تتجه بريطانيا للدخول في دائرة الركود لأول مرة منذ الأزمة المالية، وذلك عقب أن دفع الغموض المحيط بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لانخفاض مؤشر نمو قطاع الخدمات بنسبة أكبر من المتوقع. ونقلت وكالة "بلومبيرج" للأنباء عن مؤسسة "أي إتش إس ماركيت" للخدمات المالية لدى نشرها بيانات مؤشر مديري المشتريات، أن نمو قطاع الخدمات توقف الشهر الماضي. وانخفض مؤشر ماركيت لقطاع الخدمات إلى 50.6 نقطة الشهر الماضي، كما تراجع مؤشر ثقة الأعمال لأدنى مستوى له منذ إجراء الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016. وأفادت ماركيت أن البيانات تشير إلى أن الاقتصاد سينكمش بنسبة 0.1 في المائة خلال الربع الثالث، فيما تراجع الإنتاج 0.2 في المائة خلال ثلاثة أشهر حتى حزيران (يونيو) الماضي، ما يعني أن مثل هذه النتيجة تعني أن البلاد دخلت فترة الركود حتى قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في نهاية الشهر المقبل. ويعتقد كريس ويليامسون كبير الاقتصاديين بمؤسسة ماركيت أن "النشاط الاقتصادي في قطاع الخدمات توقف تقريبا في آب (أغسطس) الماضي، وذلك في ظل تصاعد المخاوف المتعلقة بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وخفض إنفاق المستهلكين والمؤسسات التجارية". وأضاف أن "عدم تسجيل أي نسبة نمو في قطاع الخدمات يزيد من احتمالية دخول الاقتصاد البريطاني في دائرة الركود". واعتبرت المفوضية الأوروبية في بيان أمس أن مخاطر مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي دون اتفاق في 31 تشرين الأول (أكتوبر) تزايدت. وتضيف المفوضية أن "الوقت القليل المتبقي والوضع السياسي في بريطانيا يزيدان من مخاطر خروج بريطانيا في ذلك الموعد دون اتفاق". وسيتسبب الخروج من التكتل الأوروبي دون اتفاق في خسارة البريطانيين 14.6 مليار يورو هي عائدات صادراتهم إلى الاتحاد الأوروبي، وفق الأمم المتحدة. ودعت المفوضية شركات ومواطني الاتحاد الأوروبي إلى "مواصلة الاستعداد لكل النتائج المحتملة وعدم الاستناد إلى فرضية أن تطلب بريطانيا تمديدا ثالثا" لموعد "بريكست". من جانب آخر، اعتبرت المفوضية الأوروبية أن شبكة الأمان الإيرلندية، البند الوارد في اتفاق بريكست، الذي يطالب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بسحبه، هو "الحل الوحيد" للحفاظ على اتفاق السلام في إيرلندا الشمالية والسوق الموحدة. وينص بند شبكة الأمان كحل أخير، بقاء كل بريطانيا في الاتحاد الجمركي لتجنب العودة إلى حدود فعلية بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي. وترى المفوضية الأوروبية أن بريطانيا تغرق في أزمة سياسية يمكن أن تؤدي إلى انتخابات تشريعية مبكرة بسبب استراتيجية جونسون المثيرة للجدل. وأحجمت الحكومة الألمانية عن التعليق على الخلافات القائمة في مجلس العموم البريطاني حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأفاد شتفن زايبرت المتحدث باسم الحكومة الألمانية في العاصمة برلين "الحكومة الألمانية ترصد الإجراءات في البرلمان البريطاني باهتمام". وأضاف زايبرت أنه خلال محاولة منع خروج بريطانيا دون اتفاق، يكون الأمر متروكا للحكومة البريطانية، فيما يتعلق بعرض "مقترحات ملموسة وواقعية" على الطاولة والتحدث بشأنها مع المفوضية الأوروبية. وأشار إلى أنه عندما تطلب الحكومة في لندن تأجيل جديد لموعد الخروج، "حينئذ ستعمل المفوضية الأوروبية على الأمر"، مؤكدا أن شريك النقاش بالنسبة للمفاوضات مع بريطانيا ليس حكومات وطنية، وإنما المفوضية الأوروبية، التي تجري مباحثات لمصلحة الدول المتبقية بالاتحاد. وفي خطوة تمنح بعض الراحة لجونسون، قضت محكمة اسكتلندية أمس بأن خطة رئيس الوزراء البريطاني بتعليق البرلمان إجراء قانوني، الأمر الذي يمثل أول تحد من عدة تحديات قانونية تواجه خطة جونسون. ويعتقد القاضي في المحكمة المدنية العليا في أدنبرة باسكتلندا أن المحكمة ليست مخولة على نحو قانوني بمراجعة قرار جونسون السياسي بتجميد أو تعليق أنشطة وأعمال البرلمان في منتصف الشهر الجاري وحتى منتصف تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. وكتبت جوانا تشيري، النائبة البرلمانية عن الحزب القومي الاسكتلندي، والتي تتولى رعاية هذه الدعوى القانونية في اسكتلندا، تغريدة على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي "نعتقد أن القاضي أخطأ من الناحية القانونية في هذه النقطة ونقاط أخرى وسنسعى إلى الطعن على الفور". ومني رئيس الحكومة المحافظ الثلاثاء الماضي بهزيمة مؤلمة في البرلمان، فقد وافقت الأغلبية في مجلس العموم على مذكرة تسمح لهم بالتحكم في برنامج عمل البرلمان، الذي تمسك بزمامه عموما الحكومة. وتسمح هذه المذكرة لمعارضي جونسون بأن يقدموا أمام البرلمان مشروع قانون يرغم رئيس الوزراء على أن يطلب من الاتحاد الأوروبي إرجاء جديدا لـ"بريكست" حتى 31 كانون الثاني (يناير) 2020، في حال لم يتم التوصل لاتفاق خروج جديد مع بروكسل خلال الأسابيع المقبلة. والهزيمة، التي تكبدها جونسون تحققت أثر انشقاق 21 نائبا محافظا وتصويتهم إلى جانب نواب المعارضة. ومن أبرز النواب، الذين تمردوا على رغبة رئيس الوزراء وصوتوا إلى جانب المعارضة نيكولاس سومس، حفيد رئيس الوزراء الراحل وينستون تشرشل وفيليب هاموند، وزير المالية السابق. وتم طردهم من الحزب المحافظ في أعقاب التصويت، وأشار عديد من الصحف أمس إلى أن جونسون "فقد السيطرة". وفيما عنونت صحيفة "تايمز" بأن "رئيس الوزراء خسر تصويتا تاريخيا"، نددت "ديلي إكسبرس" المؤيدة لـ"بريكست" بـ"استسلام البرلمان للاتحاد الأوروبي"، منددة بـ"يوم آخر مذل في ديمقراطية مفترضة".
مشاركة :