يتقاطرون صباح كل يوم، يتجمّعون في مدارسهم كما النحل على خليته، وظهراً يندلقون، يملؤون الدنيا بالصخب، وكأن يداً عملاقة بذرتهم إلى الشوارع والطرقات والبيوت. مريول، شبرة على العنق، وحقيبة على الظهر.. جيش بكامل العتاد!.. العلم بحر، وهذه وقفة على الشاطئ. طلبة المدارس، طباشير على رؤوس الأصابع، معلّم يشير بمسطرته على السبورة، بهجة ورهبة في الصف الأول، تبديل المقاعد والصفوف، التعنيف والإطراء، الطابور الصباحي، نشيد العلم، وأنشودة «يا مدارس يا مدارس».. قيام جلوس، من لا يذكر هذا.. من لا يتذكر؟ هكذا بدت الأجواء في مختلف المدارس في فلسطين مع بدء العام الدراسي الجديد، إلّا أن ثمة قصص عن المعاناة اليومية، أبطالها مستوطنون وجنود محتلون، يتلذذون بالتنغيص على الطلبة في يوم فرحتهم. في قرية الولجة قرب بيت لحم، يضطر الطفل محمـد الحجاجلة «10» أعوام، للسير مسافة ستة كيلومترات على الأقدام، وفي نفق تحت الأرض، كي يصل إلى مدرسته، بعد أن أغلق الاحتلال الطريق المؤدي إلى منزل عائلته، بالأسلاك الشائكة لتوفير الراحة لمستوطني جيلو المقتطعة من أراضي القرية. رحلة معاناة قبل طلوع الشمس، يخرج محمـد الطالب في الصف الرابع الأساسي من بيته الواقع في واد سحيق وتطوقه مستوطنة جيلو، ويضطر لأخذ راحة أكثر من مرة في طريقه إلى مدرسته، ليعود مساءً في رحلة معاناة جديدة، فالطريق الموصل إلى منزله لا تسلكه السيارات منذ قرابة 20 عاماً، كون المنطقة معزولة عن محيطها بالكامل، سواء بالأسلاك الشائكة أو جدار الفصل العنصري. بدأت معاناة عائلة محمـد خلال الأشهر الأولى لانتفاضة الأقصى، عندما قررت سلطات الاحتلال بناء الجدار الأسمنتي للفصل بين المناطق الفلسطينية والمستوطنات القريبة منها، فأوقع الحظ العائر بيت العائلة في المنطقة الخاضعة لسيطرة الاحتلال، لتبدأ مليات المساومة لإخراج العائلة من المنطقة، الأمر الذي قوبل بالرفض والصدود والإصرار على البقاء في المكان رغم المضايقات والاستهداف الذي تواجهه العائلة صباح مساء. إغراء وانتقام يقول عمر الحجاجلة، والد الطفل محمـد، إن الاحتلال حاول في بادئ الأمر إخراجه من المنطقة بالقوة، ولم تفلح، فلجأت إلى أسلوب الإغراء بالمال، الأمر الذي رفضه جملة وتفصيلاً. يضيف لـ «البيان»: «عرض علي قادة ووزراء في حكومة الاحتلال التعويض بمبالغ طائلة كي أترك منزلي وأخلي لهم المنطقة، لكنني رفضت، وهنا قرروا الانتقام من العائلة، بتطويق منزلنا، وهو الوحيد الذي يجاور مستوطنة جيلو بشكل مباشر، وبعد أن عجزت كل محاولاتهم للضغط علينا، حفروا لنا نفقاً تحت الأرض كي يربطنا بمحيطنا، ومنذ عدة سنوات نضطر لسلوك هذا الطريق، ولمسافة لا تقل عن ستة كيلومترات للوصول إلى مرافق القرية وبينها مدرسة محمـد». ولعل ما يؤرق محمـد ويزعجه أنه لا يستطيع أن يلهو ويلعب مع أقرانه وزملائه في المدرسة، فهو معزول عنهم ولا يمكن لأي منهم زيارته للعب معه، إذ يحتاج الزائر لعائلة الحجاجلة إلى تنسيق مسبق مع الاحتلال!. يقضي محمـد معظم وقته في المنزل، وبعد أن يفرغ من واجباته المدرسية يجد ضالته في مشاهدة التلفاز أو ممارسة الألعاب المفضلة على هاتف والده النقال، ما عزز لديه الشعور بالعزلة.طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :