الانتخابات الرئاسية اختبار حاسم في تثبيت المسار الديمقراطي في تونس

  • 9/5/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تزداد الحملة الانتخابية في تونس سخونة مع اقتراب يوم الانتخابات (15 سبتمبر)، ويرفع معها المرشحون من سقف وعودهم فيما يبدو الشارع التونسي حائرا وضائعا وسط هذا الكم من المرشحين ومن الأخبار والإشاعات والتفاصيل التي تمتلئ بها مواقع التواصل الاجتماعي وتتبادلها الفضائيات المتنافسة، والتي لا يخفي بعضها ميولاته أو تشجيعه لمرشح على حساب آخر. وسط هذه الضوضاء الانتخابية يبحث التونسيون عن وجه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، الذي نجح في انتخابات 2014 في امتصاص هذه الحيرة البادية اليوم، وكان الطريق واضحا أمام الناخبين إما حزب حركة النهضة الإسلامية، بمشروعه الغريب عن المجتمع التونسي، وإما نداء تونس، حامي مبادئ الجمهورية ومشروع دولة الاستقلال. طريق ضبابي اليوم، يبدو هذا الطريق ضبابيا بالنسبة للناخبين الذين حاول كثير منهم استحضار صورة الباجي، التي كان لافتا أنها حلت محل صورة الحبيب بورقيبة في هذه الانتخابات. سعى أغلب الناخبين، من غير الإسلاميين، والحزب الدستوري الحر، إلى عبير موسي التي تروج لنفسها باعتبارها سليلة العائلة البورقيبية.تحتوي قائمة المرشحين على 26 اسما، منها وزراء سابقون وأسماء جديدة وغير معروفة ظهرت فجأة، وأخرى ارتبط اسمها بفضائح، ومرشحون انفصلوا عن أحزابهم، ومستقلون ومرشح عن الإسلاميين، بالإضافة إلى الرئيس الأسبق ورئيس الحكومة (المستقيل). لكن، مازال التونسيون يفتقدون للمرشح الأبرز صاحب الكاريزما والحضور الطاغي وإن تفاوتت التقييمات من مرشح إلى آخر. وتلقي هذه الأوضاع بثقلها على الهيئة المكلفة بتنظيم الانتخابات التي تتعرض لضغوط كبيرة: إذ كان يفترض بها أن تنظم الانتخابات البرلمانية المقررة في مطلع أكتوبر قبل الوصول إلى الرئاسية في نوفمبر في أحسن الظروف. غير أن وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي في 25 يوليو وضعها أمام امتحان صعب، فقد وجدت نفسها ملزمة بالتحرك بسرعة قصوى بعد تقديم موعد الانتخابات الرئاسية إلى منتصف سبتمبر. ومثلما أربك هذا التغيير الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أربك أيضا الأحزاب التي كانت تراهن على ما ستحققه في الانتخابات التشريعية لتحديد توجهاتها في الرئاسية. وسارعت الهيئة إثر قرار تغيير المواعيد إلى تقديم مقترح للبرلمان بهدف تعديل القانون الانتخابي والاستفتاء صادق عليه النواب لاحقا. ويهدف هذا التعديل إلى اختصار بعض الآجال القانونية المتعلقة بالطعون في نتائج الانتخابات الرئاسية المبكرة تجنّبا لانتهاك الدستور وتجاوز المدة الرئاسية المؤقتة المحددة بـ90 يوما على أقصى تقدير.كما استحصلت الهيئة التي ينتخب البرلمان أعضاءها التسعة، على الحبر المستخدم في عمليات الاقتراع للبصم، وبدأت كل التحضيرات اللوجستية. وهي التي اختارت 26 مرشحا ليتنافسوا في الانتخابات من أصل حوالي مئة طلب. غياب الثقة كسبت الهيئة رهانا آخر تمثل في تسجيل أكثر من سبعة ملايين ناخب بعد حملة إعلامية ودعائية مكثفة، تمكنت بعدها من تسجيل نحو مليون ونصف مليون ناخب جديد، 60 بالمئة منهم من الشباب، محققة رقما قياسيا في هذا المجال منذ انتخابات 2011. ولم يكن ذلك بالأمر