أثار منظر "البوكلين" وهو جاثم على "ركبتيه" بكل أريحية وينهش بأنيابه مبنى "تلفزيون جدة"؛ مشاعر كل من رآه، وتوحدت مطالب الترميم أملًا في أن يبقى تاريخًا شاهدًا ومزارًا شامخًا يروي للاحقين زمن النهضة العمرانية والطفرة الإعلامية في المملكة آنذاك. المبنى ذو الـ12 طابقًا تم تشييده بحي النزلة في عام 1960، ووضع حجر أساسه الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- وممن شهد افتتاحه أول وزير للإعلام جميل بن إبراهيم الحجيلان، وظل طيلة العقود الماضية علامة تاريخية تميز مسيرة الإعلام السعودي. وخلال اليومين الماضيين طغى حديث هدم المبنى على كل الأحداث المحلية، ولم تقتصر "الشفقة" على الإعلاميين المخضرمين و"المتأخرين"؛ بل تجاوز للرأي العام، وأصبح "الهمّ" مشتركًا؛ فالكل ينادي ويطالب بوقف الهدم، وترميمه؛ تقديرًا للمخرجات وللأسماء العريقة والرموز الكبيرة التي خدمت الإعلام الإذاعي والتلفزيوني. وشهدت الليلة الماضية بيانًا من هيئة الإذاعة والتلفزيون يبرر أن التقارير الرسمية من الدفاع المدني تؤكد أن المبنى آيل للسقوط، والدراسات الهندسية أثبتت عدم جدوى ترميمه، وتم إخلاء المبنى في وقت سابق ونقل العاملين لموقع آخر. وتساءل المتعاطفون: كيف يوصف المبنى بالمتهالك ومعدّة "البوكلين" في أعلاه تنهش بقوة دون أن يتأثر؟ ولماذا لا يتم ترميمه ليبقى وسمًا في تاريخ الإعلام السعودي؟، ثم كيف سيمحى أثر رموز كبيرة قدمت للإذاعة والتلفزيون أعمالًا جليلة لا تُنسى؟. وعلّق الإعلامي خالد المطرفي على حادثة الهدم بقوله: "على وزارة الثقافة أن تلحق على هذا العبث: البدء في هدم مبنى الإذاعة والتلفزيون السابق، هذا يرمم مثل المباني التاريخية في قلب أوروبا، ويحوّل إلى متحف للتلفزيون.. يبدو أن الإعلام لا يريد المبنى!". واستدرك "المطرفي": قصدت التوجه للثقافة لأن الإعلام لم يقدر قيمته التاريخية، هذا المبنى افتتحه الملك فيصل رحمه الله. كما أبدى جابر القرني رأيه بقوله: هذه المباني ببعدها التاريخي ليست مجرد إسمنت وخرسانة؛ بل هي جزء من وجدان الناس ومن ذاكرتهم، كنت في إذاعة جدة قبل الحج وشاهدت بداية أعمال الهدم، وعرفت من الزميل سلامة الزيد أن أسباب الإزالة دواعٍ أمنية احترازية؛ كون المبنى آيلًا للسقوط ويوجد إشكالات في أساساته وقواعده. وأصدرت هيئة الإذاعة والتلفزيون بيانًا حول قرار الهدم، وتضمن البيان أنه سيتم استثمار المبنى وفقًا لبرامج ومبادرات الرؤية. وجاء البيان كالتالي: تتقدم هيئة الإذاعة والتلفزيون بخالص الشكر للذين أبدوا اهتمامهم بخصوص المبنى القديم للإذاعة والتلفزيون في جدة، وتقدر لهم حرصهم على حماية التراث الوطني الإعلامي وتاريخه. وتود الهيئة أن توضح أنها اتخذت قرار إخلاء المبنى ونقل العاملين إلى مبنى آخر، بناء على نتائج الزيارة الميدانية للمديرية العامة للدفاع المدني، وبعد دراسة واختبار لحالة المبنى، نتج عنها أنه غير آمن إنشائيًّا، وأن بقاءه يمثل خطورة على العاملين والمواطنين، كما أكدت الدراسات الهندسية والإنشائية عدم جدوى عمل أي ترميمات له. كما خلصت لجنة المباني الآيلة للسقوط في تقريرها بتاريخ 20/ 2/ 1440هـ، والمحضر المشترك لأمانة مدينة جدة بالمشاركة مع شركة الكهرباء، والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، والإدارة العامة للدفاع المدني، وإدارة مرور محافظة جدة، وأمانة محافظة جدة، إلى التوجيه بإزالة المبنى، وعدم جدوى ترميمه. وتؤكد الهيئة أنها أخذت مسألة حفظ وتأصيل الإرث الوطني المتمثل بالمبنى المذكور، بجدية بالغة وفق عمل مؤسسي طوال الفترة الماضية، سواء فيما يتصل بالمبنى ذاته، أو بما تم إنجازه فيه من أعمال إعلامية خلال سنوات استخدامه. وتطمئن الهيئة الجميع على أنه في مأمن ضمن الأرشيف بالمبنى الجديد، ويجري العمل على استثماره من خلال مبادرات برامج رؤية 2030.
مشاركة :