أمين البحوث: حقوق الأطفال ورعايتِهم أحد مقاصد الشريعة الضروريَّة

  • 9/5/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قال الدكتور نظير محمد عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن التأكيدِ على دورِ المؤسَّساتِ الدينيةِ أمرٌ في غايةِ الأهميةِ، خصوصًا أنَّ هناك من ينظرُ إلى هذه المؤسَّسات على أنها مقطوعةُ الصلةِ بالواقعِ، أو أنها لا تُعنَى بقضاياهُ، أو على أحسنِ تقديرٍ أنها تُرَكِّزُ عنايتَها على روحِ الإنسانيَّةِ فقط.وأضاف «عياد» خلال كلمته في فعاليات الاجتماع السنوي السادس للفريق الاستشاري الإسلامي المعني باستئصال شلل الأطفال، أنَّ هذا اللقاءَ واحدٌ من اللقاءاتِ المهمَّةِ؛ إذْ إنَّه يتعلق بقضيةٍ شائكةٍ وقضيةٍ خطيرةٍ ينبني عليها مستقبلُ الأممِ والشعوب.وتابع: وفي تقديري أنَّ هذه الأهميةَ تأتي من خلال دِلالتها على أمورٍ مهمةٍ تتمثلُ في: أولًا: التأكيدِ على عمقِ العَلاقةِ بين الدينِ والعلمِ، أو بين العلومِ الدينيةِ والعلومِ التجريبيةِ، خصوصًا مع إطلالة الماديَّةِ مرَّةً أخرى في عصورِنا الحديثةِ والمعاصِرَةِ؛ متخذةً من التقدُّماتِ العلميةِ والتطوُّراتِ المتنوِّعة بابًا تركزُ عليه، فيأتي هذا اللقاءُ.وواصل: أنه من خلالِ هذا الموضوعِ (شللِ الأطفالِ) وهو موضوعٌ طبيٌّ في المقامِ الأولِ يتَّضحُ أنَّ علماءَ الشرعِ تنبَّهوا لهذه العلاقةِ بين علومِ الدينِ وعلومِ الطبِّ منذ قرونٍ عدَّةٍ، فها هو سلطانُ العلماءِ العزُّ بنُ عبدِ السلامِ المتوفَّى سنة 660هـ – رحمه الله- يقرِّرُ أن الطبَّ كالشرعِ في النفعِ والضُّرِّ وتقريرِ المصالحِ والمفاسدِ، فيقولُ: "فإنَّ الطبَّ كالشرعِ، وُضِعَ لجلبِ مصالحِ السَّلامةِ والعافيةِ، ولدرءِ مفاسدِ المعاطبِ والأسقامِ، ولدرءِ ما أمكنَ درؤهُ من ذلك، ولِجَلبِ ما أمكنَ جَلْبُهُ من ذلك. فإنْ تعذَّرَ درءُ الجميعِ أو جلبُ الجميعِ فإن تساوت الرُّتَبُ تخيَّرَ، وإن تفاوتت استعملَ الترجيح عند عرفانه والتوقف عند الجهل به، والذي وَضعَ الشرعَ هو الذي وضعَ الطبَّ، فإن كلَّ واحدٍ منهما موضوعٌ لجلبِ مصالِحِهم ودرءِ مفاسدِهم" .وأردف: كما لا يحلُّ الإقدامُ للمتوقِّفِ في الرُّجحانِ في المصالحِ الدينيةِ حتى يظهرَ له الرَّاجحُ، فكذلك الأمرُ للطِّبِّ، وهذا يتَّسِقُ مع النظرةِ المقاصديةِ التي أكَّد عليها العزُّ بنُ عبدِ السلامِ، وهي أنَّ أحكامَ الشريعةِ كلَّها وُضعتْ لجلبِ المصالحِ ودرءِ المفاسدِ، ولا يختلفُ عاقلٌ أنَّ الطبَّ وُضعَ لجلبِ مصلحةِ الصحةِ ودرءِ مفسدةِ السَّقَمِ، فهو مطلبٌ شرعيٌّ مقاصديٌّ دينيٌّ دنيويٌّ في آنٍ واحدٍ.