في روايته الصادرة حديثا بعنوان “سائرون إلى هناك” يتّخذ الكاتب الأردني عصام أبوشندي العوالم والشخصيات الافتراضية مطيّة لبناء رؤية نقدية إزاء مُجريات الواقع الراهن. ويوضح الكاتب “هذه الرواية تمثل مقاربة لفكرة ‘اللجوء’، لجوء الإنسان العربي، بدءا من لجوء الإنسان الفلسطيني وتشتّته في أصقاع المعمورة، ولجوء الإنسان العراقي وصولا إلى لجوء الإنسان السوري من بعده، ذلك أنني بنيت الرواية على وجود شخصية افتراضية هو ‘النورس بيك’، وهو حفيد افتراضي لشخصية لورنس العرب، يوظف إمكاناته الضخمة في التغلغل بين أبناء ‘الحاج يعرب بن يحرب بن يخرب’، وهو شخصية افتراضية أيضا”. هذا ما يؤدي، كما يقول أبوشندي، إلى هلاك ثلاث من بنات الحاج يعرب على التوالي: الحاجة صخرة، ثمّ الحاجة دجلة، ثمّ الحاجة بردى، وتفرّق أبنائهن لاجئين في أصقاع المعمورة. انعكاس للواقع يقول الروائي “كتبت رواية ‘سائرون إلى هناك’ بدافع من الأسى الذي أحمله في نفسي، تجاه ما آلت إليه حال الإنسان العربي، اللاجئ منه خاصة بسبب سوء ظروف أمّته، فهذه الرواية تدور في الفلك السياسي الذي كتبت فيه باكورة أعمالي، وهي رواية ‘دماء على الجدران’ التي تصنّف على أنها في أدب السجون”. “دماء على الجدران” هو عنوان العمل الأول للكاتب، الذي حاول من خلاله أن يُعبّر عما يحمله من شعور بالأسى والحزن إزاء الحال السيئة للإنسان العربي في الجانب السياسي خاصة، فالأذى الذي يتعرّض له السجين العربي في المتخيّل الروائي الذي كتبه في هذه الرواية، هو انعكاس لواقع ما زلنا نعيشه حتى هذه اللحظة. ومن ثم، فإن اختيار مكان افتراضي لأحداث هذه الرواية يعود إلى سببين: أولهما حتى يظل هذا المكان الافتراضي يوحي ويشير إلى أي سجن عربي يمارس فيه مثل ما مورس في ذاك السجن الافتراضي، سجن “أبو زعريب” والثاني لينأى بنفسه عن الدخول في خصومة مع صاحب القرار العربي. يؤمن أبوشندي إيمانا مُطلقا بأن الأدب يجب أن يكون في خدمة الحياة، فالمآسي التي عاشها الإنسان العربي على مدى القرن العشرين وصولا إلى العقدين الأولين من هذا القرن، تُمثّل مُعينا ثريا يمكن أن ينهل منه الأدب الآلاف من القيم والثيمات شعرا ونثرا لمحاكاة معاناة الإنسان العربي ومآسيه، وربما هذا ما دفعه إلى الانخراط في كتابة النصوص ذات النكهة السياسية، كرواية “دماء على الجدران” و“سائرون إلى هناك”، وأيضا رواية “ملابس عسكرية”. في ما يتعلق باختيار عناوين الأعمال الأدبية، يقول الكاتب “أحاول أن تكون هذه العناوين لا مباشرة ولافتة للانتباه كذلك، انطلاقا من أن ‘العنوان’ هو العتبة الأولى للنص، فهو الذي قد يجذب القارئ لقراءة العمل، وفي بعض الحالات قد يثنيه عنه أيضا، لذلك فأنا غالبا ما أؤخر اختيار العنوان إلى المراحل النهائية من كتابة العمل، حتى إذا انتهيت منه كان اختيار العنوان أسهل بعد أن يكون العمل نضج تماما، ومثال على ذلك فقد كنت أنوي أن أعنون رواية ‘سائرون إلى هناك’ بعنوان غير هذا، ولكني وبعد أن انتهيت من كتابتها، وجدت أن هذا العنوان يحمل فكرة ‘اللجوء’ ويعبّر عنها بالشكل الذي أنا مقتنع به”. تحضر الأسطورة في رواية “أيتام وقطط”، وهي ليست أسطورة بالمعنى الحرفي للكلمة، بل هي أقرب ما تكون إلى حكاية متخيّلة قريبة في سمتها من حكايات البدو في نمط أسطوري، يُبيّن الكاتب أنها تتجلى في معالجته لثيمة القط الأحمر في هذه الرواية، ورغم ذلك، يفضّل أبوشندي أن تكون الكتابة على السجية، بمعنى أن الكاتب يترك لنفسه الحرية في الكتابة، الأمر الذي يظهر الإبداع في أجلى صوره وأجملها، لا أن يلوي أعناق الأساطير وغيرها من الأفكار لتغدو جزءا من كتابته، سواء أكانت مقبولة أم نشازا فيها. ينوّه أبوشندي بأن تجاوز التابوهات في الرواية بالمعنى الحرفي الذي يحمله مصطلح أو تعبير “تابوه” من منع أو حاجز يجدر تجاوزه سياسيا أو دينيا أو اجتماعيا، لا يحتل نفس أهمية تخليص الإنسان العربي من عقد النقص، فالإنسان العربي المسلم الذي وصل إلى مرحلة من القناعة بأنه أقل من غيره من الأنواع البشرية الأخرى، وبات يشعر بالضآلة أمام غيره من البشر؛ كالإنسان الأوروبي أو الأميركي أو الياباني ينبغي أن يتخلص من هذه العقدة وتعود له ثقته بنفسه التي كانت قديما، وهذا ما يجدر بالأديب أن يفكّر فيه ويسعى من ثم إلى ترسيخه في قرارة نفس قارئه، بوصف هذا الأديب فيلسوفا منوطا به التغيير نحو الأفضل. النقد والإبداع يكتب أبوشندي الرواية والنقد كذلك، ويلفت إلى أن الجانب الخاص من شخصيته بوصفه ناقدا لم يؤثر في الجانب الآخر الخاص بالإبداع، وهذا يعود إلى سببين: الأول أنه كانت تتوفر لديه الرغبة في الكتابة منذ أمد بعيد، لكنها تأخرت لظروف خاصة، أي أنه بدأ كتابة النقد الأدبي تاليا وهو المحب الراغب في كتابة الرواية منذ صغره، وثانيا أنه ينأى بشخصيته بوصفه ناقدا عن شخصيته كمبدع بشكل تام، بحيث لا تؤثر هذه في تلك بالمُطلق، مُبيّنا أن معظم كتاباته النقدية بحوث أكاديمية ما زال ينشرها في الدوريات العربية الخاصة بهذا الجانب، ويدور جلها في مقاربته لنصوص نثرية روائية. وفي ما يتعلق بحركة النقد، يشير الكاتب إلى أن المشكلة الكبرى هي أن النقد العربي يلهث وراء الآخر انطلاقا من كونه ليست له شخصية مستقلة، وهذا هو الواقع المرير الذي تعيشه هذه الحركة منذ قرن من الزمان حتى الآن، فبعد أن تحوّل الإنسان الغربي من البنيوية إلى التفكيكية وسط ستينات القرن العشرين، راح الإنسان العربي يكتب في البنيوية مع مطلع سبعينات القرن ذاته، ويمكن القياس على ذلك في ما يتعلق بالحداثة أو الأسلوبية.
مشاركة :