شاء المولى سبحانه وتعالى -برحمته وعنايته- أن يفتح أبواب السماء بمطر مدرار في وقفة عرفات والأيام التي تلته على الجموع التي وفدت من كل فج عميق ومن كافة أصقاع الدنيا ملبية نداء الحج، الركن الخامس من أركان الإسلام. كان المنظر مهيباً دالاً على عناية ورحمة الله بعباده الملبيين والخاضعين لجبروته وقدرته والراجين مغفرته والطالبين لرحمته ورضاه والذي خفّف عنهم وطأة قيظ حرارة تلك الأيام الصيفية الشديدة الحرارة من أيام شهر أغسطس المعروف بكونه أشد أشهر السنة حرارة في كافة أنحاء النصف الشمالي من الكرة الأرضية والذي لم تسلم منه هذه السنة مناطق قارتي أوربا وأمريكا الشمالية المعروفتان باعتدال أجوائهما. جاءت أمطار الخير والبركة متممة للجهد الإنساني المميز الذي تم بذله بتوفيق من الله من كافة قطاعات ووزارات وأجهزة الدولة لخدمة ضيوف الرحمن وبمتابعة شخصية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، صاحب الجهد المميز لوضع التقنية والتطبيقات الذكية في خدمة الحج بكافة تفاصيله وذلك من خلال رؤية المملكة 2030 والهادفة إلى الوصول بأعداد الحجاج والمعتمرين القادمين للمملكة سنوياً إلى 30 مليون من الحجاج والمعتمرين. نقلت لنا وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي صوراً تتحدث عن نفسها للجهد المنقطع النظير للخدمات والمواقف الإنسانية التي قدمتها وبكل احترافية واقتدار كافة قطاعات الدولة وعلى رأسها القطاعات الأمنية لضيوف الرحمن في أكبر تجمع إنساني يبهر سنوياً العالم أجمع بدقة تنظيمه وانسيابية تحركه وتنقله مع توفير تام لكافة الخدمات لهذا التجمع وبأرقى المعايير الدولية. مشاهد النجاح الباهر لحج عام 1440 لم تأت من فراغ، بل من جهد وعمل دؤوب وخبرة تنظيميه لسنوات متراكمة لهذا التجمع الإنساني المكون من أعراق وثقافات ولغات مختلفة، صدقت فيها مقولة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، رئيس لجنة الحج المركزية بقوله بأنه ليس هناك جهة أو منظومة في العالم تستطيع أن تقدم ما تقدمه المملكة لهذا التجمع الإنساني الضخم الذي تعتز وتتشرّف بخدمته سواء فيما يخص الخطط الاحترافية المدروسة بعناية وعن تجربة وخبرة ممتدة لعشرات من السنين أو فيما يخص الخدمات والعناية والتسهيلات التي تقدمها المملكة لضيوف الرحمن وبأفضل وأرقى المعايير المتعارف عليها دولياً، مضيفًا ومصيبًا عين الحقيقة بأن عدم الرد على الحملات المسعورة والمأجورة على قدرة المملكة في تنظيم شؤون الحج هو الطريقة المثلى والصحيحة للتعامل مع مثل هذا الهراء الذي لم ينطل على أحد من موريتانيا في أقصى غرب العالم الإسلامي وحتى إندونيسيا في أقصى شرقه. رأينا كيف تناغم أكثر من 350 ألف شخص من عسكريين ومدنيين في منظومة فريدة وفرتها الدولة لخدمة ضيوف الرحمن مع رفع لحالة التأهب لأقصى درجاتها على المستوى الوطني في كافة أجهزة الدولة الأمنية والصحية والخدمية. شاهدنا كيف كرّم صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف آل سعود وزير الداخلية أحد الجنود الذي رفض بكل أدب واحترام هدية عبارة عن مبلغ مالي من حاجة عربية دفعها للتعبير عن امتنانها ما شهدته من تفان وحرص من الجنود على راحة وخدمة ضيوف الرحمن، وهو أمر لم يكن الجندي الذي تم تكريمه سوى نموذج لما هو حال وديدن كافة قادته وزملائه الذي يستشعرون حجم الأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتقهم في تنفيذ كل ما أوكل إليهم من مهمة نبيلة هي فخر لهم ولبلادهم قيادةً وشعباً. شاهد العالم معنا المستوى الراقي من الخدمات الصحية النموذجية المقدمة مجاناً لضيوف الرحمن والتي منها عمليات غاية في التعقيد، تكاليف إجرائها بمئات الآلاف من الريالات وهو الأمر الذي وفي كل موسم حج يُذهل مندوبو منظمة الصحة العالمية الذين تدعوهم وزارة الصحة سنوياً للاطلاع على الخدمات الطبية المقدمة للحجاج والذي أثلج صدور المنظمة والجميع بإعلان معالي وزير الصحة الدكتور توفيق الربيعة عن خلو موسم الحج من كافة الأمراض الوبائية خصوصاً فيروس إيبولا المسبب لحُمى النزف القاتلة