وأكمل: ثانيًا التأكيدِ على دورِ المؤسَّساتِ الدينيةِ: وهو أمرٌ في غايةِ الأهميةِ، خصوصًا أنَّ هناك من ينظرُ إلى هذه المؤسَّسات على أنها مقطوعةُ الصلةِ بالواقعِ، أو أنها لا تُعنَى بقضاياهُ، أو على أحسنِ تقديرٍ أنها تُرَكِّزُ عنايتَها على روحِ الإنسانيَّةِ فقط، مضيفًا: فتأتي مثلُ هذه اللقاءاتِ لتؤكِّدَ على خطأ هذا الوجهِ وفسادِ هذا الزعمِ؛ ذلك لأنَّ هذه المؤسَّساتِ كما تُعْنَى بالرُّوح تُعْنَى بالبَدنِ، وكما تهتمُّ بالآخِرَةِ تهتمُّ بالدنيا؛ لأنَّ هذا هو منطوقُ الدينِ الصحيحِ الذي نقوم عليه وندعو الناسَ إليه، ونسعى إلى نشرِه؛ إذِ الدينُ في حقيقةِ معناهُ: وضعٌ إلهيٌّ سائقٌ لذوي العقولِ السليمةِ يهدفُ إلى تحقيقِ الصلاحِ في الحالِ والفلاحِ في المآلِ.واستطرد: ثالثًا: التأكيدِ على أهميةِ العنايةِ بالأطفالِ والمحافظةِ عليهم باعتبارِهم رجالَ الغدِ وقادةَ المستقبلِ وأملَ الشُّعوبِ وبناةَ الأُمَمِ.فهم يمثِّلونَ البذورَ الأولى التي تُكوِّن الأجيالَ التي تستطيعُ في مستقبلِها أن تؤديَ الرسالةَ التي خُلقَ من أجلِها وهي عبادةُ الله وعمارةُ الكونِ، قال - تعالى -: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"، وقال - تعالى -: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" ، وقال - تعالى -: " هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا".ونوه بأن من الحقائقِ المقرَّرةِ أن القيامَ بحقوقِ الأطفالِ ورعايتِهم هو أحدُ مقاصدِ الشريعةِ الضروريَّةِ، أي المقاصدِ التي بها قِوَامُ الدينِ والدنيا بحيثُ إذا فُقِدَتْ كلُّها أو فُقِدَ بعضٌ منها ترتَّبَ على ذلك مفاسدُ جمَّةٌ ومهالكُ متعددةٌ، فهذه المقاصدُ هي: حفظُ الدينِ والنفسِ والعقلِ والنسلِ والمالِ، ومقصدُ حفظِ النسلِ هو الذي يقعُ تحتَهُ سائرُ الحقوقِ الواجب أداؤها للأطفال.وذكر رابعًا أهميةِ العلمِ ودورِه في تحقيق مصالحِ العبادِ والمحافظةِ عليهم، ولهذا كان من أولى حقوقِ الأطفالِ هو تأديبُهُم وتعليمُهُم والمحافظةُ عليهم كذلك بدنيًّا وذهنيًّا وصحيًّا من خلال العلم؛ ولهذا كان طلبُهُ فريضةً، قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: "طلبُ العلمِ فريضةٌ على كلِّ مسلمٍ"، وفي مقامِنا هذا يُوجِبُ علينا رعايةَ الأطفالِ واستباقَ الأحداثِ للمحافظةِ عليهم، ومِن ثَمَّ يكونُ التطعيمُ ضدَّ شللِ الأطفالِ وجميعِ الأمراضِ المُعْدِيَةِ الأُخرى هو أحدَ إيجابيَّاتِ العلمِ وأهمَّ دعواتِه؛ حيثُ يحمي حياتَهم من الهلاكِ أو الأمراضِ، ويمكِّنُهم من التَّمَتُّعِ بحالةٍ من الرفاهيةِ التامَّةِ من الناحيةِ الجسديَّةِ والعقليَّةِ والنفسيَّةِ والاجتماعيَّةِ كما جاءَ في القرآنِ الكريمِ والأحاديثِ النَّبويةِ الشريفةِ، وكذلك في ميثاقِ المنظَّماتِ الدَّوليَّةِ مثل منظمةِ الصحةِ العالميةِ واليونيسيف.وأفاد: ولذلك فإنَّ التطعيمَ ضدَّ شللِ الأطفالِ والأمراضِ الأخرى هو واجبٌ دينيٌّ مُلْزِمٌ للأُسرةِ والمجتمعِ والحكوماتِ والعالمِ بأسرِهِ، وهو مطلبٌ علميٌّ أكَّدت عليه البحوثُ العلميةُ.

مشاركة :