"الغزوة المباركة".. كلمة سر الإخوان والسلفيين لفتح قرطاج

  • 9/3/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

دشّن زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي صبيحة الاثنين 2 سبتمبر وتحديدا عند الخامسة صباحا الحملة الانتخابية الرئاسية لمرشح حركته عبدالفتاح مورو، منتهزا الفرصة والمناسبة وهو محاط بأنصاره لرفع سبابته كالعادة وفتح يديه ليرفعهما إلى السماء، قارئا الفاتحة وداعيا الله أن يمنّ عليهم وعلى مورو بالتوفيق في السباق نحو قصر قرطاج. الإشكال هنا لا يتعلق بقراءة الفاتحة أو برفع إصبع التوحيد، فغالبية التونسيين إن لم نقل كلهم تعودوا منذ قرون على قراءة الفاتحة، فهم موحدون ويستعينون بالله لقضاء حوائجهم ولتسيير أمورهم، لكن المسألة تتحول وتذهب مع حركة النهضة إلى أبعد من ذلك بكثير، لدى البحث والتقصي في ما يتعمّد الغنوشي ترويجه بين الناس منذ الوهلة التي يفتتح فيها حملة رئاسية وجب أن تقوم أساسا على شعارات ضمانة الدستور، لا على الأيديولوجيا الدينية التي تزعم النهضة أنها تخلصت منها. هذه المفتحات النهضوية المتجذّرة في أدبيات وسلوكيات وتاريخ الإخوان، تستفز المتابع الفطن وتجعله يحاول الهرولة لاستباق ما سيحصل وما قد يحدث طيلة أسبوعين من الحملات الانتخابية الرئاسية خاصة أن جماعات الإسلام السياسي بشقيها الموالي للإخوان والموالي للسلفيين تدفع مجدّدا لإحياء خطابات تقوم على شعار رئيسي وهو “الإسلام في خطر” في حال وصول أيّ من منافسيهم من العلمانيين أو اليساريين إلى السلطة وذلك عبر انتهاج خط اتصالي يراهن من جديد على رص صفوف “المسلمين” وشحذ هممهم لقطع الطريق أمام من يعتبرونهم “كفارا”. في البداية، ولفهم خارطة مرشحي الإسلام السياسي للانتخابات الرئاسية، لا بد من الإشارة أولا إلى أنهم يتوزعون في هذه الانتخابات الرئاسية التي ستجرى يوم 15 سبتمبر إلى ثلاث مجموعات؛ المجموعة الأولى يقودها عبدالفتاح مورو مرشح النهضة وكذلك حمادي الجبالي (قيادي مستقيل من النهضة وترأس أول حكومة قادتها النهضة عقب ثورة يناير 2011) إلى جانب المرشح حاتم بولبيار المستقيل بدوره مؤخرا من حركة النهضة. أما القسم الثاني من مرشحي الإسلاميين، فيمثله التيار السلفي الغاضب من حركة النهضة بعدما ساندها سابقا في كل المحطات الانتخابية ويمثله تحديدا المرشح سيف الدين مخلوف (من قيادات رابطات حماية الثورة ومحام في عدة قضايا للإرهابيين) علاوة على الخبير الدستوري قيس سعيّد المدعوم من السلفيين و المحسوب على حزب التحرير (حزب يؤمن بالخلافة ويكفّر الانتخابات). على غير العادة، يدخل الإسلاميون والسلفيون في تونس منذ ثورة عام 2011 سباق الانتخابات في حالة تشتت بتقديمهم أكثر من مرشح للانتخابات الرئاسية القسم الثالث من هذه الشريحة القريبة من خط ونهج الإخوان المسلمين، ينطق باسمه المنصف المرزوقي المراهن مجدّدا على دعم الغاضبين من النهضة وعلى الدعم القطري التركي، خاصة بعد إعلانه مؤخرا رغم تقديمه لنفسه على أنه حقوقي أنه سيرمي عرض الحائط مشروع قانون المساواة في الميراث. وبصفة أقل يوجد في هذا القسم مرشحَان آخران يصنفان ضمن خانة “المحافظين” وهما المرشح محمّد عبو وكذلك محمد لطفي المرايحي اللذان يتقاطعان في الكثير من الملفات مع الإسلاميين. إن فتح هذا النقاش المبوّب