والذي انتشر تزامناً مع فترة موسم الحج في عدد من الدول الإفريقية، وكما هو معروف وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية فإن المملكة تضع معايير وشروطاً غاية في الصرامة والدقة للتأكد من سلامة كافة الحجاج القادمين لتأدية فريضة الحج ولا تقبل مطلقاً أي تراخ في تنفيذ الشروط الصحية الواجب توافرها لكل قادم للحج. شاهدنا كيف أن التطبيق العملي للحج الرقمي والذي هدفت إليه رؤية المملكة 2030 كان بعد فضل الله من وراء نجاح موسم حج عام 1440 بامتياز، ولقد شمل هذا التطبيق عدة مبادرات منها مبادرة طريق مكة والتي أطلقتها وزارة الداخلية قبل سنتين والتي تتيح للحجاج إنهاء كافة إجراءات سفرهم من محطات انطلاقهم من بلدانهم بما في ذلك إجراءات الدخول وإجراءات السكن ونقل العفش مما يمكنهم من الخروج من صالات المطارات مباشرة ووصولهم إلى مقر سُكناهم سواء كان ذلك من مطار الملك عبدالعزيز بجدة أو مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز في المدينة المنورة، هذه المبادرة تم تطبيقها حتى الآن على حجاج خمس دول هيإندونيسيا، ماليزيا، باكستان، بنغلاديش وتونس، كذلك فإن الحملة المنسقة والمنظمة تنظيماً فائق الدقة والتي أطلقتها إمارة منطقة المكرمة بأنه لا حج بلا تصريح ساعدت إلى حد كبير وملاحظ هذا العام في الحد وبشكل كبير من خلو حج هذا العام من حجاج الداخل غير النظاميين. شاهدنا وبكل فخر ببلادنا وقيادتها موكب تفويج الحجاج المنومين في مستشفيات المدينة المنورة وذلك لتمكينهم من أداء الفريضة التي قدموا لها ومنعتهم ظروفهم الصحية من إكمالها بحرص ومتابعة على مدار الساعة من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة المدينة المنورة، والذي يضع معايير صارمة على كافة الأجهزة الحكومية بمنطقة المدينة المنورة لتقديم أفضل الخدمات والتسهيلات لضيوف الرحمن القادمين للمدينة المنورة لزيارة المسجد النبوي الشريف. المنظومة الإعلامية في تغطية موسم حج 1440 كانت هي الأخرى مميزة وإن تفوقت في الخدمات المقدمة من وزارة الإعلام من خلال منصات التواصل الاجتماعي التي نقلت للعالم أجمع صور غاية في الجمال والإبداع تتحدث عن نفسها لقصص الحج وتجلياتها الروحانية والإنسانية والتي زادها جمالاً ورونقاً وإبداعاً التساقطات المطرية التي أشاعت بين ضيوف الرحمن روح التفاؤل بقبول حجهم وغفران ذنبهم. وفي خطوة تتماشى مع أهداف رؤية المملكة 2030 نحو الحج الرقمي، سمعنا معالي وزير الحج والعمرة الدكتور محمد صالح بنتن يصرّح عن نية وزارته بدءاً من موسم الحج المقبل عن تطبيق الأسورة الذكية والتي تحمل شريحة مسجل عليها كافة المعلومات الخاصة بالحاج من تفاصيل جواز سفره إلى حالته الصحية وكل المعلومات الضرورية ذات الصلة به. كان حج 1440 حجاً ناجحاً نجاحاً نموذجياً وضحت فيه وبكل شفافية تحقيق الأهداف المتعلقة بتنظيم شؤون الحج برؤية المملكة 2030 وذلك من خلال استخدام التقنية الحديثة وبدا وكأن زخات المطر التي صاحبت أيام الحج وكأنها تعلن أن النجاح الباهر الذي تحقق هو بداية لانطلاقة قوية لمستقبل مشرق يرى النور في مختلف نواحي التنمية في المملكة بعد إعادة هيكلة الاقتصاد؛ وذلك مصداقاً للمقولة التي مفادها «أول الغيث قطرة ثم ينهمر». ختاماً واستشعاراً من قيادة المملكة بحجم مسؤوليتها عن راحة حجاج بيت الله فإن مهمة الاستعداد للموسم المقبل تبدأ مباشرة مع نهاية موسم كل حج بقراءة للسلبيات والإيجابيات المرصودة والتخطيط للموسم المقبل، ولعل أوضح ما يدل على أن المملكة وقيادتها تضع راحة ضيوف الرحمن على سقف أولياتها هو ما جاء في خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزبز آل سعود، حيث قال مخاطباً الحفل الكبير بمشعر منى والذي أقامه لضيوف المملكة من قادة وزعماء وممثلي الحكومات الإسلامية بقوله -حفظه الله- «لقد شرَّف الله المملكة العربية السعودية بخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن، خدمة نفخر بها، فجعلنا رعايتهم وسلامتهم في قمة اهتماماتنا، وسخّرنا لهم كل ما يعينهم على أداء حجهم».
مشاركة :