على عكس الانطباع السائد عن هيمنة الذكور بصورة تلقائيّة على ثورة المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة، تسعى الكاتبة النسويّة الأميركيّة شيريل ساندبرغ لإثبات أن النساء قادرات على قيادة الشركات الكبرى في «وادي السيليكون»، بل أنها ترى أن تأخّرهن في اقتحام مراكز القيادة، لا مبرر عمليّاً له، سوى سطوة معنوية غير مبرّرة للذكور. ومن المستطاع ترجمة ذلك الكتاب الذي لم يجد طريقه للترجمة عربيّاً، على النحو التالي: «اقتحمن يانساء، في العمل، وأبرِزْن إرادتكن في القيادة»Lean In, Women, Work and the Will to lead. ولم تأتِ المؤلّفة من صفوف من يكتفين بالتنظير لحقوق المرأة في قيادة مسار ثورة المعلوماتية والشبكات، بل أنها من قلب مناصب القيادة في شركات «وادي السيليكون» الأميركي. إذ تشغل ساندبرغ منصب الرئيسة الإجرائيّة للعمليات في «فايسبوك»، الشبكة الشهيرة للتواصل الاجتماعي. وصفت بعض المؤسّسات الإعلاميّة، كمجلة «تايم» الأميركيّة، ساندبرغ بأنها تمثّل «الوجه الجديد للنسويّة»، بل أنها كرّست رائدة في المفاهيم المعاصرة عن دور المرأة في العمل. وبإلقاء نظرة على حياة ساندبرغ المهنيّة، يتبيّن أنها درست في جامعة «هارفرد» الأميركيّة، وعملت في مؤسسات كـ»ماكينزي آند كومباني»، والخزينة الأميركيّة. كذلك قادت فريق المبيعات التجارية في شركة «غوغل»، قبل ان يتصل بها مارك زوكربرغ ويعطيها مركز الرئاسة الإجرائي التنفيذية للعمليات في فايسبوك، نرى ان من الواضح أنها ليست بشخص عادي. لكن النصائح التي يقدمها الكتاب مفيدة لكل امرأة تأمل بتحقيق النجاح في مكان عملها. وأُدرِج الكتاب الذي نشرته «دار دابليو اش ألين» للنشر، على قائمة صحيفة «تايمز» لأفضل الكتب في عام صدوره (2013)، كما نال جائزة «غولدمان ساكس» المرموقة في السنة عينها. وتعتبر المداخلة التي قدّمتها ساندبرغ في جامعة «تيد» TED (يختصر الإسم عبارة Technology, Engineering & Design، ما يعني «تكنولوجيا وهندسة وتصميم») في العام 2011. وفي الكتاب، تستعين ساندبرغ بإحصاءات عالميّة لوصف مشكلة مشاركة المرأة في المراتب القياديّة في المؤسّسات الكبرى. كذلك تسرد بعضاً من تجاربها الخاصة، مدلية بآراء ثاقبة حول الأسباب التي لا تزال تحول دون تقدّم النساء في عالم الأعمال عموماً، خصوصاً شركات المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة. مسؤوليّة المرأة أولاً لعل أكثر ما يميّز الكتاب، أن ساندبرغ تضع المسؤوليّة على عاتق المرأة نفسها لمعالجة المشكلات التي تعانيها، داعية النساء إلى «الجلوس إلى طاولة حياتهن المهنيّة»، بمعنى تولي زمام الأمور عوضاً عن انتظار حلٍ من قبل المجتمع والذكور. ولا شك أن ذلك تفكير إيجابي، ولعله أدى دوراً في إيصالها إلى المكانة المرموقة التي تحتلها، وضمنها أنها حلّت عاشرةً على لائحة مجلة «فورتشن» Fortune لأهم النساء في عالم الأعمال في العام 2014. في كتابها «اقتحمن يا نساء...»