لقائمة المرشحين من الإسلاميين بما تشدد عليه صلاحيات الرئيس دستوريا من وجوب ضمان مبادئ الدستور، ليس مبنيا على تجن أو على ما نُتهم به بأن لا جهد لنا سوى تتبع هفوات الإخوان والسلفيين، بل هو مبني على وقائع تنبئنا بها الصفحات الرسمية لهؤلاء المرشحين أو الصفحات التي تروّج لهم على أنهم “حماة الدين والإسلام”. إن مجرّد متابعة الصفحة الرسمية للمرشح سيف الدين مخلوف، يوحي للمتابع بأن تونس مُقبلة على قيام المسلمين بفتحات جديدة في قرطاج تستهدف النصارى أو اليهود وليست مقبلة على استحقاق انتخابي يتسابق فيه المتسابقون ليفوز بالرئاسة من يكن هو الأجدر ومن يمثل التونسيين في أدق تفاصيلهم السياسية والمجتمعية والاقتصادية. ويلحظ أن جل التعليقات المرافقة لصور حملة مخلوف أو لأنشطته تعطيك صورة دقيقة وملمحا واضحا عن هوية أنصاره الفكرية، حيث يشعر المار بصفحته حتى عن غير قصد بأن المرشح السلفي قادم على غزوة لنصرة الله والمسلمين، حيث يعلق أحدهم تقريبا على كل منشورات سيف الدين مخلوف مستعرضا آيات من القرآن الكريم وتحديدا من سورة آل عمران من قبيل “إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ” أو باستعارة الآية الكريمة من نفس السورة “لَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ”. والآية القرآنية الأخيرة من القرآن الكريم “لَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ” في غالب الأحيان يحاول السلفيون تحويل وجهتها وتوظيفها توظيفا حرفيا من أجل ترويج خطابات الجهاد وذلك بالاستناد على تفسيرات لها ومنها قراءة الطبري القائل لدى تفسيرها “ولئن متم أو قتلتم، أيها المؤمنون، فإن إلى الله مرجعكم ومحشركم، فيجازيكم بأعمالكم، فآثروا ما يقرّبكم من الله ويوجب لكم رضاه، ويقربكم من الجنة، من الجهاد في سبيل الله والعمل بطاعته، على الركون إلى الدنيا وما تجمعون فيها من حُطامها الذي هو غير باق لكم، بل هو زائلٌ عنكم، وعلى ترك طاعة الله والجهاد، فإن ذلك يبعدكم عن ربكم، ويوجب لكم سخطه، ويقرِّبكم من النار”. هذا الأمر لا يقتصر فقط على مخلوف، بل على جل المرشحين من الإسلاميين الذين يشعر التونسيون وهم يحاولون الولوج إلى برامجهم السياسية وكأنهم قد أخطأوا الطريق وبأنهم قد دخلوا مسجدا أو موكب عزاء، خاصة عند متابعة ما ينشر أنصار حمادي الجبالي من خصال للرجل المتقدم لرئاسة الجمهورية وهو مدرك كامل الإدراك أن التونسيين لم يغفروا له إلى الآن ما ظل يتهم به من مسؤوليته إشرافه المباشر على التفجيرات التي هزت البلاد في أواخر ثمانينات القرن الماضي أو مسؤوليته السياسية عن الاغتيالات التي راح ضحيتها المعارضان السياسيان شكري بلعيد ومحمد البراهمي في عام 2013 لدى ترؤسه حكومة الترويكا. هذا الجرد البسيط لليوم الأول من الحملات الانتخابية لمرشحي التيار الديني، يفتح أيضا النقاش حول أحد أهم الملفات الشائكة التي ساهمت بقوة في إفساد المسار الديمقراطي بتونس ألا وهو المتعلق بتوظيف المساجد في الحملات الانتخابية. لقد ظل خطاب المنبر الديني منذ ثورة يناير 2011 قويا ومؤثرا لأن جماعات الإسلام السياسي تدرك أنه يخاطب الضمير والوجدان والإيمان، فكان للإسلاميين وتحديدا حركة النهضة ما أرادت بتمكنها من إحاطة نفسها بخزان انتخابي كان أفراده يعتقدون أن من يصوّت للنهضة هو من