السهل بالنظر إلى نسبة العزوف عن الاقتراع في الانتخابات البلدية التي جرت منتصف العام 2018 والتي شارك فيها ثلث المسجلين فقط. ولا يعلم كم ستكون نسبة المقترعين في الانتخابات المقبلة، خاصة في ظل حالة الإحباط وعدم الثقة المسيطرة على الشارع التونسي. ومن أبرز التحديات التي تواجه الهيئة أيضا، تسريع تنظيم دورات تكوينية متقدمة لمراقبين ومشرفين سيتواجدون في مراكز الاقتراع ويراقبون الحملات والتمويل الانتخابي. وشاركت في الدورات وزارات متخصصة والبنك المركزي. وسيتحقق المراقبون من عدم لجوء المتنافسين إلى تمويلات خارجية وتجاوز سقف التمويل الذي حدده القانون. وتقول الناطقة الرسمية باسم الهيئة حسناء بن سليمان “سيتم تكوين حوالي 55 ألفا بين مراقبين ومشرفين… كما تحاول الهيئة دوما أن تقدم الأفضل خصوصا في ما يتعلق بمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي والتمويل”. لكن، يرى رئيس منظمة “مراقبون” المتخصصة في مراقبة الانتخابات محمد مرزوق أن “الهيئة لم تقدم بعد الطرق الواضحة في عملية تحديد ومراقبة التمويل والإنفاق”. وراكمت الهيئة سنوات من الخبرة منذ سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي وشق البلاد طريقها نحو الممارسة الديمقراطية، إذ نظمت أكثر من جولة انتخابات تاريخية، بينها انتخاب المجلس التأسيسي في 2011 بعد الثورة، والانتخابات التشريعية والرئاسية الأولى بالاقتراع العام في 2014، وأول انتخابات بلدية ديمقراطية في 2018. لكن هذا لا يعني أنها ستتمكن من تجاوز الصعوبات الحالية بسهولة. وتوضح بن سليمان “الهيئة راكمت تجارب سابقة مهمة لكن تبقى الأمور معقدة، لأن القوانين تتغير ولأن عدد المرشحين أكبر والمناخ السياسي يتغير وعلينا أن نتأقلم”. إلا أن أستاذ التاريخ السياسي المعاصر عبداللّطيف الحناشي يعتبر أن سرعة رد فعل الهيئة إثر وفاة الرئيس عبر طلب تقديم المهل “مؤشر مهم على جاهزيتها في معالجة الأمور بمرونة وحكمة”. تزايد الاحتقان بين المتنافسين قبيل انطلاق الحملة الانتخابية في الثاني من سبتمبر ما زاد من صعوبة مهام الهيئة. وبعد توقيف صاحب قناة “نسمة” الخاصة نبيل القروي، أحد المرشحين البارزين إلى الرئاسة، بتهم تتعلق بتبييض أموال، أصرت الهيئة على أنه سيبقى مرشحا ما لم يصدر قرار قضائي في شأنه. ويرى الحناشي أن قرار الهيئة الإبقاء على ترشيح القروي “أمر يؤكد استقلاليتها وعدم رضوخها للضغوطات المختلفة التي طالبت بإسقاط ترشيحه”. وبدأت الحملة الانتخابية قبل موعدها بالنسبة إلى البعض، وكان الفضاء الافتراضي مساحة لها، إذ انتشرت الصفحات الممولة الناطقة بأسماء المرشحين، وما انفك عدد المنخرطين فيها يتزايد بسرعة، وأهمها صفحة منسوبة لوزير الدفاع المستقيل عبدالكريم الزبيدي الذي نفى أنه يملك صفحات خاصة به. وأشادت منظمات دولية مختصة في مراقبة الانتقال الديمقراطي والانتخابات بتونس خلال التجارب السابقة، ومن بينها بعثات الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي. وأقرت غالبية هذه المنظمات بوجود بعض الثغرات في المسارات الانتخابية، لكنها أكدت في المقابل أنها لم تؤثر على النتائج النهائية. وقال الحناشي “نجاح تنظيم الانتخابات هو نجاح لتجربة الانتقال الديمقراطي ودعم لها وبالإمكان أن تستفيد منها دول المنطقة التي تعيش انتقالا مماثلا”.

مشاركة :