، ترى ساندبرغ أن النساء غالباً ما «يخرجن قبل أن يخرجن» من مكانتهن في العمل. وتقصد بذلك أن كثيراً من النساء العاملات، حتى عندما يكن غير متزوجات ومن دون أطفال، لا يحرصن على تنمية قدراتهن المهنيّة بالقدر اللازم، لأنّهن يخطّطن أساساً لمستقبل يتمحور حول الأسرة، ما يجعلهن ينظرن إلى العمل بوصفه شيئاً يتناسب مع الأمومة! وتعطي مثلاً عن وجود ميل تقليدي لدى كثير من النساء، عبر ما جرى أثناء اجتماع استُضيف فيه وزير أميركي في مكاتب «فايسبوك». فعندما دعي المسؤولون ومساعدوهم للجلوس إلى طاولة الاجتماع، تراجع الفريق المساعد للوزير، وهو فريق من النساء، إلى الجزء الخلفي للغرفة، في حين جلس الذكور بأريحيّة واضحة حول تلك الطاولة! ولعل تلك الحادثة ألهمتها عنوان الكتاب، لأنها تعتقد أن الوضع الأكثر منطقيّة هو أن تجلس النساء إلى الطاولة على قدم المساواة مع الذكور، وأن تقتحم رؤوسهن فضاء تلك الطاولة أيضاً. كما تشير ساندبرغ إلى سلوكيات لاحظتها لدى عديد النساء العاملات، كالتردّد في التكلّم أثناء الاجتماعات، أو التباطؤ في الإدلاء بآرائهن، أو اعتقاد بعضهن بأن إظهار ذكاء الأنثى ربما أدّى إلى ابتعاد الذكور عنها. وتعتقد أن تلك الجدران الداخليّة تساهم أيضاً في تباطؤ المسار المهني للكثيرات ممن يكون مستقبلهن المهني واعداً. واستطراداً، تنظر كثير من الإناث إلى نجاحهن في شركات المعلوماتيّة والاتصالات، كأنه استثناء، فيما يعتبره الذكور نجاحاً مستحقّاً. لا لـ «فارس الأحلام» في الكتاب عينه، تنتقد ساندبرغ سياسات توظيفيّة حديثة، كنظام الإرشاد في الشركات الكبرى للمعلوماتيّة، على رغم أنه يهدف نظريّاً إلى تعزيز المساواة بين الجنسين، إذ تعتقد ساندبرغ أن ذلك النظام يجعل البحث عن مرشد العمل مُشابهاً للبحث عن «فارس الأحلام» بالنسبة الى كثيرات، بل تنصح العاملات بأن يستعضن عن الإرشاد بطلب المشورة في شأن مواضيع محدّدة من الاختصاصيين بها. كذلك تورد ساندبرغ أن أهم مقوّمات نجاح المرأة في المعلوماتيّة، يتمثّل في العمل الدؤوب للجمع بين واجبات العمل والأسرة سوية. وتحضّ نظيراتها على الاستعمال المُكثّف للتقنيّات الرقميّة في العمل والمنزل، خصوصاً للتعويض عن حضورهن المباشر. وتنصح أيضاً بضرورة الوصول إلى المنزل في وقت يتناسب مع نشاطات الأطفال وأوقات نومهم، ما يعني الاعتماد المكثّف على الشبكات الرقميّة والبريد الإلكتروني والهواتف الذكيّة، لمتابعة شؤون العمل، إضافة إلى إيجاد نظم رعاية سليمة للأطفال خلال ساعات عمل الأم. والمفارقة أن النقطة الأخيرة واجهت نقداً كثيفاً، خصوصاً عبر الإشارة إلى أن ساندبرغ تملك ثروة تقارب 500 مليون دولار، ما يمكّنها من الحصول على نوعيّة من الرعاية لأطفالها تعجز عنها شرائح كثيرة من النساء العاملات في العالم الغربي. ولم يفت ساندبرغ أن تخصّص قسماً من كتابها للرجال. وتشير إلى أن «الشريك المناسب» يتمثّل في الشخص المستعد للمـــشاركة في الواجبات المنزليّة كي يساهم في إعطاء زوجته فرصة النجاح في العمل. ويبدو أن الكتاب لفت بعض رؤساء شركات المعلوماتيّة إلى عيوب في سلوكهم مهنيّاً، إذ نُقِلَ عن جون تشامبرز، الرئيس التنفيذي لشركة «سيسكو» Cisco، أن قراءته كتاب ساندبرغ نبّهته إلى أن فريق القيادة في شركته يصف المرأة الوحيدة في صفوفهم بأنها «عدوانية» عندما تتصرف بطريقة تشبه ما يفعله نظرائها الذكور. وبعيداً من طموحات الأمهات أنفسهن، تتطرّق ساندبرغ إلى موضوع آخر: تنشئة البنات، إذ جنّدت ساندبرغ نساءً من المشاهير، كالمغنية بيونسيه، ليساهمن في حملة «لنمنع كلمة متسلّطة» Ban Bossy. إذ تدعو الحملة إلى التوقّف عن نعت كل بنت صغيرة لها شخصية قوية بالـ «متسلطة»، بدل تشجيعها على الثقة بنفــسها، كأن يقال لها إنها تملك مهارة القيادة.
مشاركة :