يخاف الله وأن من يخالف ذلك هو يخالف الشرع والدين وأنه قد اختار طريق الغرب الكافر. وتونس تستعد لمعارك الانتخابات، توجد الكثير من التخوفات في المشهد السياسي من قبضة النهضة أو المرشحين عن التيار السلفي على الخطاب الديني، والخوف ليس فقط من أن يساهم ذلك في منحهم السلطة بل أيضا نابع من تجربة سابقة لعبت فيها المساجد دورا حاسما في استقطاب وتسفير الآلاف من الشباب المخدوعين إلى بؤر التوتر والاقتتال وتحديدا إلى ليبيا وإلى سوريا والعراق مرورا بالمحطة الآمنة الدائمة تركيا التي فتحت لهم كافة الأبواب وسهلت بلوغهم جبهات القتال تحت ذريعة “الجهاد في سبيل الله”. ورغم تحسّن الوضع منذ انتخابات عام 2014 وبعد تشارك العلمانيين مع النهضة في الحكم، أين تم تحييد غالبية المساجد، فإن كثرة عددها تجعل مهمة متابعة خطبها خلال الحملة الانتخابية أمرا صعب الإدراك. ويتجاوز عدد دور العبادة في تونس 5200 مسجد، وهو ما يصعّد حقيقة وتيرة القلق من جعل بعضها منبرا للترويج والدعاية لمترشحين ضد آخرين، أو التأثير على الناخبين والمصلين، وذلك رغم علم جميع الداخلين للمنافسة على كرسي قرطاج بأن البند السادس من دستور الجمهورية الثانية المصادق عليه في عام 2014 ينص صراحة على أنّ “الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي”. ولهذا الغرض، فإن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تدرك بدورها صعوبة مهمتها، ولذلك تشدد في مختلف تدخلات أعضائها مؤخرا على أن “دور الأئمة مهم في حماية المسار الديمقراطي وفي تعزيز نزاهة الانتخابات من خلال التزام الحياد إزاء أي توظيف حزبي أو سياسي أو انتخابي خلال الانتخابات الرئاسية المبكرة والتشريعية المقبلة”. لكن ورغم الحرص على وضع ضوابط شرعية وقانونية لتأطير الخطب المسجدية من قبل السلطة، فإن توجس التونسيين مازال متصاعدا خاصة بعد القضية التي أثيرت مؤخرا التي تفيد بأن قوات الأمن تمكنت من حجز كمية من المتفجرات بجامع الغفران الواقع في حي الانطلاقة بضواحي العاصمة تونس على إثر العملية الإرهابية التي جدت بالمنطقة والتي تم خلالها القضاء على الإرهابي الخطير أيمن السميري. لكن، إن الأكثر خطورة من توظيف الدين ودور العبادة والخطابات السلفية المتعلقة باللباس أو المظهر أو مكانة المرأة في الإسلام والتي يسعى بعض المرشحين لإشاعتها في صفوف الناخبين، يكمن حتما في تقديم بعض المرشحين المدعومين من التيارات السلفية إلى تغيير النمطين السياسي والمجتمعي في تونس إن فازوا بالرئاسة ومنهم أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد الذي يجاهر متوسلا خطابا شعبويا بأنه رافض لقانون المساواة في الإرث ومتوعدا بإعادة صياغة الفصل الأول من الدستور عبر التشديد على أن الدولة التونسية إسلامية. ولئن استغرب الكثير من المتابعين تصريحات سعيّد، فإن البعض الآخر كان يدرك ويعلم حتى عندما كان الرجل يقدم نفسه للإعلام على أنه خبير دستوري بأن له ميولات دينية سلفية. ولعل أهم ما يحفظه التاريخ عن مواقف قيس سعيّد هو رفضه في عام 2013 ما صدر عن الحكومة التونسية من موقف صنف “أنصار الشريعة” كتنظيم إرهابي وتعلله بأن التصنيف غير قانوني وأنه قرار سياسي بامتياز رغم متابعته الدقيقة لما أدخلته الحركة الإرهابية من فوضى وعنف واغتيالات في تونس.

مشاركة :