«قالك كلفة نقل مبارك ونجليه للمحاكمة فاقت الـ 390 مليون جنيه مصري». «بيقولك الإخوان كانوا على وشك بيع سيناء لـ حماس»! «بيقولوا دستور الإخوان يزوج البنت عند سن التاسعة». «قالوا إن دستور لجنة الخمسين يجعل من مصر دولة كافرة». «سمعت أن أوباما أعطى مرسي ثمانية بلايين دولار مقابل توطين حماس في مصر»! «ناس معرفة قالوا لي إن السيسي إخوان»! «ناس معرفة قالوا لي إن السيسي سيجعل من مصر دولة علمانية لا تؤمن بالأديان»! «ناس حبايبي قالوا لي إن الإخوان نزلوا بالملايين في جمعة كشف الحساب»! «ناس حبايبي قالوا لي إن الإخوان نزلوا بالعشرات في جمعة كشف الحساب»! «سمعت إن الجيش فيه انشقاقات ضد السيسي». «سمعت إن الجيش كله وراء السيسي»! «بيقولوا مرسي طلب بطة ووزة وصينية محشي في محبسه»! «بيقولوا مرسي طلب مصحف وسجادة صلاة وسبحة في محبسه»! «قالك السيسي نسي هو خبى مرسي فين». «قالك الإخوان نسوا سبب نزولهم كل يوم جمعة». بين «قالك» و «بيقولك» و «قالوا» و «قالوا له» و «حد قال لي» و «سمعت» و «شاهدت» و «عرفت» وغيرها من تصريفات فعل «قال» وتنويعات أفعال السمع والمعرفة والمشاهدة، يبلغ غرق المصريين الذي بدأ في أعقاب ثورة يناير مداه هذه الآونة في مصادر المعلومات الساخنة والتسريبات المتأججة والتحليلات المشتعلة والتنويهات المتفجرة والتنديدات المتأدلجة والتهديدات المتربصة! ففي ظل تربص مجموعات المصالح وجماعات السعي وراء السلطة وتجمعات رأس المال ومجاميع الصيد في المياه العكرة بالمشهد السياسي في مصر، تجد مجاميع المصريين نفسها صيداً ثميناً لمعلومات مغلوطة وحقائق منتقصة وإشاعات مغرضة وأخبار غير كاملة. غرق المصريون تماماً في بحر هائج مائج من المفرقعات الخبرية والتفخيخات المعلوماتية التي لم تكل أو تمل، أو تهدأ أو تخفت منذ اندلاع ثورة يناير، مروراً بمرحلة انتقالية أولى وحكم إخواني تلته ثورة شعبية ثانية ثم مرحلة انتقالية جديدة حالية. فمن أموال منهوبة عاشت على أملها ملايين من المصريين شغلوا أيامهم عقب ثورة يناير بحساب نصيب الفرد من المال المنهوب العائد إلى أحضان الوطن بعد ما «قيل» لهم إن أموالهم ستؤول إليهم، إلى محاكمة القرن التي أغلق من أجلها أصحاب المحلات أبوابهم وبالغ أصحاب المقاهي في تسعيرة مشروباتهم ودق الزمن على زر التجميد لترديد عبارات التسبيح والتمتمة بجمل عدم التصديق وكأن ثورتهم قد تكللت بنجاح باهر بعدما «قيل» لهم إن المحاكمة انتصرت للحق وقضت على الظلم، إلى حكم تاريخي بالأشغال الشاقة المؤبدة على مبارك أذرف دموع نقيضين هما فرحة القصاص من حاكم طغى وظلم وغمة الحزن على حاكم عدل وظُلِم بعد «قيل» لهم إن الحكم أرضى أرواح الشهداء، إلى انتخاب «الناس بتوع ربنا» في مجلسي الشعب والشورى والرئاسة بعد ما «قيل» لهم إن الإخوان وحلفاءهم من السلفيين لا يخطون خطوة إلا إن كانت في سبيل الله ورسوله (صلّى الله عليه وسلم)، إلى دفاع مستميت عن جماعة الإخوان وتمكينها من أخونة الدولة والإطباق على مفاصلها والقضاء على أواصرها المدنية بعدما «قيل» لهم