من حسن الطالع الدال على أن الله - سبحانه وتعالى - قد قضى وقدر لنا أن نكون مع الشرع الحنيف، ندور معه حيث يدور، ونتفاعل معه على الدوام؛ هذا التزامن الجميل، والتوافق المبارك بين إعلان إنهاء عمليات عاصفة الحزم العسكرية مع استقبال شهر رجب المحرم. جاء في الحديث الصحيح في الخطبة الشهيرة لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع أنه قال: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم؛ ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان".. هذه الأشهر الأربعة سميت بالأشهر الحرم لعظم حرمتها، وحرمة الذنب فيها، ومن أسباب التسمية المذكورة أيضا تحريم القتال فيها، منذ عهد سيدنا إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، حتى ما قبل الإسلام.. يقول حبر الأمة، سيدنا عبدالله بن عباس - رضي الله عنهما -: "اختص الله أربعة أشهر جعلهن حُرماً، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن أعظم، وجعل العمل الصالح والأجر أعظم"، وقال سيدنا كعب - رضي الله عنه -: "اختار الله الزمان، فأحبه إلى الله - سبحانه وتعالى - الأشهر الحرم"، وقال قتادة - رحمه الله -: "إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلاً، ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذكره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله؛ فإنما تعظيم الأمور بما عظم الله به عند أهل الفهم، وأهل العقل".. من جهتهم اتفق فقهاء الشريعة على أن دفع العدو في الأشهر الحرم جائز شرعا، وخلافهم منحصر في الابتداء بالمقاتلة خلال الأشهر الحرم، هل هو حرام، أو منسوخ، واختلفوا كذلك في تغليظ الدية في الأشهر الحرم؛ بين من قال بزيادتها، وبين من أبقاها كما هي.. قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في كتابه (تبيين العجب بما ورد في فضل رجب) - ص: 9 - : "لم يرد في فضل شهر رجب، ولا في صيامه، ولا صيام شيء منه معين، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة"، وهذا لا يعني أنه لا يشرع فيه التعبد - لا على اعتقاد فضيلة مخصوصة - بما ثبت من نوافل الطاعات والقربات، لأنه شهر حرام؛ يقول الإمام النووي - رحمه الله - في (شرح صحيح مسلم) - 8/39 -: "لم يثبت في صوم رجب نهي، ولا ندب لعينه، ولكن أصل الصوم مندوب إليه". خاتمة: لست من هواة ليْ النصوص واستخدامها لأغراض ذاتية، ولست كذلك من محبي (شرعنة) الأمور، ولكني وجدت ما قدمت فألاً طيبا بأن تنجلي الأزمة اليمنية على خير، وأن تتوقف الأيادي الخبيثة الداخلية والخارجية عن تأجيج الخلافات، وأن تتحقق وبشكل عاجل النتائج المرجوة من عملية إعادة الأمل، فقد حان وقت تحقيق الوصف الذي كنا نقرأه في التاريخ عن اليمن: (اليمن السعيد).
مشاركة :