواعد الاشتباك، وهو تحرك يهدف بالأساس إلى تفادي اندلاع حرب. ويتفق محللون سياسيون على أن حزب الله وإسرائيل لا يريدان الحرب بل درسا خياراتهما بأفضل طريقة تحول دون اندلاعها. وكان الرد من طرف حزب الله مدروسا، بحيث يكتفي بحفظ ماء الوجه أمام مناصريه دون التورط في حرب جديدة مع إسرائيل لا يمنكن للحزب أن يتحمل عواقبها. ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان أن “ليس أمام حزب الله الكثير من الخيارات حين يتعلق الأمر بالرد على إسرائيل”. وقد تكون الحرب مكلفة على حزب الله في حال اندلاعها، فبرغم ترسانته العسكرية، فإن إسرائيل تعتمد أساساً على تفوقها الجوي. وبرغم ترجيحه عدم اندلاع حرب، يرى خشان أن هجوم الضاحية الجنوبية أطلق نوعاً جديداً من المواجهة “وهو تصعيد قد يفتح الباب أمام عمليات اغتيال في صفوف حزب الله”. واعتبرت مصادر سياسية أنّ حزب الله سيعلن كعادته أنّه انتصر في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل إذ لم يترك مقتل عنصرين تابعين له قتلا في سوريا من دون ردّ. وأضافت المصادر ذاتها أن ذلك يمكن أن يرضي الحزب في ضوء الحاجة إلى عمل عسكري ما، حتّى لو لم يؤد إلى مقتل إسرائيليين، يظهره في مظهر من لا يقبل السكوت عن أي استفزاز يتعرّض له. وأعلن حزب الله أمس الأحد تدمير آلية عسكرية إسرائيلية في منطقة أفيميم قرب الحدود الجنوبية للبنان، ورد الجيش الإسرائيلي بإطلاق نحو مئة قذيفة على أطراف قرى لبنانية حدودية. ونفت إسرائيل مقتل أو إصابة أي عنصر من قواتها في الهجوم، على عكس ما أعلن حزب الله الذي أفاد عن سقوط قتلى وجرحى. ولم يطل التوتر، لكنه جاء بعد أسبوع على مقتل اثنين من عناصر حزب الله في غارة إسرائيلية قرب دمشق، بحسب ما أعلن الحزب، وعلى اتهام الحزب لإسرائيل بشن هجوم بطائرتين مسيرتين على الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل الحزب اللبناني. وتقول أستاذة العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية أمل سعد إن "الرد كان مدروساً جداً، والمهمة بالنسبة للحزب كانت عدم تصعيد الوضع والتورط في أي نزاع مع إسرائيل. وكان نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم استبعد قبل أيام عدة اندلاع حرب.. و“أستبعد أن تكون الأجواء أجواء حرب، الأجواء هي أجواء رد على اعتداء وكل الأمور تقرر في حينه". وفي العامين 2015 و2016، استهدف حزب الله آليات عسكرية إسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة رداً على غارات إسرائيلية استهدفت مقاتليه في سوريا، من دون أن تتطور الأمور أكثر من كونها مجرد رد. وبرغم احتواء التطورات، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أنه أعطى أوامره لأن يكون الجيش الإسرائيلي “جاهزاً لكل السيناريوهات”. وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله توعد بالرد على الهجومين الإسرائيليين (في سوريا ولبنان)، وبإطلاق النار على كل الطائرات المسيرة الإسرائيلية التي تحلق في الأجواء اللبنانية. وتجوب طائرات استطلاع إسرائيلية باستمرار الأجواء اللبنانية. وقال مصدر مقرب من حزب الله الأحد إن ما حصل هو رد على غارة دمشق، “أما الرد الثاني فلم يبدأ بعد وسيكون جواً بمواجهة المسيّرات الإسرائيلية”. وفي هذا السياق، أكدت سعد أن رد حزب الله لن يكون من النوع الذي يؤدي إلى اندلاع حرب". وأضافت أن “حزب الله مقتنع بأن أي رد هو تحرك يهدف أساساً إلى تفادي اندلاع حرب وهو ضروري لإعادة تثبيت ميزان الردع”. ويتفق معها أستاذ العلوم السياسية كريم بيطار الذي يوضح أن "التصعيد السريع ليس من مصلحة أي من الطرفين". لكن الأمر لا يتعلق بهما فقط، بل يرتبط بشكل أساسي بالدولتين الداعمتين لهما، إيران والولايات المتحدة اللتين يزداد التوتر بينهما بشكل مضطرد منذ انسحاب واشنطن من جانب واحد في مايو 2018 من الاتفاق النووي الإيراني. ويوضح بيطار أن سياسة الإدارة الأميركية بفرض “أقصى الضغوط على طهران لا تهدف فقط إلى إضعاف الاقتصاد الإيراني بل أيضاً إلى تكسير أجنحة إيران بإضعاف حلفائها في العراق وسوريا ولبنان”. وتزامن الهجومان الإسرائيليان ضد حزب الله في سوريا ولبنان مع اتهام الحشد الشعبي العراقي إسرائيل بشن غارات بطائرتين مسيرتين ضد نقطة تابعة لفصيل شيعي تدعمه إيران قرب الحدود السورية العراقية. كما فرضت واشنطن عقوبات على مصرف لبناني اتهمته بتقديم خدمات مصرفية لحزب الله الذي يخضع مسؤولون فيه لعقوبات من واشنطن. ولا بدّ أيضا من أخذ عامل آخر بالاعتبار، وهو الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في 17 سبتمبر. ويرى مراقبون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد تجنب نزاع كبير بسبب المخاطر السياسية التي ينطوي عليها رغم أنه نبه لبنان وحزب الله إلى ضرورة "توخي الحذر". ويقول بيطار “يظهر التاريخ خلال السنوات الـ20 الماضية أن فترات الانتخابات تساعد على حصول توترات”.
مشاركة :