إن الإخوان أدرى بشؤون البلاد وأعلم بأحوال العباد لأنهم الأقرب إلى الله والأحسن عند الرسول (صلى الله عليه وسلم)، إلى انقلاب شعبي على حكمهم وكراهية عتيدة لكوادرهم وعداء مستحكم لقواعدهم بعدما «قيل» لهم إنهم يبيعون الوطن ويستحلون أرضه ويفككون حدوده ويقسمون شعبه، إلى استنفار من قواعدهم اتباعاً لأوامر كوادرهم ليعتصموا في الميادين ويشككوا في الجيش ويخونوا الشرطة ويكرهوا بقية الشعب بعدما قيل لهم إن «الجيش والشعب والشرطة إيد وسخة» وإنه ثالوث كاره للدين هادم للشريعة معاد لأمير المؤمنين مرسي. وتستمر لعبة الـ «قيل» والـ «قال» و «قالوا له» و «قالوا» و «قالك» لتهيمن على مقاليد الأمور وتسيطر على مفاتيح الصدور. فالمصريون، حتى بعد انقسامهم ووقوفهم للمرة الأولى في تاريخهم على جبهتين متناقضتين، لا يجمع بينهم إلا الانصياع التام لـ «بيقولك» ،»بيقولوا»! من انقلبوا على حكم الإخوان يعتبرون كل ما يصدر عن الرموز المعادية للإخوان معلومات موثقة وأخباراً مؤكدة وحقائق مثبتة. ومن تمسكوا بحكم الإخوان يعتبرون كل ما يصدر عن رموز الجماعة وكوادر حلفائها من الجماعات الدينية معلومات موثقة، إضافة الى هالة من القدسية تحيطها، وأخباراً مؤكدة، إضافة الى دارة من الروحانية تظللها، وحقائق مثبتة، إضافة الى أجواء من الفتوى تؤمنها. فالمصريون من كارهي الإخوان يرون فيهم تهديداً لأمنهم وترويعاً لصغارهم وتعطيلاً لمرورهم وتكبيلاً لتحركاتهم وتربصاً ببلادهم وتقييداً لحرياتهم. ولأنهم على قناعة بذلك، فإنهم يجدون في «قالك الإخوان يدفعون 500 جنيه يومياً لكل معتصم» و «بيقولوا الإخوان أوشكوا على بيع سيناء وقناة السويس وحلايب وشلاتين» و «بيقول لك الإخوان والأمريكان مشروعهم واحد» و «سمعت إن قانون التظاهر موجه للإخوان وسأتظاهر للمطالبة بتمريره» حقائق لا ريب فيها. والإخوان من كارهي المصريين يرون فيهم تهديداً لدينهم الإسلامي وترويعاً لمشروعهم الهادف للخلافة الإسلامية وتعطيلاً لمسارهم نحو إحياء دولة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وتربصاً ببلادهم التي لا تعترف بحدود ولكنها الولايات المتحدة الإسلامية وتقييداً لحريتهم في فرض قيود وأغلال على الجميع من أجل التأسيس والترسيخ للدولة النموذجية وهي الدولة الإسلامية العابرة للقوميات. ولأنهم على قناعة بذلك، فإنهم يجدون في «قالك السيسي عدو الله ويعادي الدولة الإسلامية ويؤسس للدولة العلمانية الكافرة» و «بيقولوا الانقلابيين كلهم رقاصين وشواذ وعبدة شيطان يريدون أن يحولوا مصر إلى دولة فاجرة» و «بيقولك الانقلاب هو الإرهاب وسيسي قاتل وسيسي خائن وسيسي عميل» و «سمعت أن قانون التظاهر حماية للانقلاب والانقلابيين» حقائق لا ريب فيها. ويظل الخبر الموثق والمعلومة المؤكدة والحقيقة الثابتة من رابع مستحيلات مصر بعد نحو ثلاثة أعوام من ثورة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. فقد حجبها غول المصالح وعنقاء الإسلام السياسي وخل الفساد الوفي لتصبح الحقيقة رابع المستحيلات.
مشاركة :