تجميد أصول بمليار دولار يفاقم أزمات تونس المالية

  • 9/7/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أطلق خبراء تونسيون صفارات الإنذار من دخول الاقتصاد في أزمة عميقة بعد أن قررت محكمة دولية تابعة للبنك الدولي تجميد أصول وسندات للدولة بقيمة مليار دولار. ويشمل المبلغ رأس مال المؤسسة الاستثمارية موضوع النزاع وغرامات التأخير في سداد الأموال المرصودة لإنشائها، إلى جانب الفوائد وأتعاب التقاضي في القضية، التي تفجرت قبل نحو أربعة عقود. ويرى كثيرون أن القرار يمس من سمعة تونس خارجيا وسيضع الإصلاحات الاقتصادية في دائرة الشكوك، في الوقت الذي يستعد فيه الناخبون للتوجه إلى صناديق الاقتراع بعد أسبوع من الآن لاختيار رئيس جديد للسنوات الخمس المقبلة. ووصف خبراء لـ”العرب” أن ما حصل يرتقي لـ”فضيحة دولة” بسبب التراخي في معالجة المشكلة حينما كانت الظروف تسمح بتسوية القضية بدفع نحو 15 مليون دينار (5 ملايين دولار) للمشتكين. واستصدر خصم الدولة التونسية في القضية المعروفة باسم “فضيحة البنك الفرنسي التونسي”، والتي حركها وزير أملاك الدولة الأسبق سليم بن حميدان في عهد الترويكا، قرارا قضائيا الخميس الماضي لتنفيذ الحكم الصادر في يوليو 2017. وسيتضرر بنكان حكوميان هما بنك الإسكان والشركة التونسية للبنك، المساهمان الرئيسيان في الكيان محور النزاع. وتقول مصادر مطلعة، رفضت الكشف عن هويتها، إن السلطات قد تكون رفضت أو تراخت لأسباب مجهولة في تسوية المسألة وديا بين الطرفين حينما منح قضاة المحكمة، التي تعهدت بالدعوى، تلك الفرصة حتى لا تتفاقم الأمور أكثر. وتعود المشكلة، التي بدأت تظهر في الكواليس إبان حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي مع تأسيس هذا البنك المملوك للمجموعة الاستثمارية أي.بي.سي.إي قبل ثلاثة عقود. ولكن سطوة نظام بن علي شتت انتباه الرأي العام عن القضية، التي كانت موضع نقاشات بعيدا عن دوائر صنع القرار خاصة بعد أن تم اعتقال وسجن مؤسس البنك عبدالمجيد بودن. وتشكلت جذور الأزمة بين الطرفين في عام 1982 حينما قررت المجموعة الفرنسية مضاعفة رأس مال البنك التونسي الفرنسي في أبريل، لكن في ديسمبر من نفس العام تم إلغاء الخطوة لينطلق النزاع ويمر بمراحل متشعبة. وقال الخبير معز الجودي لـ”العرب”، إن “ما حصل يعتبر فضيحة وعار على الدولة التونسية، التي فشلت في إنهاء الخلاف بالطرق السهلة التي كانت متاحة أمامها”. وأضاف إن “تنفيذ الحكم الذي يمكن أن يطال كافة أصولها ومواردها في الخارج، ستكون له تداعياته وخيمة على صورة تونس في العالم”. وأوضح أنه بموجب الحكم القضائي ستتم مصادرة عقارات الدولة في الداخل والخارج، وأيضا جميع الأموال المتداولة في الحسابات المصرفية في المؤسسات البنكية في الخارج. كما أنه سيتيح تجميد نشاط طائرات الخطوط التونسية الحكومية حين وصولها للمطارات الدولية، فضلا عن منع أسطول السفن التجارية والسياحية من مغادرة الموانئ العالمية، التي ترسو فيها. ولن يطال الحكم الأصول السيادية فقط، بل ستبلغ تداعيات الأزمة لمستويات كارثية لأنه سيدفع وكالات التصنيف الدولية إلى خفض درجة ترقيمها وهو ما سيؤثر بشكل كبير على بيئة الأعمال التي تحاول الابتعاد عن خط الأزمة. وقال الجودي لـ”العرب” إن “الخطوة ستؤثر على تصنيف تونس السيادي وستقلص من نجاح أي خروج لبلادنا للحصول على أموال من السوق الدولية إلي حين سداد مبلغ التعويض”. ومن المتوقع أن تواجه تونس صعوبة في تسديد هذا المبلغ الضخم، الذي سيؤثر بشكل مباشر على التوازنات المالية المختلة أصلا، بينما تستعد الحكومة لوضع اللمسات النهائية على موازنة العام المقبل. ورغم أن الأزمة تسببت في ضجة هائلة داخل الأوساط المالية والشعبية، إلا أن الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان قلل من تداعيات المشكلة في حال تمكنت السلطات من “حفظ ماء الوجه” بالإسراع في إيجاد حل قبل تنفيذ قرار التجميد. وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن المحكمة التابعة للبنك الدولي منحت الفرصة لتونس عدة مرات منذ العام 2013 لإغلاق الملف عبر تسويته مع المشتكي، لكنها تقاعست عن ذلك. وقال إن “تونس بإمكانها اللجوء لخيارات أخرى لمنع التجميد عبر اقتراح جدولة سداد المبلغ أو إقامة استثمارات محلية تسمح بدفع الأرباح إلى المشتكين على أقساط وفق فترة زمنية محددة”. ولكنه أشار إلى أنه في حال فوتت الدولة على نفسها هذا المنحى، فإنها ستقع في مشاكل كبيرة مستقبلا ستؤثر على توازناتها المالية، وبالتالي ستزيد من مخاطر خفض التصنيف. كما سيفاقم ذلك التحرك المثير للجدل من حجم الدين العام للدولة، والذي تشير توقعات الموازنة الحالية إلى أنه سيصل بنهاية العام إلى 29 مليار دولار، أي 70.9 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ويشير البعض بأصابع الاتهام لحركة النهضة، التي ساهمت بإثارة القضية في 2012 عندما منح حميدان، المنتمي إلى حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (حراك الإرادة حاليا) المتحالف معها في ذلك الوقت عند توليه وزارة أملاك الدولة خلال حكومة الترويكا “وثائق سرية” لمؤسس بنك أي.بي.سي.إي بودن، والذي استخدمها بدوره ضد الدولة التونسية. وكان وزير أملاك الدولة السابق مبروك كورشيد، والذي لم تتمكن “العرب” من الحصول على تعليق منه بشأن الأزمة، قد أكد مرارا أن حميدان هو من تسبب في “إذكاء القضية بتسليمه وثائق حكومية إلى الشاكي”. ومرت القضية بمراحل كثيرة، حيث تم إبرام تسوية في 1989 بين الطرفين، لكن السلطات التونسية أخلّت بوعودها، ليتم إصدار حكم من القضاء التونسي في عام 1994 بسجن بودن عشرين عاما. وبعد تسع سنوات، حرك بنك أي.بي.سي.إي القضية مرة أخرى ضد تونس التي كلفت مكتب المحاماة الدولي هيبرت سميث ومقره بريطانيا، بتولي القضية في منتصف 2008 بطريقة بدت ملتوية. وذكرت هيئة الرقابة العامّة لأملاك الدولة في مذكرة حول النزاع نشرتها في يونيو 2013 أن المكلف بنزاعات الدولة في ذلك الوقت أسند القضية للمكتب دون القيام بمناقصة أو الخوض في تفاصيل الأتعاب.

مشاركة :